فيلم سوري يطرح الصراعات الزوجية بشكل مختلف

"ليلى وشهم".. حكاية يتنازعها الألم والتضحية والشغف.
الثلاثاء 2023/03/07
شخصيات أنهكتها علاقات غير سوية

يبدو صراع الأشخاص ضمن علاقات المجتمعات مادة أساسية في تناولات السينما، الصراع الذي يمكن أن يوجد حتى في علاقة زوجين، وكثيرا ما قدمت السينما العالمية والعربية نماذج من هذه الصراعات وما ينتج عنها. “ليلى وشهم” فيلم روائي سوري قصير يقدم محاكاة لهذه العلاقة التي تجمع في أطرافها مصائر عدد من الشخوص المنهكين حياتيا.

“كرامر ضد كرامر”، فيلم عالمي للمخرج الأميركي روبرت بينيتون قدم عام 1979 وحاز على خمس جوائز أوسكار في حينه منها أفضل فيلم. حكى العمل عن الصراع الاجتماعي عندما يكون محله بيت واحد وبين زوجين. ونتابع الزوجين كرامر (داستن هوفمان وميريل ستريب) يصلان إلى مرحلة الانفصال ويتصارعان على حضانة ابنهما الوحيد.

وفي ذات التوجه في رصد الصراعات الزوجية وتأثيراتها على حياة الناس، يقدم المخرج السينمائي السوري الشاب خالد عثمان فيلمه الروائي القصير الثاني “ليلى وشهم” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا.

علاقات متردية

في فيلم "ليلى وشهم" خالد عثمان يقدم تجربة اجتماعية بحتة تبحث في أغوار العلاقات الإنسانية بما يلفها من حساسيات وتقاطعات خطرة
في فيلم "ليلى وشهم" خالد عثمان يقدم تجربة اجتماعية بحتة تبحث في أغوار العلاقات الإنسانية بما يلفها من حساسيات وتقاطعات خطرة

 في الفيلم عوالم اجتماعية أبطالها أسرة تتكون من زوجين وابنتهما اليافعة. العلاقات في الأسرة لا تبدو سوية، رغم المستوى المالي المرفه الذي تكون عليه، ففي الجانب النفسي ثمة أمور يعاني منها الزوج، سوف تكون مؤثرة في مسار حياة الأسرة ومستقبلها، وكذلك فإن الحياة الفنية الصاخبة التي تعيشها الأم ستدفعها للسهو عن ابنتهما لقليل من الوقت، ما يسبب لها حالة صحية خاصة تعاني منها طيلة حياتها. وفي جدليات الألم والحلم والقسوة والرغبة بالانتقام النفسي، تتضافر أحداث الفيلم لتصل إلى بناء شبكة من الأحداث المعقدة.

ليلى (نادين قدور) فنانة شهيرة، تعيش عالمها الفني والشخصي بكل تفان ونجاح، وتحصّل في ذلك المجد، بينما يكون الزوج شهم (عامر علي) منصرفا لعالمه الشخصي، مبتعدا عن الحالة التقليدية للأسرة، فهو محاط بأجواء الرياضة والسهر والشراب والتجوال من مكان لآخر، وبينهما شغف (ليال واكيم) الفتاة اليافعة التي تدفع كثيرا جراء هذه العلاقة، لكنها شكلت في الوقت ذاته طاقة دافعة لأمها عندما احتاجت دعما روحيا في مرحلة مصيرية من حياتها المهنية.

 يقدم الفيلم في بنائه السردي المتتالي تفاصيل علاقة ندية جمعت كلا الزوجين، فالزوجة ليلى لا تريد التراجع عن المكانة التي وصلت إليها في الفن والمجتمع، وتحاول بكل جهدها المحافظة عليها بل وتطويرها رغم الكبوات والغيابات التي اضطرت لها لأسبابها الشخصية. والزوج لا يكون داعما ولا مؤيدا لها، بل يحاول أن يمانعها في ما تهدف إليه، محاولا تشكيلها في نمط الزوجة التقليدية التي تقوم على رعاية بيتها وابنتها وتهتم بشؤون الزوج حتى الجسدية منها تاركة إياه في نزواته الشخصية ليفعل ما يشاء.

