قانون الانتخابات يعمق صراع أحزاب الموالاة والمعارضة في مصر

القاهرة - يعمق عدم التفاهم حول نظام الانتخابات البرلمانية الصراع السياسي بين الأحزاب الموالية للحكومة والمعارضة لها في مصر، مع تمسك الأولى ببقاء النظام الذي طبق في الانتخابات السابقة التي أفرزت برلمانا يتألف من أغلبية مؤيدة للحكومة، بينما تتمسك المعارضة بتعديل يسمح للأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة أن تحظى بتمثيل برلماني مناسب.
وتُستأنف اليوم الأحد جلسات الحوار الوطني لصياغة مقترحات خاصة بالنظام الانتخابي بلجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي للوقوف على الشكل النهائي لإقرار العمل بنظام القائمة المطلقة الذي تتمسك به أحزاب الموالاة، أو الانصياع لرغبات المعارضة التي تريد الحكومة عدم الصدام معها للحفاظ على الحوار الوطني.
وسيتم رفع المقترحات والتوصيات إلى مجلس أمناء الحوار الوطني، تمهيدا لتقديمها للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تعهد بالاستجابة لما سيتم التوافق حوله في الحوار، لكن هناك مخاوف لدى المعارضة من هيمنة أحزاب الموالاة على الرأي النهائي في الحوار وتمرير نظام انتخابي يكرّس إقصاء المختلفين مع السلطة.
الأحزاب المتناغمة مع الحكومة لم تقدم مبررات مقنعة حول أسباب إصرارها على تطبيق نظام القائمة المطلقة
وكشف مصدر مطلع لـ”العرب” أنه حال تمسكت أحزاب الموالاة بموقفها بشأن النظام الانتخابي وأصرت المعارضة على وجهة نظرها فمجلس أمناء الحوار الوطني لن يقف في صالح أيّ فريق، وسيرفع للرئيس السيسي وجهة نظر كل فصيل سياسي.
وقال المصدر نفسه إن ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني يميل إلى تأييد موقف المعارضة بإقرار نظام القائمة النسبية في الانتخابات البرلمانية، ويرغب أن يكون الحوار بداية لعودة الأحزاب إلى النشاط السياسي، ومساعدتها ليكون لها دور فاعل، ما يعود بالنفع على المناخ العام، وهو موقف تدعمه دوائر في السلطة.
ولم تقدّم الأحزاب المتناغمة مع الحكومة مبررات مقنعة حول أسباب إصرارها على تطبيق نظام القائمة المطلقة، وتكتفي بالقول إن موقفها يتناغم مع الحالة المصرية، مع توفير ضمانات لتمثيل الشباب والمرأة والأقباط في مجلس النواب، ولم تتطرق إلى حتمية وجود شخصيات مستقلة ومعارضة تصبح رقيبة على أداء الجهات الحكومية.
وأعلن تحالف الأحزاب المصرية المكون من 42 حزبا سياسيا مؤيدا للسلطة الخميس أنه يميل إلى إجراء الانتخابات بنظام القائمة المطلقة، لأن القائمة النسبية تخدم رؤساء الأحزاب والشخصيات المعروفة فقط، وتفتح الباب على مصراعيه أمام الطعون الانتخابية، كما أن هناك صعوبات شديدة للغاية وكثيرة في إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية، عكس المطلقة التي تحقق الاستقرار التشريعي والسياسي.
ويرى مراقبون أن تلميحات الأحزاب القريبة من السلطة تعكس استمرار المخاوف من صعود أصوات معارضة قوية في مجلس النواب المقبل، وترغب في هيمنة الصوت الواحد مع هامش ضئيل لأحزاب المعارضة بزعم الخوف من أن يؤثر حضورها الطاغي على الاستقرار السياسي، وهو مفهوم خاطئ للحالة التي يجب أن تكون عليها مصر، لأن جزءا من أخطاء الحكومة جاء نتيجة لغياب الرقابة البرلمانية.
