قانون الإيجار يختبر قدرة الحكومة المصرية على اختراق الثوابت المجتمعية

النظام يرسل بإشارات إلى قدرته على فتح ملفات شائكة.
الأربعاء 2022/02/16
مصير مئات الآلاف من العائلات معلّق على التعديلات

يجري نقاش حاليا حول مسودة مشروع بشأن قانون الإيجار القديم في مصر، وسط مخاوف رسمية من أن تجد الحكومة نفسها في مواجهة أكثر من مليون و600 ألف مستأجر عليهم مغادرة منازلهم.

القاهرة – يواجه النظام المصري اختبارا جديدا بشأن تمكنه من فتح ملفات صعبة، ويحاول توظيف قدرته على تمرير تعديلات على قانون الإيجار القديم الذي خضع لنقاشات مستمرة على مدار عقود دون أن تتمكن أي من الأنظمة السابقة من تمريره.

وعقدت اللجنة المشكلة حول مسودة مشروع الإيجار القديم وتضم عددا من الوزارات ذات الصلة بالملف إلى جانب ممثلين عن البرلمان والأحزاب السياسية وشخصيات قانونية، اجتماعها الأول (السبت) لتتمكن من صياغة الرؤى والمبادئ التي ستتم على أساسها إدارة إحدى أهم القضايا المجتمعية الدقيقة التي تهم شريحة كبيرة من السكان.

أحدثت مشكلات قانون الإيجار القديم شرخا في العلاقة بين الملاك والمستأجرين لنحو مليوني وحدة سكنية، إذ منح الحق للمستأجر أن يقبع في محل سكنه مدى الحياة في مقابل دفع إيجار شهري ومقدم مالي زهيد ويتم توريثه، وظهر ذلك لأول مرة في عشرينات القرن الماضي وجرى إدخال تعديلات عليه مرات عدة بلا جدوى.

وأكد المتحدث باسم الحكومة المصرية نادر سعد أن مسودة القانون الحالية التي تقدمت بها الحكومة ويجري النقاش بشأنها تضمنت وضع فترة انتقالية تصل إلى خمس سنوات بالنسبة إلى الوحدات السكنية وثلاث للوحدات التجارية لتوفيق الأوضاع.

ناجي الشهابي: الحكومات السابقة تغاضت عن إدخال تعديلات على القانون

وذكر في تصريحات إعلامية أن الحكومة ستوفر مسكنا بديلا لمن لا يتمكن من توفير مسكن خلال الفترة الانتقالية، وسيتم وضع نظام للتملك وآخر للإيجار، ويعفي المستأجر من دفع مبالغ مقدمة في إطار تخفيف الأعباء على المؤجر في أثناء الفترة الانتقالية لتحرير عقد الإيجار الانتقالي.

تصطدم رؤية الحكومة مع أحكام نافذة من المحكمة الدستورية العليا المختصة بمناقشة قضايا ذات ارتباط بالدستور بامتداد العلاقة الإيجارية لمرة واحدة بعد وفاة المستأجر الرئيسي، لذلك فإصدار قانون ينهي العلاقة الإيجارية سيواجه بأزمات دستورية.

والأكثر صعوبة للحكومة أنها ستكون في مواجهة أكثر من مليون و600 ألف مستأجر يقيمون في منازلهم بحسب إحصاءات نشرت في العام 2017، وعليها إقناعهم وتعويضهم بالشكل المناسب.

ولا تمر دورة برلمانية تقريبا إلا ويثار نقاش حول تعديلات قانون الإيجار القديم دون أن تحرز الحكومة تقدما حقيقيا، غير أن تشكيلها لجنة مشتركة مع البرلمان وأطراف مجتمعية وقانونية يشي بأنها عازمة هذه المرة على المضي باتجاه تمريره.

وتعد موافقة لجنة الإسكان بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، قبل أيام على تعديلات الإيجار القديم لغير الغرض السكني، مثل المحلات التجارية والشركات، المُحال من الحكومة إلى البرلمان مقدمة على إقراره على مستوى الوحدات السكنية أيضا.

ونصت التعديلات الجديدة على إخلاء المكان المؤجر خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون، حال عدم التراضي بين المالك والمستأجر.

