فيلم "ريش" المتوج في كان يثير الجدل في مصر

حاز الفيلم المصري “ريش” على جائزتين في مهرجان كان بفرنسا ونال إشادة كبيرة لدى عرضه دوليا، لكن هذا لم يحُل دون تعرضه للنقد والهجوم عقب مشاركته في مهرجان الجونة السينمائي بمصر. فهناك كثيرون رأوا في الفيلم تشويها للواقع المصري وآخرون نعتوه بالنخبوي، فيما يرى منتجوه أنه تجريب فني وكل تجريب عادة ما يقابل بالجدل وحتى الرفض.
الجونة (مصر) - رغم أن الفيلم المصري “ريش” لمخرجه عمر الزهيري حصل على جائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي) في يوليو المنقضي، فقد وجه له بعض الفنانين والنقاد سهام النقد بعد عرضه في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة مساء الأحد، معتبرين أنه “يسيء إلى سمعة مصر” بسبب حالة الفقر المدقع والبؤس الذي تعيشه عائلة هي محور أحداثه.
والعمل الذي حقق إنجازا كبيرا للسينما المصرية، إذ يعدّ أول فيلم مصري يفوز بجائزة النقاد في مهرجان كان، إنتاج مصري – فرنسي – هولندي – يوناني مشترك، وهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه (33 عاما) الذي ساهم في كتابته أيضا.
مفارقة عبثية

عمر الزهيري: الفيلم مختلف تماما والاختلاف أحيانا يكون مربكا لبعض الناس
يسرد الفيلم، الذي يمزج بين الواقع والفانتازيا، قصة عائلة فقيرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال. وفي أحد الأيام يقرر الأب الاحتفال بعيد ميلاد أحد أبنائه فيُحضر ساحرا لتقديم فقرات مسلية للضيوف، لكن عندما يستعين الساحر بالأب في تأدية فقرة يدخله إلى صندوق خشي كبير ويحوله إلى دجاجة ويختفي الأب. ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.
ومن هذه المفارقة العبثية تنطلق أحداث الفيلم، إذ تلجأ الزوجة إلى كل السبل لاستعادة الأب وتبحث عن الساحر لكن دون جدوى، وبعدما تستنفد ما لديها من جنيهات معدودة تبدأ في الاعتماد على نفسها لتدبير متطلبات الأسرة وتدفع بابنها الأكبر للعمل في المصنع الذي كان يعمل فيه أبوه لسداد ديونهم.
وبعد أن يستقر وضع الأسرة نسبيا يظهر الأب من جديد لكن بحالة مزرية فاقدا للكلام والحركة ما يجعله عبئا جديدا على الأسرة.
وقال الزهيري في حديث له “الفكرة تبدو هزلية وأقرب إلى النكتة بتحول الزوج إلى دجاجة، لكن عندما نقترب من الحكاية نراها مشكلة كبيرة، مشكلة حياة أو موت”.
وأضاف “الفيلم مختلف تماما وفيه سينما متجددة وتجريب بشكل كبير. الاختلاف أحيانا يكون مربكا لبعض الناس”.
وتابع “أي شيء فيه تجديد تقابله محاولات للتصنيف، لكن في النهاية أنا مصري، والفيلم مصري، والفيلم ليس ملكا لمنتجيه بل هو ملك للجمهور”.
حلم الأوسكار
ويملك الزهيري (33 عاما) في رصيده فيلمين قصيرين، كما عمل من قبل مساعد مخرج في عدد من الأفلام إضافة إلى اشتغاله بمجال الإعلانات.
وقال إن التحضير لفيلمه الروائي الأول استغرق وقتا طويلا، لكنه أنجز عملية التصوير في خمسة أسابيع فقط، مشيرا إلى أن معظم المناظر عبارة عن ديكورات إضافة إلى جزء صُنع بالغرافيكس.
وعن اختياراته للممثلين قال إنهم جميعا غير محترفين ويقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى وكان الهدف من الاستعانة بهم هو وضع شخصيات حقيقية تتماشى مع العالم المقدَّم في الفيلم.
وعن أول أفلامه الروائية الطويلة قال الزهيري “هو اختيار شخصي نابع من طريقة التفكير التي اتبعتها من قبل في تنفيذ أفلامي القصيرة، رأيت بعض الصور في مخيلتي بنيت عليها قصة وأصبحت هذا الفيلم”.
ويضيف “السيناريو في أفلامي مجرد مرحلة مبدئية وليست كل الفيلم، فهي مسودّة أفكار تتحوّل لاحقا إلى مجموعة من المشاهد الحية وصور وأصوات. أنا أبحث عن الشعور الذي يفاجئني بعد المونتاج وليس الأفكار المكتوبة، لذلك إذا وجدت قصة أو سيناريو مكتوبا من غيري واستطعت أن أتخيله لا أمانع في العمل عليه كما حصل مع فيلم ‘ريش’ للمؤلف أحمد عامر، والذي اشتركت معه في كتابة السيناريو”.
وقالت شاهيناز العقاد منتجة “ريش” إنها تتلقى المئات من السيناريوهات لكنها تحمست جدا للفيلم من القراءة الأولى.

تصنيف الأفلام باعتبارها أفلام مهرجانات أو أفلاما تجارية غير واقعي ففي النهاية هناك فيلم جيد وفيلم سيء
وأضافت “المخرج خلق عالمه الخاص، فلا يمكن للمشاهد أن يحكم أين تدور هذه الأحداث أو متى، إضافة إلى أن كل شيء في الفيلم يجافي المنطق وبالتالي نحن نرى أمامنا صورة مصنوعة من الخيال”.
واستطردت “أعلم أن الفيلم موجع للقلب ويمكن قراءته على أكثر من مستوى لكن ليست له أي علاقة بالسياسة، وأنا أرى أن عُمَر قدم لنا عملا ممتعا”.
وأشارت إلى أن تصنيف الأفلام باعتبارها أفلام مهرجانات أو أفلاما تجارية غير واقعي، لأن في النهاية هناك فيلم جيد وفيلم غير جيد “حتى فيلمنا الذي يصنف على أنه نخبوي ويخاطب المثقفين جاءت ردود الفعل عليه متباينة، فلا يوجد شيء يتفق عليه الجميع بشكل مطلق”.
وكان بعض النقاد قد توقعوا أن يصبح “ريش” مرشح مصر للمنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي بعدما أعلن منتجو العمل عزمهم طرحه في دور العرض في شهر ديسمبر، إلا أن هذا الحلم تبدد بعد الجدل الكبير الذي أثير في وسائل الإعلام المصرية.
ويذكر أن عمر الزهيري تخرّج في المعهد العالي للسينما بالقاهرة، وعمل مساعدا للعديد من المخرجين المصريين من بينهم يوسف شاهين ويسري نصرالله.
وسبق للزهيري أن أخرج عددا من الأفلام القصيرة منها “زفير” الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان دبي السينمائي الدولي في العام 2011، وفي 2014 قدّم عمله الثاني “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375” وهو أول فيلم مصري يتم اختياره من قبل مؤسسة سيني فونداسيون بمهرجان كان السينمائي. لكن فيلم “ريش” هو أول عمل روائي طويل له على غرار سائر الأفلام التي شاركت هذا العام في مسابقة أسبوع النقّاد بكان.