في المدرسة الألمانية

منذ سنوات خلت، سطع نجم لاعب شاب حاول باستحياء أن يفرض نفسه ضمن البيت الملكي، حاول أن يكون لاعبا أساسيا مع ريال مدريد، لكن قلة خبرته في ظل وجود منافسين أقوياء، أجبرته على الرحيل.
هو الظهير الأيمن المعروف داني كارفاخال، الذي اضطر حينذاك إلى سماع نصائح المسؤولين في النادي وكذلك الجهاز الفني، لقد تلقى نصيحة بضرورة تطوير أدائه وكسب الخبرة المطلوبة مع فريق آخر، ثم التفكير في العودة إلى القلعة البيضاء.
لم يرفض كارفاخال المقترح، فوجد مع نادي باير ليفركوزن الألماني المقام الجيد الذي يوفر له كل الظروف المساعدة على التحسن والتقدم، فقضى مع هذا الفريق موسما رائعا ومكللا بالنجاح.
عاد بعد ذلك إلى فريقه الأم، عاد في ثوب اللاعب المقنع والمميز، عاد ليكون منذ سنة 2013 أساسيا مع ريال مدريد، ولا أحد نجح في مقارعته ومنافسته على مركزه الثابت كظهير أيمن للنادي الملكي.
ربما كل تفاصيل هذه المسيرة قد تنطبق على النجم المغربي أشرف حكيمي. لقد تربى وترعرع ونشأ في معقل “الميرنغي”، بل وكان طيلة موسم كامل على ذمة الجهاز الفني للفريق الأول.
من الصدف أن حكيمي وجد في ذلك الموسم منافسة قوية للغاية من كارفاخال، لم يكن بمقدوره أن يستمر طويلا في المنافسة دون أن يملك تفاصيل وخيوط الخبرة والحنكة.
حينها جاء القرار الحاسم، هو قرار حكيم نقل حكيمي من وضعية اللاعب الاحتياطي بامتياز مع ريال مدريد إلى لاعب متقد حيوية ونشاطا وأساسي بامتياز مع بوروسيا دورتموند الألماني.
لقد اتخذ الجهاز الفني للريال في ما يتعلق بوضعية النجم المغربي الشاب قرارا مماثلا تماما لما عاشه كارفاخال في بداياته مع فريق الأكابر، فالانطلاقة المتطابقة والموهبة المتماهية دفعتاه إلى التوجه من جديد صوب المدرسة الألمانية.
هناك أيقن القائمون على الريال أن كل عناصر النجاح مضمونة ومتوفرة، هناك وفي تلك المدرسة كل الظروف ملائمة كي يطور حكيمي قدراته ويكتسب الخبرة التي تخول له النجاح كأفضل ما يكون مع الريال.
بدأت إذن تجربة حكيمي مع دورتموند منذ بداية الموسم، بعد أن انتقل إلى هذا الفريق على سبيل الإعارة لموسمين، تألق في سنته الأولى، ثم عانق التميز والإبداع في موسمه الثاني.
لقد قدم كل ما يمكن تقديمه كي يثبت أنه بات جاهزا تماما للعودة إلى بيته، للقدوم مجددا إلى البيت الملكي. فأشرف حكيمي جمع بين شرف محاولة التطور وحكمة الاختيار، ليصبح اليوم واحدا من أبرز المواهب الصاعدة في سماء الكرة العالمية.
لقد جاء الدليل على وصول هذا اللاعب إلى مرحلة النجومية والنضج في موفى العام الماضي، حيث وقع اختياره في أكثر من استفتاء أفضل لاعب صاعد، اختير أيضا أفضل لاعب مغربي، انهالت عليه الجوائز من كل صوب وحدب.
الأكثر من ذلك أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم اعترف بما قدمه هذا اللاعب ضمن مسابقة دوري الأبطال، فوقع اختياره ضمن التشكيلة المثالية لهذه المسابقة.
جوائز وتتويجات بالجملة وصعود صاروخي لنجم هذا اللاعب الذي بات اليوم أكثر من أي وقت مضى يثبّت أقدامه ضمن كوكبة من أبرز المواهب في العالم، ويثبت أن رحلته في دورتموند أوشكت على النهاية تمهيدا لعودته المرتقبة إلى ريال مدريد.
كانت التجربة في المدرسة الألمانية مغرية ومفيدة للغاية، ربما قدمت للاعب أكثر مما كان يتوقعه الجميع، فعكس ما عاشه كارفاخال في السابق مع ليفركوزن الذي لعب في صفوفه موسما واحدا، فإن تجربة حكيمي الألمانية بدت أكثر توجها وتألقا ونجاحا.
لقد استثمر حكيمي لعبه مع بوروسيا دورتموند كأفضل ما يكون، هو لم يكتف بأداء الواجب الدفاعي والمساعدة في البناء الهجومي، بل سجل وسجل، وفي كل مرة تتاح له الفرصة يؤكد أنه مدافع برتبة هدّاف.
لقد فعلها في عدة مناسبات هذا الموسم وخاصة في دوري الأبطال، بل كان بمثابة “كلمة السر” بعد مرور فريقه إلى الدور الثاني من هذه المسابقة خاصة بعد تألقه اللافت ضد إنتر ميلان عندما قاد فريقه إلى قلب الطاولة مسجّلا ثنائية استثنائية.
هو بلا شك لاعب استثنائي، والجميع في مدريد ينتظره بعد أن ينهي فترة الإعارة على أحر من الجمر كي يصبح الظهير الأيمن الأول، خاصة مع تقدم كارفاخال في السن، أما حكيمي المتقد حماسا فلم يتجاوز بعد عامه الحادي والعشرين.
حكيمي سيعود في صورة اللاعب النجم، سيكون بلا شك أحد أركان “الكلاكتيكوس” الجديد في مدريد، سيكون من بين أبرز اللاعبين الذين ستسعى كل الأندية للتعاقد معهم، لقد بدأت فعلا الإغراءات وباريس سان جرمان يريد “خطفه” من الريال.
في الأخير على المدرسة الألمانية أن تفخر بقدرتها على صقل المواهب وصنع النجوم.