في وداع حاتم علي.. أيقونة الدراما السورية

حاتم علي ممثل وكاتب ومخرج سوري بدأ حياته بالكتابة المسرحية وكتابة النصوص الدرامية والقصص القصيرة.
الأربعاء 2020/12/30
رحيل مبكر لمبدع في الدراما العربية

فجع الوسط الفني صباح الثلاثاء بوفاة المخرج السوري الكبير حاتم علي، الذي وافته المنية عن عمر 58 سنة إثر نوبة قلبية أصابته، ليشيع هذا الخبر الحزن في قلوب محبيه وأقاربه، ويشكل صدمة لكل من تابع أعماله وأحبّه وأحبها.

دمشق - قبل عدة شهور كنا نحضّر لكتاب حول فلسطين في السينما العربية، وكنت أحاول أن أضيف للكتاب كل التجارب الدرامية الإنسانية التي قام بها المبدعون العرب. ولأن “التغريبة الفلسطينية” يعدّ واحدا من الأعمال الدرامية الخالدة التي لا يمكن أن تنساها الذاكرة، فقد تواصلت مع المخرج حاتم علي لأطلب منه مشاركة تتضمن تجربته الشخصية، لكن الظروف لم تسمح بسبب انشغاله وتأخره في تلبية الطلب، فلم تنضم مداخلته التي لم تصلنا رغم موافقته ورغبته الحقيقية والصادقة في المشاركة.

وبدأت علاقة حاتم علي بالدراما بعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية من قسم التمثيل، حيث شارك في عدة أعمال درامية تلفزيونية كان أهمها في تلك الفترة مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب” الذي قدمه للجمهور السوري كممثل ربما للمرة الأولى. وكتب العمل عبدالنبي حجازي رحمه الله، وأخرجه هيثم حقي، ولعب فيه دورا لا يشبهه أبدا، لدرجة أن البعض كان يستغرب كيف يمكن لهذا الشاب اللطيف والوديع أن يتمكن منه، لكنه أمام الكاميرا كان ممثلا بارعا، أثبت موهبته التي فتحت له الباب على مصراعيه.

حاتم علي كان ممثلا بارعا أمام الكاميرا وأثبت موهبته التي فتحت له الباب على مصراعيه ليشارك في عدة أعمال تلفزيونية

ولاحقا شارك في عدة أعمال تلفزيونية سواء مع مخرجين مخضرمين لهم باعهم أمثال غسان جبري وهيثم حقي ومأمون البني أو مع مخرجين شباب دون أي تحفظ أمثال رامي حنا. وكان من أهم أعماله كممثل “الكابوس”، “الخشخاش”، “قصة حب عادية”، “أحلام مؤجلة”، “عصي الدمع” وغيرها.

لكن حاتم علي لم تستهوه كثيرا لعبة الممثل أمام الكاميرا، بقدر ما جذبه دور المخرج الذي يقبع خلفها، فبدأ بخوض تجربة الإخراج تدريجيا، وبدأ في لعب دور المخرج منذ منتصف التسعينات وكان من أجمل ما قدم في تلك الفترة مسلسل “الفصول الأربعة” الذي مازالت بعض القنوات السورية تعيد عرضه بين فترة وأخرى، وكان من بطولة نخبة كبيرة جدا من نجوم الفن السوريين، نذكر منهم جمال سليمان، سليم صبري، سلمى مها المصري، يارا صبري، ليلى جبر، أندريه سكاف ورامي حنا.

ثم بدأ يلمع في الأعمال التاريخية فقدم على سبيل المثال مسلسل “الزير سالم” و“صقر قريش” و“صلاح الدين الأيوبي” و“ربيع قرطبة” وغيرها، ثم اتجه إلى مصر في العام 2007، ليقدم مسلسل “الملك فاروق”. وكان له السبق في قيادة الأعمال التي تضم العديد من النجوم العرب جنبا إلى جنب مع النجوم السوريين، نذكر من تلك الأعمال “الفاروق” الذي صوّر جزءا كبيرا منه في المغرب، ومسلسل “الزير سالم”، و“التغريبة الفلسطينية” والذي يعتبر واحدا من أهم الأعمال الدرامية التي تحكي الوجع الفلسطيني وأجزم أنها لن تكرر مرة أخرى، لا بتلك الخصوبة في السيناريو أو بتلك العذوبة من حيث الإخراج، ولا بكل ذلك التجمع الضخم والهائل لأهم نجوم الدراما العربية حينها.

كما أنه يعتبر المخرج السوري الأول الذي آمن بأهمية “الماكيير” في الأعمال الدرامية وخاصة التاريخية منها، فقام باستقدام أهم مصممي المكياج في إيران لمساعدته في تنفيذ معظم الأعمال التاريخية.

صحيح أن حاتم علي، كان خريج مسرح، بحكم أنه لا توجد في سوريا معاهد للسينما، إلا أن تجربته المسرحية كانت محدودة للغاية ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ولكنها كانت تجارب مهمة سواء على صعيد التمثيل أو الإخراج أو حتى كمشارك في التأليف.

التَّغريبةُ الفلسطينية مسلسل دراما تاريخي كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم علي
التَّغريبةُ الفلسطينية مسلسل دراما تاريخي كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم علي

لكنه ظل لسنوات أثير حبه للسينما، وكان يتمنى في كل عمل درامي تاريخي كبير يقدمه أن يحوله، الأمر الذي كان يدفعه في مرات كثيرة إلى استخدام كاميرات السينما، مع كل ما تعنيه تلك الخطوة من صعوبة بالنسبة إلى المخرج، ولكنه لم يقم باستقطاع أي أجزاء من تلك الأعمال لتحويلها إلى فيلم سينمائي كما كان ينوي.

رغم ذلك أخرج عدة أعمال سينمائية كان من أهمها عمل بعنوان “سيلينا” من نوعيه الميوزيكل، وكان من تأليف الرحابنة ومن إنتاج نادر الأتاسي، ولعبت دور البطولة فيه الفنانة اللبنانية ميريام فارس. أما الفرصة السينمائية الحقيقية، فكانت في العام 2008 حين أخرج الفيلم الروائي الطويل “الليل الطويل” من بطولة كل من خالد تاجا، وهو الفيلم الذي كتبه المخرج هيثم حقي، واستطاع الفيلم أن يشارك في عدة مهرجانات سينمائية عربية وأجنبية ونال بعض الجوائز.

وحقق حاتم علي شهرة واسعة وسمعة طيبة في مجال الدراما كمخرج وكاتب، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس شركة للإنتاج الفني في دمشق، فقام بإنتاج مجموعة من الأعمال الدرامية نذكر منها مسلسل “علاقات شائكة” و”طوق الياسمين” وغيرهما، وكان مؤخرا بصدد إنتاج الفيلم الروائي الطويل الأول لابنه عمرو علي، الذي حصل على منحة أخيرا من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن النص الذي كان قد كتب السيناريو له.

وبعد الأحداث الدامية في سوريا انتقل وعائلته زوجته المحامية وخريجة قسم التمثيل أيضا دلع الرحبي وأولاده للإقامة بشكل مؤقت في القاهرة، وقدم خلال إقامته وقبل أن ينتقل للعيش في كندا، عدة أعمال درامية هامة كان أحدثها مسلسل “أهو ده اللي صار” من بطولة سوسن بدر.

ويبقى حاتم رغم رحيله أيقونه من أيقونات الدراما العربية وليس فقط السورية، وواحدا من أهم الشخصيات السورية أخلاقا ودماثة واحتراما، وبرحيله هذا ستخسر الدراما العربية رائدا من روادها.

16