في سوريا.. لماذا لا نسمي الأمور بأسمائها

ماذا كانت تفعل قوات التحالف الدولي والقوات التركية المتواجدة شمال سوريا وشرقها خلال 10 سنوات؟ هل كانت تعمل على تطهير المنطقة من الإرهاب أم كانت ترعى الإرهاب والمرتزقة وتعتني بهم؟
الثلاثاء 2024/12/03
معارضة مدججة بالسلاح

بينما العالم مشغول بما يحدث في غزة وفي لبنان، وإلى حد ما في ليبيا والسودان والعراق واليمن، بدا وكأن الجميع اتفق على نسيان سوريا. الغياب السوري عن قائمة الأخبار المتداولة فُسِّر من قبل المسؤولين في دمشق بشكل إيجابي، عملا بما يقوله الإنجليز “عدم وجود أخبار، خبر جيد.” لكن، إن كان هذا يصح في معظم الحالات، فهو لا يصح دائمًا.

انتظرت دمشق أن تمر العاصفة التي ضربت حماس وحزب الله وراعيتهما إيران، وعملت جاهدة على عدم الانزلاق مباشرة في الصراع الدائر. صمتت عن غارات شبه يومية تشنها إسرائيل على مواقع داخل سوريا، وعلى تصاعد القصف التركي لمواقع في شمال شرق البلاد. التعاون الوحيد الذي أبدته الحكومة السورية، مضطرة، هو الموافقة على استخدام جنوب سوريا لإطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار على إسرائيل من قبل الميليشيات المدعومة من إيران.

ليتضح بعد ذلك أن الغارات الإسرائيلية التي ظن الجميع أن الهدف منها يتوقف عند معاقبة إيران وحزب الله، كانت تمهد الأرض لهجوم جماعات مسلحة يصر الإعلام الغربي على تسميتها معارضة. لتعود سوريا إلى قائمة الأخبار.. بل لتحتل الخبر الرئيسي.

◄ لم يكن مستغربًا أن الولايات المتحدة، المتواجدة في سوريا بذريعة محاربة الجماعات المسلحة، لم يصدر عنها ما يدل على المفاجأة ممّا يجري. ومثلها تركيا

ظن أصحاب القرار في دمشق أن ضعف إيران وحزب الله فرصة سانحة لإعادة ضبط التوازن الإقليمي. وسعت دمشق للاعتماد بشكل أكبر على روسيا والتقرب من الخليج والدول العربية الأخرى للحصول على الدعم والاحترام السياسي. وهذا ما أكده حضور الرئيس بشار الأسد لمؤتمر الرياض مؤخرًا، ولقاؤه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وكانت محاولات إعادة الأسد إلى الحضن العربي تكتسب زخمًا متزايدًا في الآونة الأخيرة، وسعت بعض الدول الأوروبية إلى التخلي عن سياسة العزلة تمهيدًا لإعادة اللاجئين السوريين إلى البلاد. وكان الأسد يأمل أن تسحب الإدارة الأميركية خلال تواجد دونالد ترامب بالبيت الأبيض قواتها المتواجدة في سوريا وأن ترفع العقوبات، دون أن يضطر من جانبه إلى تقديم أيّ التزام مسبق بعملية سياسية.

آخر محاولات التقارب صدرت عن أنقرة التي دعت دمشق للمصالحة. لكن بشار الأسد الذي لم ينسَ “غدر” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتلقّف الدعوة، واشترط أولًا انسحابًا تركيًا كاملًا من سوريا.

تاريخيًا، كانت العلاقات السورية التركية متوترة، بسبب دعم دمشق لحزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان (كان يقيم في سوريا آنذاك)، وشهدت ازدهارًا لفترة قصيرة بعد توقيع اتفاقية أضنة عام 1998. وفي عام 2004، زار بشار الأسد تركيا، وكانت تلك الزيارة الأولى لرئيس سوري إلى تركيا منذ عقود. كما زار أردوغان سوريا عدة مرات، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية لتعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجالات شملت التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني.

وفي اللحظة التي بدت فيها العلاقات بين البلدين بأفضل حالاتها، كشف أردوغان عن المفاجأة التي كان يعدها لسوريا بمساعدة من دولة قطر، بدعمه جماعات إرهابية مسلحة جلبت من خارج سوريا لتعلن الجهاد وتسوّق على أنها معارضة سورية لحكم الأسد.

