قائمة للكتب الأكثر مبيعاً حلم مكتبة الإسكندرية وأبوظبي للغة العربية

توصيات بإعداد قائمة لإفادة الدوائر الثقافية وتحقيق المصداقية في الدول العربية.
الخميس 2025/02/27
أحمد زايد وعلي بن تميم يوقعان بروتوكول التعاون

بعد انتهاء مراسم توقيع بروتوكول التعاون بين مكتبة الإسكندرية ومركز أبوظبي للغة العربية مؤخرا، تم عقد خلوة ثقافية بعنوان “نحو قائمة عربية للكتب الأكثر مبيعاً”، ناقشت أهم الظواهر التي تواجهها صناعة الكتاب العربي اليوم، لتقدم عددا من التوصيات حول طرق إنجاز قوائم الأكثر تداولا.

الإسكندرية (مصر) - “الأكثر مبيعا”، كلمتان كفيلتان بجذب القارئ للاطلاع على محتوى الكتاب أو العمل الأدبي الذي يندرج تحتهما، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يحب ألا يفوته شيء مما يكون قد جذب كثيرين غيره. لكن تساؤلات تثور حول مدى المصداقية والشفافية في ما يعلن من قوائم الأكثر مبيعا، فكيف تتم الحسبة؟ ووفق أي معايير؟ فضلا عن قيمة المحتوى الذي أقبل عليه القراء بالشراء، فهل يعني بيع كتاب ما بكثافة أن الكتاب مهم ومفيد بالضرورة؟

سعت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية إلى بحث إجابات هذه التساؤلات المهمة، التي ترتبط بوعي القارئ العربي وتؤثر فيه، من خلال ندوة مشتركة أقيمت مؤخرا بمقر المكتبة سميت خلوة ثقافية، تحت عنوان “نحو قائمة عربية للكتب الأكثر مبيعاً.”

تحديد الأكثر مبيعا

محمد سليمان: وضعنا تصورا لإصدار قائمة للكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي
محمد سليمان: وضعنا تصورا لإصدار قائمة للكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي

أكد أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية على ضرورة مناقشة أسباب انتشار ورواج كتاب دون آخر، قائلا إن هناك كتبًا كثيرة لا نعرف عنها شيئًا على الرغم من أهميتها، بالإضافة إلى أهمية بحث كيفية تنمية عادة القراءة ومدى تأثرها بالسياق الاجتماعي، بينما دعا الأكاديمي علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية إلى إطلاق قائمة للكتب الأكثر مبيعا، وفق معايير محددة.

وذكر محمد سليمان نائب مدير مكتبة الإسكندرية لـ”العرب” أن الخلوة الثقافية التي تعد أول تعاون مشترك بعد توقيع برتوكول تعاون ثقافي بين المكتبة ومركز أبوظبي للغة العربية استهدفت وضع تصور لإصدار قائمة للكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي، وأن الحوارات تميزت بثراء شديد، إذ اقترح المشاركون مجموعة من التوصيات لإعداد هذه القائمة التي ستفيد كل الدوائر الثقافية في الوطن العربي.

وأشار إلى أن المشاركين ناقشوا الإرهاصات الأولى والتاريخية في هذا الشأن، وأوضحوا مدى أهمية إنشاء هذه القائمة، وكيفية إنشائها، وجدواها، بالإضافة إلى أهمية وضع معايير وضوابط علمية شفافة لها.

ويعد نشر قوائم الكتب الأكثر مبيعا نشاطا عالميا تقوم به مؤسسات كبرى، ما يمكن أن تستفيد منه الجهود العربية في هذا الشأن. وفي هذا الإطار، قدم فهد المنجد، رئيس وحدة الأبحاث التسويقية وذكاء السوق بمركز أبوظبي للغة العربية، توضيحا حول أفضل الممارسات العالمية، والآليات المعتمدة لتقييم الكتب، والمقارنات المعيارية، والمؤسسات الرائدة في نشر لوائح الكتب الأكثر مبيعا مثل أمازون وغيرها.

وناقش المنجد التحديات الخاصة بقوائم الكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي، التي تؤثر على مصداقية وشفافية التجارب العربية في هذا الشأن، رغم أن هذه القوائم تلعب دورا مهما في توجيه القراء نحو العناوين التي حظيت بأكبر قدر من الاهتمام والإقبال.

تم تشكيل أربع مجموعات عمل من المشاركين في الخلوة الثقافية، خرجت بعدد من التوصيات، شملت ضرورة وجود جهة مستقلة ذات ثقل لتحديد قائمة الأكثر مبيعا، ووضع ميثاق شرف بين الناشرين العرب لطباعة عدد محدد من الكتب، وتقديم محفزات لدور النشر، وضرورة دعم اللغة العربية، ودعم مبادرات القراءة مثل مشروع “تحدي القراءة”، وضرورة التعاون بين المؤسسات مثل وزارات التعليم والتعليم العالي والثقافة، ودعم الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر (حكومي) كأفضل جهة للمساعدة في تحديد قوائم الأكثر مبيعا، واختيار لجنة من المتخصصين لوضع المعايير اللازمة لتحديد القائمة.

وفي تصريح لـ”العرب”، قال محمد غنيمة الكاتب والباحث بمكتبة الإسكندرية، المشارك في المناقشات، إن مفهوم “الأكثر مبيعًا” ليس جديدًا عالميًا، إلا أن ظهوره في العالم العربي ارتبط بتطور سوق النشر والصحافة الثقافية ومع معارض الكتب، ففي بدايات القرن العشرين لم تكن هناك قوائم رسمية ترصد مبيعات الكتب، بل كانت شهرة الكتب تُبنى على التوصيات الشخصية والمراجعات النقدية في الصحف والمجلات.