وتؤكد الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم غالبية أحزاب المعارضة، أن إصرار أحزاب الموالاة على استمرار النظام الانتخابي الحالي يخدم مجموعة بعينها من الأحزاب التي تستفيد من المشهد العام الراهن ولديها وفرة مادية تجعلها قادرة على تشكيل قوائم تضم مرشحين من مناطق مترامية، ما يجعل المعارضة تثق أن نصف مقاعد البرلمان سيجرى حسمها مبكرا لصالح طرف بعينه.
لدى الحكومة مبررات تسوقها لبقاء الوضع الخاص بالانتخابات على ما هو دون تغيير، لأن المعارضة نفسها شعبيتها ضعيفة، وهي ثغرة ينفذ منها خصوم السلطة، مثل الإخوان
وترفض المعارضة إعادة انتخاب برلمان من حزب أو مجموعة أحزاب لديها نفس القناعات المعادية لوجود صوت معارض، لأن ذلك يتناقض مع تأكيد السيسي على حتمية وجود قوى وطنية مختلفة، ما يجعل النظام المرتقب إقراره اختبارا حقيقيا لنزاهة الحكومة ومصداقيتها وموقفها من الحوار الوطني.
وأوضح الرئيس السابق لحزب الكرامة محمد سامي أن نظام القائمة المطلقة يظلم الأحزاب الصغيرة والقوى التي تسعى للتواجد على الساحة ولها توجهات مختلفة مع الحكومة، حيث يعتمد النجاح فيها على 51 في المئة من الأصوات، ما يشكل ظلما وإقصاء لمن حصدوا 49 في المئة، ولا يمكن استمرار وضع نظام انتخابي أقرب إلى التعيين في البرلمان والبلاد في حاجة إلى تعددية سياسية.
وأضاف لـ”العرب” أنه يصعب وجود تمثيل من تيارات مختلفة في مجلس النواب بنظام القائمة التي ترغب أحزاب الموالاة تطبيقه، وإذا كان هناك من يتحجج بوجود ممثلين من المرأة والأقباط والشباب تنفيذا للدستور فهناك مواد في الدستور تنص على حتمية إقرار نظام انتخابي قائم على التعددية الحزبية، والبلاد ليست في رفاهية تحمل استمرار الصوت الواحد.
وتظل مشكلة المعارضة أنها تركز على تفصيل القوانين الخاصة بالانتخابات أكثر من اشتباكها مع الشارع ومشكلاته وتبني مطالبه لتكون فاعلة وتعيد بناء قاعدة شعبية قوية يمكن أن تستفيد منها لاحقا، وتصبح الحكومة مرغمة على أن تضع نظاما انتخابيا لا يهمّش المعارضة باعتبارها تمثل شريحة من المواطنين.
وتسّوق أحزاب وشخصيات معارضة لفكرة وجود تضييق على حرية الحركة السياسية، مع أن هناك مساحة أمامها منذ انطلاق الحوار الوطني قبل 14 شهرا، لم تستثمره لتصنع لنفسها شعبية وتنظر إلى التشريعات كبوابة لصدارة المشهد وهي غير مستعدة جيدا لذلك، ما جعلها متهمة من جانب أحزاب الموالاة بأنها تبحث لنفسها عن وسيلة لحصد مكاسب سياسية.
ولم تستثمر المعارضة حالة الانفتاح النسبي في المشهد السياسي لتجبر الحكومة على الانصياع لوجهات نظرها في النظام الانتخابي، وطالما بقيت تستخدم الصوت العالي والتركيز على المضايقات التي تتعرض لها، ستعطي الحكومة فرصة لتمرير ما تراه مناسبا لها وليس متوافقا مع المعارضة، فالأخيرة بلا أنياب أو قاعدة شعبية.
ولدى الحكومة مبررات تسوقها لبقاء الوضع الخاص بالانتخابات على ما هو دون تغيير، لأن المعارضة نفسها شعبيتها ضعيفة، وهي ثغرة ينفذ منها خصوم السلطة، مثل الإخوان لتأييد مرشحين بعينهم ليكونوا ممثلين للجماعة أو قريبين منها عند دخولهم البرلمان، لأن المعارضة الوطنية مستمرة على حالها من التهميش، لذلك فالعبرة ليست في النظام الانتخابي ولكن بكيفية استثماره سياسيا.