وأكد رئيس حزب الجيل الجديد ناجي الشهابي أن الحكومات السابقة تغاضت عن إدخال تعديلات على القانون لأنها لم تكن لديها القدرة على توفير البديل للمستأجرين، وأولت اهتماما بتوفير المسكن الملائم لفاقدي القدرة في الحصول على وحدات سكنية، وهو أمر تغير مع حاجة الحكومة لتسكين ملايين الوحدات قامت بتشييدها مؤخرا.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن خطوات الحكومة إن لم تكن مدروسة بالشكل السليم سوف تنعكس تداعياتها السلبية على المجتمع، لأن هناك صراعا مكتوما بين الملايين من المواطنين، والأمر يتطلب حوارا مجتمعيا تشارك فيه أطراف عدة ويجري في أجواء تتسم بالحرية والشفافية حتى لا تُقدم الحكومة على فرض رؤيتها.

يقول مراقبون إن السلطة الحاكمة اعتادت أن ترسل إشارات تؤكد قدرتها على اختراق ملفات شائكة بما يدعم حضورها سياسيا، وتبعث برسائل لأطراف عديدة معارضة بأن النظام الحاكم قادر على اختراق الملفات المحظورة.

حمدي عرفة: شخصيات نافذة تتحمل مسؤولية عرقلة التعديلات

ومن المتوقع أن تأخذ النقاشات الجارية وقتا طويلا ولن تخرج الحكومة بمسودة توافقية في القريب العاجل في ظل تعقيدات تكتنف القضية ويمكن أن تحقق الحكومة مكاسب نوعية إذا تمكنت من إقرار القانون بلا خشونة مجتمعية.

تثبت هذه التحركات أن الحكومة لم تنفرد بالقرار وأجرت المشاورات المطلوبة قبل اتخاذ التعديل الذي سيحظى في تلك الحالة بموافقة برلمانية بفعل مشاركة عدد من النواب المنتمين إلى حزب مستقبل وطن (صاحب الأغلبية) في اللجنة التي شكلتها، كما أن ممثلي المجتمع من الخبراء سوف يكونون شركاء في ما يتم التوصل إليه.

ويرفض البعض المقارنة بين إصرار الحكومة على تمرير قانون المصالحات في المباني المخالفة ووقف البناء على الأراضي الزراعية وبين قانون الإيجارات القديمة، حيث بدت كأنها استفادت من دروس الحالة الأولى التي أثارت اللغط واضطرت لإدخال تعديلات على التعديلات.

وتحاول الحكومة المصرية القيام بمهام الأجهزة المحلية التي كان من المفترض أن يكون لها الدور الأبرز في التعامل مع مثل هذه المشكلة الساخنة، لكن عدم إجراء انتخابات المحليات وتعطيل قانون التنمية المحلية لأكثر من سبع سنوات داخل البرلمان يدفعها إلى القيام بالمهمة التي لن تكون سهلة.

ويشير المراقبون إلى أنه كان ينبغي على النظام الحاكم أن ينتهي من البنية التشريعية للدولة وضبط المفاصل المثيرة للجدل قبل تبني خطوات أحادية مجهولة العواقب.

وشدد خبير التنمية المحلية حمدي عرفة على أن هناك شخصيات نافذة في حكومات سابقة تتحمل عملية عرقلة إدخال تعديلات على القانون لاستفادتها بصورة مباشرة من القانون القديم، وهو أمر قد يكون قابلا للتكرار هذه المرة.

وأوضح لـ”العرب” أن قدرة الحكومة وخلفها النظام برمته على تجاوز تلك المصالح يحسم الجدل المثار حول التعديل من عدمه، مع ضرورة إجراء دراسات أولية على الأسر التي يتم تطبيق القانون عليها وقدرتها على ترك منازلها والذهاب إلى مساكن أخرى.

وقد يكون أصحاب المعاشات والأرامل والمطلقات من أكبر الفئات المتضررة من التعديلات المنتظرة لقانون الإيجار القديم، وفي حالة عدم التعامل مع أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل مناسب ربما يشكلون أعباء إضافية على الحكومة، ما يجعل الخطة التي طبقتها وزارة التموين من قبل لتقليل أعداد بطاقات التموين عبر البحث الاجتماعي عن المستفيدين يمكن تكرارها في حالة الإيجار القديم.

2