في فيلمه الثاني “ليلى وشهم”، يقدم عثمان تجربة اجتماعية بحتة، تبحث في أغوار العلاقات الإنسانية بما يلفها من حساسيات وتقاطعات خطرة، على خلاف ما قدمه في فيلمه الروائي القصير الأول “نوم عميق” الذي عالج موضوعا بالغ الأهمية في المجتمع السوري، بحيث قدم بلغة سينمائية رهيفة وذكية حالة المجتمع السوري ومعاناته بخسارة شرائح اجتماعية محددة نتيجة الحرب التي دارت في سوريا، كما قدم نسيجا حكائيا لأشخاص ما زالوا على قيد الحياة لكنهم نفسيا ميتون. فوجد مبدعا سينمائيا يعيش على ذكرياته وبقايا من معداته السينمائية التي صارت مجموعة من الكراكيب محشورة في غرفة صغيرة في بيته، والأم التي خسرت ابنها المهاجر ولا تستطيع التواصل مع حفيدها بسبب الحرب والسفر.

وأيضا كان هناك زوجان تحولت أحلامهما إلى مجموعة من التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تتولد عنها في أي لحظة مواقف شجار عابرة، فيمكن أن يختلفا على سبب عدم شراء الغذاء من متجر محدد مثلا.

بين التوثيق والمجتمع

نسيج حكائي لشخوص تصارع من أجل البقاء
نسيج حكائي لشخوص تصارع من أجل البقاء

في فيلمه الجديد لا يقدم عثمان وثيقة ديموغرافية ولا حتى تاريخية واضحة المعالم، وإن رسم في بعض تفاصيل الفيلم وعبر إشارات خلفية، أن زمن الفيلم هو ما بعد عام 2011. لكنه يقدم بنية حكاية يمكن أن تحدث في أي زمان، بشرطية تكوين الأسرة المكونة من فنانة ورجل غير متزن.

 في هذا العمل نلاحظ تحولات نفسية وشخصية عميقة، بين الألم والتضحية والشغف، يقول عثمان مؤلف ومخرج الفيلم في ذلك “في الفيلم العديد من الانعطافات الجوهرية، التي سببتها بعض تفاصيل الحياة الزوجية بينهما، والخسائر الروحية التي فرضتها، فالألم موجود وكذلك التضحية وروح الشغف التي لا تغيب، لذلك تصل أحداث الفيلم إلى ذرى غاية في التشويق، عبر مسارات متوازية ومتتالية. والفيلم يقدم تجربة حياتية مليئة بالمتغيرات والتفاصيل المتناقضة بين أطرافها، ويبقي على مساحات كبيرة للحلم، الذي يمكن أن يقدم لأصحابه فرصة في تلمس الأمل في غد سيكون أجمل”.

الفيلم يقدم تجربة اجتماعية بحتة، تبحث في أغوار العلاقات الإنسانية بما يلفها من حساسيات وتقاطعات خطرة

وعن زمن أحداث الفيلم ومكانه، يتابع “في الفيلم تداخل زمني، لكنه معني بوقتنا المعاصر بشكل أساسي، وما يجري في بلادنا حتى على المستوى الدولي، هنالك مشاهد رسمتها لتكون خلفية تحكي عن واقع يعيشه الناس بشكل متكرر، يتعلق الأمر بحالة الأمن العام لهم في حيواتهم، وكيف يقاومون منعكساتها السلبية عليهم، وأوجدت لذلك معادلات في أتفه التفاصيل التي يمكن المرور بها في الحياة، مثل رمي القمامة مثلا، وما يمكن أن يسببه من خطر في حالة محددة، ثم مقاومة ذلك وتجاوزه لمجرد أن البطلة شاهدت منظرا محددا في السماء. هذه الرمزية التي أوجدتها، أردت من خلالها رواية ما يحدث في مكان وزمان محددين”.

خلال بحثه عن الفتاة اليافعة التي ستقدم دور شغف، يصادف المخرج عثمان مدربة رياضية شابة، تختزل ملامح الفتاة التي يريدها لتقديم هذا الدور، ويعتبرها عثمان صدفة خلاقة، أوجدت في طريقه الخيار المطلوب. وعندما طرح الفكرة على الشابة في تقديم الدور قبلت به، رغم أنها ليست ممثلة ولم تفكر يوما أن تكون.

في حديثها عن الصدفة والتجربة تقول الشابة ليال واكيم لـ”العرب”، “أعمل في مجال الرياضة، وأنا في الوقت ذاته طالبة في كلية الهندسة المعمارية في السنة الرابعة، عندما التقيت مخرج الفيلم وعرض علي الفكرة، تحمست كثيرا لها، وقررت أن أدخلها مهما كانت النتائج، قد أصل فيها إلى النجاح وقد لا أصل، لكنني أعطيت للتجربة كل الجدية والاهتمام، وكان لأهلي دور كبير بتقبل الفكرة ودعمي بالمتابعة فيها، كونهم يثقون بقراراتي، وهم ينتظرون نتيجة الفيلم النهائية”.

ويذكر أن الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وهو من تأليف وإخراج خالد هشام عثمان وتمثيل عامر علي ونادين قدور وليال واكيم.

13