محمد غنيمة: الأكثر مبيعا قوائم فردية فيها إشكاليات كبيرة في المصداقية
محمد غنيمة: الأكثر مبيعا قوائم فردية فيها إشكاليات كبيرة في المصداقية

ومع ازدهار الصحافة الثقافية في خمسينات وستينات القرن الماضي، بدأ بعض المجلات الأدبية مثل “الرسالة” و”الهلال” و”المصور” في مصر ومجلة “العربي” الكويتية، الإشارة إلى الكتب الأكثر انتشارًا بين القراء، وإن كان ذلك بأسلوب غير منهجي يعتمد على الملاحظة العامة وليس الأرقام الدقيقة.

وأوضح غنيمة لـ”العرب” أنه مع استمرار تطور وانتشار الصحف والمجلات الثقافية في المنطقة العربية بدأت تظهر بعض المحاولات لرصد الكتب الأكثر مبيعا بالتزامن مع معارض الكتب العربية مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث كانت الإحصائيات غير رسمية، لكن بعض دور النشر كانت تعلن عن أكثر الكتب مبيعًا لديها، كما اتجه معرض بيروت الدولي للكتاب منذ الثمانينات للاهتمام بتتبع الكتب الأكثر انتشارًا.

وقامت صحف عربية بمحاولات في هذا الصدد، منها إطلاق بعض الصحف جائزة الكتاب الأكثر مبيعًا، مثل صحيفة “الحياة” اللندنية التي كانت تقدم قوائم غير رسمية خلال التسعينيات. ومن المحاولات الجادة كذلك ما قدمته صحف مصرية، مثل “الجمهورية” في 1990، و”أخبار اليوم” 1997، و”أخبار الأدب” سنة 1999.

وأشار الباحث المصري إلى أن دخول الصحافة الرقمية على الخط أتاح ظهور مواقع إلكترونية ومنصات تروج لقوائم الأكثر مبيعًا، منها صحفية “البيان” الإماراتية، وموقع “أراجيك”، و”اليوم السابع” في مصر، إلا أن هذه القوائم تواجه تحديات تتعلق بعدم وجود جهة رسمية موحدة لرصد المبيعات، ما يترك المجال لتباينات ملحوظة بين مختلف القوائم المنشورة.

وأكد أن بعض المكتبات المصرية والعربية بدأت في تقديم قائمة للأكثر مبيعا بها، منها ما تقدمه مكتبة الشروق والدار المصرية اللبنانية وكونيكا وغيرها، ومع انتشار منصات ومتاجر الكتب الإلكترونية ظهر مصطلح جديد الكتب “الأكثر قراءة”، وتعد هذه المنصات بشكل دوري قائمة للكتب الأكثر مبيعا وقراءة لديها، ومنها موقع أمازون، وأبجد، وجود ريدز.

وقال محمد غنيمة لـ”العرب” إن كل هذه المحاولات لا يمكن الاعتماد عليها بشكل جدي؛ لأنها قوائم فردية تخضع لإشكاليات كبيرة في المصداقية وغيرها.

بروتوكول مشترك

مذكرة تفاهم
مذكرة تفاهم

دعا المشاركون في الندوة ضمن توصياتهم إلى ضرورة دعم الصناعات الإبداعية وتشجيع المؤلفين، وتشجيع الاطلاع على الكتب قبل الشراء، والقضاء على قرصنة الكتب، وتحويل المكتبات في المؤسسات إلى مكتبات رقمية ما يساعد على وضوح المؤشرات، والاهتمام باستطلاعات الرأي الرقمية لتحقيق المزيد من المصداقية، وأهمية تطوير منظومة توزيع الكتاب الورقي، والتأكيد على أهمية الجوائز باعتبارها مؤشرًا جيدًا لقيمة الكتب لا سيما في حال توفر التحكيم الموثوق به.

عُوقدت ندوة “نحو قائمة عربية للكتب الأكثر مبيعاً” عقب توقيع الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية والدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية بروتوكول تعاون بين المكتبة والمركز، بحضور كل من عبد الرحمن النقبي مدير إدارة الجوائز الأدبية بمركز أبوظبي للغة العربية، وفهد المنجد رئيس وحدة الأبحاث التسويقية وذكاء السوق بالمركز، وإبراهيم المرزوقي مدير مكتب رئيس المركز، والأكاديمية برلنت قابيل رئيس قسم البرامج بالمركز، ومحمد أبو زيد مستشار مكتب رئيس المركز، بالإضافة إلي كبار مسؤولي مكتبة الإسكندرية.

وأكد الأكاديمي أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية أن العلاقات بين مصر والإمارات تظهر جلية في كل المجالات، ويعد الجانب الثقافي الداعم الرئيسي فيها، وأن مركز أبو ظبي للغة العربية يأتي على رأس المؤسسات التي تقيم معها مكتبة الإسكندرية علاقات ثقافية قوية وعميقة، لما يملكه من رؤية شاملة تتضمن مبادرات وفعاليات وجوائز متعددة كل عام، منها جائزة الشيخ زايد التي منحها المركز للمكتبة وقام بتكريمها وإهدائها درعًا في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.

وأشار علي بن تميم إلى أن مكتبة الإسكندرية لها دور كبير في خدمة الثقافة، ومن الأهمية بمكان توطيد العلاقات الثقافية والمعرفية بين البلدين، واختيار المبادرات التي سيتم إطلاقها بالتعاون مع المكتبة التي تشكل مرجعية ثقافية مهمة للقراء في العالم العربي، مؤكدا أن اللغة العربية تعد من الأمور الجوهرية لضمان الحوار والتنوع في الثقافة، فهي خزين لتعددية الألسن والتنوع سواء العرقي أم الديني أم المعرفي أم الثقافي.

12