المخطط التركي – القطري تم بمباركة من الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين لم تترددا طويلًا في إرسال قواتهما إلى سوريا بذريعة حماية “المعارضة” ومحاربة تنظيم داعش بعد أن أضفيت على التدخل صبغة الشرعية بتسميته “تحالفا دوليا”، وتم اختيار منطقة قريبة من حقول النفط لتكون قاعدة عسكرية له.

◄ ما حدث في سوريا، وما زال يحدث حتى اليوم، من أخطاء فادحة، مسؤول عنها السوريون بالدرجة الأولى؛ نظاما ومعارضة

مضى على وجود التحالف الدولي الذي دخل سوريا تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش وانتشر في مناطق شمال وشرق البلاد، خاصة في محافظتي الرقة ودير الزور، عشر سنوات. كان المفروض بعد هذه السنوات أن تكون المنطقة مطهرة من أيّ تواجد للإرهاب، أو إن كان متواجدًا فبالحد الأدنى.

على عكس ما هو متوقع وكما يشير الهجوم الذي يجري حاليًا شمال سوريا في حلب وإدلب، والأعداد الضخمة المشاركة فيه من إرهابيين ينتمون لجماعات إسلامية مسلحة بزعامة هيئة تحرير الشام، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، بدت هذه الجماعات مستعدة أفضل استعداد للهجوم الكاسح الذي شنته، ومجهزة بأفضل الأسلحة والمعدات الشخصية.

ماذا كانت تفعل قوات التحالف الدولي والقوات التركية المتواجدة شمال سوريا من شرقها إلى غربها، خلال 10 سنوات؟ هل كانت تعمل على تطهير المنطقة من الإرهاب، أم كانت ترعى الإرهاب والمرتزقة وتعتني بهم؟

المتمعن في الصور المنقولة للهجوم الذي تشنه الجماعات المسلحة لن يعجز عن اكتشاف الرعاية التي يحظى بها هؤلاء المرتزقة. هم حتمًا ليسوا مجرد مقاتلين بدائيين يحتمون بالكهوف، بل هم مقاتلون خرجوا لتوهم من معسكرات تم تجهيزهم وتدريبهم داخلها لمثل هذا اليوم.

اليوم الذي نتحدث عنه هو اليوم الذي انشغلت فيه روسيا عمّا يجري في المنطقة بعد أن غرقت بوحل أوكرانيا. وهو اليوم الذي تعرضت فيه إيران لهزيمة بفقدانها لأذرعها في غزة وفي لبنان، واكتشفت أن التفوق العسكري الذي كانت تظن أنها تمتلكه ليس أكثر من وهم.

◄ الغارات الإسرائيلية التي ظن الجميع أن الهدف منها يتوقف عند معاقبة إيران وحزب الله، كانت تمهد الأرض لهجوم جماعات مسلحة يصر الإعلام الغربي على تسميتها معارضة

الهجوم حصل بعد أن مهدت له إسرائيل بغارات شبه يومية ضد مواقع القيادة العسكرية الإيرانية والسورية، بما في ذلك في العاصمة دمشق، ودمرت منشأة إنتاج علمية وعسكرية رئيسية تديرها إيران وسوريا وحزب الله بشكل مشترك في منطقة الساحل السوري.

لذلك، لم يكن مستغربًا أن الولايات المتحدة، المتواجدة في سوريا بذريعة محاربة الجماعات المسلحة، لم يصدر عنها ما يدل على المفاجأة ممّا يجري. ومثلها تركيا التي تدعي أنها هناك لحماية أمنها الإقليمي ومحاربة الإرهاب.

أكثر ما يثير الدهشة أن المعارضة السورية لبشار الأسد المتواجدة خارج سوريا، والموزعة على عدة دول أوروبية، تحدثت عن الهجوم الإرهابي المسلح على أنه انتفاضة جديدة ضد النظام.

ما حدث في سوريا، وما زال يحدث حتى اليوم، من أخطاء فادحة، مسؤول عنها السوريون بالدرجة الأولى؛ نظاما ومعارضة. النظام أخطأ عندما نفى وجود معارضة سلمية له داخل سوريا، ولم يستمع إلى مطالبها. والمعارضة أخطأت عندما وثقت بتركيا وقطر والولايات المتحدة، ورأت بما يحدث من قتل على أيدي مرتزقة، دفاعًا عن الديمقراطية.

هل نريد حقًا التوصل إلى مخرج من الأزمة المستمرة منذ 13 عامًا؟ علينا أن نبدأ أولًا بتسمية الأمور بأسمائها.

8