"قبل الأربعين" يخسر رهان الرعب بقصة مستنسخة

الجمهور المصري يقبل ما ورائيات الطبيعة بشرط إقناعه وإبهاره فنيا.
السبت 2021/06/05
أشباح الموتى ينتقمون من الأحياء.. حبكة مستوردة

ليس أيسر من ركوب الموجة أو الترند كما يُحب رواد السوشيال ميديا القول تعبيرا عن الشائع والذائع من الأعمال الفنية، لكن الصعب والمُجهد هو صناعة الترند، ذلك لأن صياغة الدهشة وبثّ الشغف ولفت الأنظار إعجابا عملية تستلزم مواهب خاصة وطلات مختلفة واجتهادات عميقة.

القاهرة – لا يوفّق الكثير من مبدعي السينما والدراما في اتخاذ مسارات يعتقدون أنها تشكل الترند الفني، فيخرج المُنتج مُتعجلا، وربما مشوها، مُصطدما مع المنطق وغير لافت فنيا، وهو ما حدث مع الفيلم المصري “قبل الأربعين” الذي عُرض في القاهرة مؤخرا ولم يمكث الفيلم سوى بضعة أسابيع ولم يُحقق عائدات مقبولة، في ظل استمرار إجراءات التباعد الاجتماعي المعمول بها في ظل انتشار وباء كوفيد – 19 المستجد.

لم تُظهر صفحات المحاورات الفنية على مواقع التواصل اهتماما بالفيلم الذي قام ببطولته الفنان الصاعد معتز هشام، بمشاركة بسمة وإيهاب فهمي وداليا مصطفى وهالة فاخر عن سيناريو وحوار أحمد عثمان ومن إخراج معتز حسام.

حكاية لا منطقية

على الرغم من رهان الأخبار الترويجية المنشورة عن الفيلم قبل وخلال عرضه على احتفاء الجمهور بالعمل باعتباره من أفلام الرعب التي تغوص في عالم الجن والأشباح، إلاّ أن النتيجة النهائية جاءت شديدة التواضع.

وأتت القصة التي ذكر أبطال العمل في منشوراتهم الدعائية أنها شديدة الروعة، مفكّكة وسطحية وخالية من المنطقية والتسلسل المتفق مع التفكير العقلاني، وكرّر العمل العديد من الثيمات المستخدمة بتوسع في السينما العالمية، لكنها منفصلة عن المجتمع العربي.

 

الفيلم كرّر العديد من الثيمات المستخدمة بتوسع في السينما العالمية، لكنها منفصلة عن الواقع العربي

ويحكي الفيلم حكاية مراهق اسمه فريد، يقوم بدوره الممثل معتز هشام، يجد نفسه فجأة وحيدا بعد انتحار والدته التي قتلت زوجها وابنتها بسبب لعنة ذاتية، ويُجابه فور الحادث سعي أعمامه لفرض الوصاية عليه بأي طريقة والاستيلاء على البيت الذي يريد بعض الغرباء شراءه بثمن مغر.

ويقاوم فريد جشع عمه أكرم (إيهاب فهمي) مع خنوع عمه الآخر والمقعد رياض (أحمد حلاوة)، بينما يجد تعاطفا من سما (بسمة) زوجة عمه أكرم، والتي تعمل طبيبة نفسية.

وخلال الأحداث تظهر والدة فريد، ملك (داليا مصطفى)، والتي سبق وانتحرت بشنق نفسها أمام ابنها بعد موتها لتُخبره بأنها ستبقى معه حتى ينتصر على أعمامه، وتدعوه للتمسّك بكتاب السحر المخبأ في “بدروم” البيت والمداومة على قراءته.

تبدأ عملية الانتقام غير المنطقية للفتى الصغير البالغ خمسة عشر عاما، ليقتل جميع المحيطين به سواء الأشرار أو الطيبين بطرق ساذجة وغير مقنعة لدرجة أن عمه الأكبر المقعد يختفي تماما دون أن نعرف حتى النهاية كيف اختفى وأين ولماذا لم يعرف مصيره؟

وتستمر مسيرة الدم بلا هدف محدّد خلال الأربعين يوما التالية لحادث انتحار ملك، اعتمادا على قراءة الفتى المراهق لطلاسم سحرية من الكتاب الخاص بوالدته، وتنتهي القصة بغرابة غير مبرّرة بمشهد قيام الفتى المراهق بشنق نفسه بعد إتمام كافة عمليات القتل.

