قائد السبسي: استكمال الوديعة

اليوم، تمنح الأقدار للرئيس الباجي قائد السبسي فُرصة الخروج الكبير وذلك بإتمام الاستحقاقات الكبرى التي ينتظرها منه التونسيون واستكمال متطلبات الوديعة الوطنية.
الثلاثاء 2019/07/02
الأقدار تمنح لبعض السياسيين وقتا إضافيا لاستكمال المسار والمسيرة

تمنح الأقدار لبعض السياسيين وقتا إضافيا لاستكمال المسار والمسيرة.

عاش الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي نحو قرن من الزمان، ولكن يبدو أنّ هذا القرن من الفعل السياسي والذي عرف فيه الباجي دوائر السلطة وإكراهات المُعارضة، لم يُسعفه حتى يؤمن أهم واجبات رجل الدولة والكامنة في تأثيث التركة دون توريث، وتحضير الأمانة دون استخلاف.

ففي الدول الديمقراطية، لا وراثة أو ولاية ولا استخلاف أو وصيّة، بل هو الإرث السياسي الذي يتركه الفاعل السياسي من لبنات تأصيل للبناء الديمقراطي، حيث تستحيل رؤاه ومُقارباته وتصريحاته وسياساته جزءا من تراث رمزي يُحفظ للشخص الذي عادة ما يستحيل مدرسة ومرجعا.

ولن نُجانب الصواب إن اعتبرنا أن الباجي قائد السبسي، على الأخطاء والهنات التي وقع فيها، ينتمي إلى مدرسة رجالات السياسة المُعتبرين، الذين نجحوا في الدولة نجاحهم في المُعارضة، والذين جمعوا التناقضات السياسية والحساسيات الأيديولوجية في وقت استحالت فيه مقولات الأدلجة والدمغجة الخيط الناظم للهوية السياسية.

ففي الوقت الذي كانت تونس في أمس الحاجة إلى كتلة تاريخية، تفرض التوازن السياسي وتعدل المشهد الحزبي وتستعيد الروح الدبلوماسية، لم يتأخر السبسي في اقتراح “نداء تونس” الذي نجح في فرض الحوار على حركة النهضة بشروط المُعارضة أولا، وهزمها في انتخابات برلمانية عامة ثانيا، واستعاد منها الحكم والحكومة ثالثا.

ويبدو أن امتحان الحُكم في الديمقراطيات أشد وطأة وصعوبة من استحقاق المُعارضة، فالكتلة التاريخية سرعان ما استحالت كتلا سياسية ونيابية متناحرة، والحزب الذي حمل آمال شرائح واسعة من الشعب التونسي وجد نفسه في طاحونة من المعارك الدائمة جعلته يتقهقر في مجلس النواب وفي الانتخابات البلدية.

لذا فإن من سمات السياسيين الكبار، إغلاق الأقواس السياسية بأنفسهم دون بيان رقم واحد، أو شهادات طبية مزورة، أو خسارة انتخابية مدوية، وقد صدق الزعيم السنغالي ليوبولد سيدار سنغور عندما أشار للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة خلال زيارته إلى تونس منتصف السبعينات، إلى أنّ السياسي الكبير هو الذي يعرف زمن المغادرة أكثر من زمن القدوم إلى المشهد السياسي.

واليوم، تمنح الأقدار للرئيس السبسي فُرصة الخروج الكبير وذلك بإتمام الاستحقاقات الكبرى التي ينتظرها منه التونسيون. واستكمال متطلبات الوديعة الوطنية، يكون بثلاثة إجراءات كبرى. الأول متمثل في الفصل في إشكالية حزب نداء تونس فليس من المعقول أن يكون حزب الرئيس التاريخي خارج التاريخ وعلى هامش الفعل السياسي.

“نداء تونس” يستحق أن يعود إلى ضميره الأساس، عائلة وطنية وسطية ذات بصمة دستورية، وأن يكون أقرب إلى ضمائر الناس، وهو ما لا يتحقق ولن يتحقق إلا بدور اعتباري وتجميعي لا تقوم به إلا شخصية تأسيسية مثل الباجي قائد السبسي.

الثاني متجسد في تقديم مُبادرة تشريعية لتغيير النظام السياسيّ من حالة اللاوضوح إلى حالة الوضوح، فالاستمرار في الفوضى السياسية بين القصبة وقرطاج وباردو، من حيث الصلاحيات لن يزيد عملية الانتقال الديمقراطي إلا تعقيدا.

فإما أن تنتقل تونس إلى النظام البرلماني الصرف، على غرار غالبية الديمقراطيات الأوروبية، أو أن تنتقل إلى النظام الرئاسي على شاكلة فرنسا تحديدا والولايات المتحدة بشكل أقل، ولكن الاستمرار في التذبذب لن يعطي للمؤسسات الديمقراطية استحقاق الرسوخ وتملّك الأدوار.

ولئن كانت النقطتان الأوليان رهان المبادرة والاقتراح والتطبيق، فإن النقطة الأخيرة هي نقطة استعجالية لا تحتمل التأخير، ونعني بها الدعوة إلى الانتخابات العامة في مواعيدها الدستورية كما ينص على ذلك الدستور، وبالتالي نخرج من حالة الضبابية في مستوى إمكانية التأجيل أو التعجيل بالانتخابات، وندخل بشكل رسمي في زمن الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وبين هذه النقاط الثلاث تقاطعات متداخلة، تستوجب من الرئيس السبسي التدخل السريع خدمة للانتقال الديمقراطي الذي لا يزال هشا وقد أثبتت أحداث 27 يونيو الماضي هوان المشهد السياسي وضعفه، وإمكانية انسحاب الضبابية والغموض على كافة مكونات الفضاء العامّ.

8