في بريطانيا: درهم سبق مئة ألف درهم

أثرياء بريطانيا بخلاء، وفقراؤها كرماء. لست من يقول ذلك، بل حقيقة كشفها بحث أجرته مؤسسة المساعدات الخيرية، جاء فيه أن الأثرياء في المملكة المتحدة يخصصون نسبة من ثرواتهم للأعمال الخيرية أقل من النسبة التي يخصصها الفقراء.
الأثرياء، الذين يتجاوز عددهم في بريطانيا نصف مليون، وفق البحث نفسه، يترددون كثيرا قبل أن يمدوا أيديهم داخل جيوبهم. خلال عام 2023، وبعد تردد وتفكير طويل، أخرج الأثرياء من جيوبهم أقل من نصف في المئة (0.4 في المئة) من إجمالي أصولهم القابلة للاستثمار والبالغة 2 تريليون جنيه إسترليني، أي لم يصل مجموع ما تبرعوا به إلى 8 مليارات جنيه إسترليني.
بينما يكفي لو أنهم تبرعوا بواحد في المئة فقط من أصولهم القابلة للاستثمار أن يضيف ذلك إلى الأموال التي تُنفق على فعل الخير 12 مليار جنيه إسترليني (15.1 مليار دولار) سنويا.
لم يتهم معدو البحث أثرياء بلدهم بالشح مباشرة، كما فعل علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، عندما قال بصريح العبارة "ما جمع مال إلّا من شح أو حرام."
في المقابل، وحسب الدراسة نفسها، تبرع عامة الناس في المملكة المتحدة بنحو 13.9 مليار جنيه إسترليني للأعمال الخيرية، أي ما يعادل أربعة أضعاف نسبة ما تبرع به الأثرياء (1.6 في المئة).
هذا بحساب الأرقام، إلا أن الفجوة أكبر من ذلك بكثير، عندما تُحسب بطريقة أخرى، ذُكرت في حديث للنبي محمد منذ 1400 عام، بقوله “دِرهَمٌ سَبَقَ مئَةَ أَلفِ دِرهَمٍ."
درهم من فقير يمتلك عشرة دراهم، خير من ألف درهم لثري يمتلك من الأصول الجاهزة للاستثمار ما يفوق المليون.
لا يستقيم النظر بنفس المقياس إلى تبرع شخص عادي لا يملك في جيوبه المثقوبة إلا كفاف يومه وبلغ أربعة أمثال ما تبرع به ثري ينفق يوميا أضعافا مضاعفة على أغلى أنواع المشروبات والعطور والأزياء.
هذا كله لا يعطي صورة حقيقية لما يجري في الواقع. قد يكون مصدر المبلغ الذي تبرع به أثرياء المملكة المتحدة، أو معظمه، من حفنة متبرعين لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة.
والأسوأ من ذلك، أن يعطي المتبرع بيد، ليأخذ باليد الأخرى أضعاف ما أعطاه. وهذا ليس مجرد كلام يقوله حاسد للأثرياء، بل واقع تؤكده الأرقام الرسمية.
حسب تقديرات الحكومة البريطانية، حجم التهرب الضريبي في البلد يصل إلى 35 مليار جنيه إسترليني سنويا. وهو رقم يعكس الإيرادات المفقودة بسبب الأنشطة غير القانونية أو غير المشروعة.
ووفقا لتقرير يوروستات لعام 2023، هناك حوالي 94.6 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي (21 في المئة من السكان) يعيشون تحت خط الفقر أو التهميش الاجتماعي. أما في المملكة المتحدة، فقد بلغ عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر حوالي 14.5 مليون شخص، وهو ما يعادل 22 في المئة من السكان.
السبب ليس شحا في الموارد أو نقصا في النقود، وإنما سوءا في التوزيع، كما قال يوما المسرحي الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو. ما قاله المسرحي الساخر برنارد شو، قاله أيضا الزعيم الهندي مهاتما غاندي “في هذا العالم ما يكفي لتلبية احتياجات كل إنسان، ولكن ليس ما يكفي لجشع كل إنسان.”