راهن طاقم الفيلم على فكرة الترند دون اهتمام بمنطقية القصة التي تصوّروا أن مجرد كونها حكاية أشباح كفيلة بإثارة شغف الجمهور، وربما راهنوا على أن النجاح الكبير لفيلم “الفيل الأزرق” واهتمام جمهور المنصات التلفزيونية بمسلسل “ما وراء الطبيعة” الذي عرض على نتفليكس مقدّما حكايات الأشباح والقوى الخارقة، يعني أن أي عمل في مجال أفلام الرعب والأشباح يُمكن أن يُحقّق نجاحا في ظل كساد واضح تعاني منه السينما بسبب كورونا.

خسر الجميع الرهان، ولم يمثل العمل مكسبا للشركة المنتجة وجاءت العائدات هزيلة، كما لم يمثل الفيلم إضافة للمخرج الشاب معتز حسام الذي سبق وقدّم دورا جيدا في مسلسلي “قمر هادىء” و“ضد مجهول”، وفيلم “ريما”.

عودة متعجلة

Thumbnail

لم تنجح الفنانة بسمة الغائبة منذ عدة سنوات عن السينما في أن تسترد بهذا العمل الباهت المتعجل جمهورها الذي ساندها طويلا في مشوارها الفني منذ قدّمت أدوارا لافتة في أفلام “الناظر صلاح الدين” مع الراحل علاء ولي الدين، و“النعامة والطاووس” مع مصطفى شعبان، و“ليلة سقوط بغداد” مع أحمد عيد، و“رسائل البحر” مع آسر ياسين.

كذلك الحال بالنسبة إلى داليا مصطفى التي ظلت بعيدة عن السينما لسنوات مكتفية بأدوار ثانوية في المسلسلات، ظهرت في الفيلم بهيئة شبح المرأة المنتحرة، ولم تكن مثيرة لأي انتباه ولم ترسم سمات انفعال قادرة على إقناع المشاهد بأنه يرى أمرا قريبا من الواقع.

وجاء أداء إيهاب فهمي متوسطا ومن دون أن يعبّر عن خصوصية متفرّدة في التمثيل، بينما وضع أحمد حلاوة في إطار مقيد غير قابل لتقديم أداء مختلف يثير انتباه المشاهدين.

والاستثناء الوحيد في حسابات المكسب والخسارة الفنية، كان من نصيب الفنان معتز هشام والبالغ من العمر سبعة عشر عاما، حيث حظي بدور أقرب للبطولة الأولى، وكان الفتى الصاعد قد لفت الأنظار في عدة مسلسلات شارك فيها مؤخرا، أهمها “الطوفان”، و“أبوعمر المصري”، و“ممالك النار”، ثم “الاختيار 1” وفيلم “القاهرة – كابول”.

لكن الحرص على استيراد الفكرة الخرافية لحركة أشباح الموتى وانتقامهم من الأحياء من السينما العالمية تم في هذا العمل من دون رسم تسلسل زمني منطقي يسمح بقبول ما ورائيات الطبيعة، وبدا أن دفع جميع الأشخاص للموت انتحارا بمثابة حل غير واقعي لا يُمكن أن يتوافق مع ظروف المجتمعات العربية الأكثر تحفظا تجاه فكرة الانتحار.

في الوقت ذاته، فإن مشاهد اللجوء للتصوير داخل المقابر وتحريك معظم الأحداث خلال الظلام، ورفع صوت الموسيقى التصويرية في الأوقات الخطرة تعبيرا عن الإثارة، وطول فترات الصمت بين الشخوص، كل هذه الثيمات المستوردة تعكس نوعا من التعجل والافتعال.

ويخرج المشاهد للفيلم وهو لا يعرف سر “الأربعين” يوما المحدّدة للانتقام، ولم نفهم ما هي الدوافع في عدم تجاوز فترة الانتقام لتلك المدة تحديدا؟ وهل هي تعكس فترة الحداد في الموروث الشعبي المصري؟

وقد خلت قصة الفيلم من توضيح لجذور الخلاف بين السيدة المنتحرة وأشقاء زوجها، ولم تبرر للجمهور كراهيتها لهم، ما يعني أن العمل، وإن اتخذ مسارا فنيا ظاهرا متفقا مع الموجة السائدة لأفلام الرعب، فإنه افتقد المصداقية والمنطقية والتوازن، بما جعله يبدو غير مقنع.

14