قبضة أردوغان بعد الانقلاب تزعزع الثقة بالاقتصاد التركي

من المرجح أن تستقبل الأسواق التركية اليوم تداعيات قاسية لمحاولة الانقلاب، يمكن أن تدخل البلاد في أزمة اقتصادية ومالية شديدة، ليس فقط بسبب ما حدث خلال محاولة الانقلاب، بل بسبب الإجراءات التي بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان باتخاذها لفرض سلطانه المطلق على جميع مؤسسات الدولة وخاصة القضاء.
ومن المرجح أن تتزعزع ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية بالاقتصاد التركي، وأن يشعل ذلك موجة نزوح واسعة لرؤوس الأموال الساخنة التي يعتمد عليها الاقتصاد التركي.
ويلخص تراجع الليرة التركية بنسبة 5 بالمئة خلال اليومين الماضيين، ليتجاوز الدولار حاجز 3.2 ليرة، ما يمكن أن ينتظر الأسواق التركية مع عودة التعاملات صباح اليوم الاثنين، إضافة إلى تراجع كبير متوقع في مؤشرات الأسهم.
ومن المتوقع أن تتلقى حركة السياحة الأجنبية في تركيا ضربة قاسية، بعد أن ازدحمت المطارات بالمغادرين فور عودة افتتاح المطارات بعد فشل الانقلاب، وأن يتم إلغاء معظم الرحلات السياحية إلى البلاد في الفترة المقبلة.
وتأتي هذه الضربة القاسية لقطاع السياحة لتفاقم معاناة القطاع التي امتدت طويلا بسبب تردّي الأوضاع الأمنية والتفجيرات الإرهابية المتلاحقة، وتداعيات ابتعاد السياح الروس منذ إسقاط الطائرات التركية لمقاتلة روسية في نوفمبر الماضي.
4.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية تمر عبر تركيا، إضافة إلى جزء كبير من إمدادات الحبوب
وكانت السياحة التركية تأمل في استعادة البعض من عافيتها بعد اعتذار أردوغان لروسيا واستئناف الرحلات السياحية، لكن محاولة الانقلاب يمكن أن تقضي على تلك الآمال.
وفي إشارة إلى عمق الأزمة الاقتصادية والمالية المتوقعة، أعلن البنك المركزي التركي أنه سوف يقدم للمصارف المحلية “سيولة غير محدودة” حسبما يقتضي الأمر، وسوف يتخذ “جميع التدابير” اللازمة للحفاظ على الاستقرار المالي في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة.
وكانت وسائل إعلام تركية قد أفادت في وقت سابق بأن البنك المركزي قد عقد اجتماعا طارئا لبحث الإجراءات اللازمة.
وتحركت الليرة التركية أمس بانخفاض يصل إلى 5 بالمئة مقارنة بمستويات يوم الجمعة قبل ساعات من محاولة الانقلاب، حيث قفز الدولار من نحو 2.87 ليرة ليصل أمس إلى أكثر من 3.2 ليرة.
وأوضح البنك المركزي التركي في بيان أنه اتخذ البعض من التدابير لأجل الحفاظ على كفاءة أداء الأسواق المالية، وأن السيولة التي سيوفرها للبنوك التركية، ستكون من دون عمولة.
وأكد البيان أن البنك المركزي، في حال اقتضى الأمر، لديه إمكانية زيادة السقف الحالي لودائع العملات الأجنبية للبنوك والذي كان يبلغ نحو 50 مليار دولار.
|
وشدد أن جميع الأسواق والأنظمة لدى البنك المركزي (الحوالات المالية الإلكترونية وحوالات القيم المنقولة إلكترونيا) ستكون قابلة للاستخدام حتى نهاية العمليات بالنسبة للبنوك. وأكد أنه سيتخذ جميع التدابير اللازمة، في حال الضرورة، من أجل حماية الاستقرار المالي.
وأوقفت جميع شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى المطارات التركية فور بدء محاولة الانقلاب، وقد أعاد بعضها تسيير البعض من الرحلات، لكنها لا تزال بعيدة عن المستويات العادية قبل محاولة الانقلاب.
كما أدّت محاولة الانقلاب إلى توقف حركة السفن عبر مضيق البوسفور لوقت قصير، السبت، وهو ما ذكر العالم بالأهمية الكبيرة والمتزايدة لتركيا كممر لعبور السلع الأولية بين روسيا وآسيا الوسطى وأوروبا.
يعدّ مضيق البوسفور أحد أهم الممرات المائية العالمية المزدحمة لنقل النفط،، حيث يمر فيه نحو 3 ملايين برميل يوميا معظمها من روسيا وبحر قزوين حيث يربط المضيق بين البحر الأسود وبحر إيجه والبحر المتوسط.
كما تمر عبر تركيا خطوط أنابيب تنقل 0.7 مليون برميل يوميا من دول مطلة على بحر قزوين مثل أذربيجان وكازاخستان، إضافة إلى أكثر من نصف مليون برميل يوميا من صادرات إقليم كردستان العراق، أي أن أكثر من 4.5 بالمئة من الإمدادات العالمية تمر عبر البلاد.
وقالت مجموعة تقودها بي.بي البريطانية تدير خطوط أنابيب نفط وغاز تمتد من أذربيجان إلى تركيا عبر جورجيا إن الشحنات لم تتوقف.
وتمر عبر المضيق أيضا كميات ضخمة من الحبوب من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان إلى الأسواق العالمية، وهي تمثل نحو ربع صادرات الحبوب العالمية.
وتعبر المضيق نحو 48 ألف سفينة سنويا وهو ما يجعله أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم. ويعدّ ممرا دوليا يحق للسفن التجارية عبوره بحرية في أوقات السلم رغم أن تركيا تدّعي أن لها الحق في فرض قواعد تنظيمية من أجل السلامة والأغراض البيئية. وتعدّ تركيا ثاني أكبر مستورد للقمح الروسي بعد مصر. وقد اشترت ثلاثة ملايين طن خلال الاثني عشر شهرا الماضية. كما تستورد أيضا الشعير والذرة عبر موانئ روسيا على البحر الأسود.
ويجمع المراقبون أن تشديد قبضة أردوغان على مؤسسات الدولة وتطهيرها من خصومه لتعزيز قبضته المطلقة على البلاد، سوف تزعزع ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي، إضافة إلى زعزعة ثقة أكبر شركاء تركيا التجاريين.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي ويرتفع التضخم نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة بسبب انخفاض سعر صرف الليرة، الأمر الذي يهدد الاقتصاد بالدخول في مرحلة ركود قاسية.