فيسبوك يخرس صوت المتعة الزائفة رسميا

منظمات معنية بالصحة النفسية والعقلية تضغط على فيسبوك للتوقف عن إعطاء أولوية لمسألة عدد مرات “الإعجاب”، وترى أنها تؤثر سلبا على احترام الأشخاص لأنفسهم.
السبت 2019/09/28
كم ستحصد هذه الصورة من إعجاب

أعلنت شركة فيسبوك أنها تسعى عبر تجربة جديدة إلى التقليل من أهمية عدد مرات “الإعجاب” للمحتوى الذي يشاركه المستخدمون على شبكتها الاجتماعية.

سيدني- لم يتمكن عدد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أمس، من معرفة عدد الإعجابات وردود الفعل ومشاهدات الفيديو على مشاركات الآخرين، وذلك في تجربة أوّلية تهدف إلى تعزيز رفاهية المستخدمين.

وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أنه بدلا من ذلك سيكون فقط المشارك هو من يمكنه رؤية الإعجابات الخاصة بمنشوره، وهو ما يشبه اختبارا تم تطبيقه على إنستغرام في يوليو الماضي، في أستراليا. وبدأت تجربة فيسبوك الجديدة في أستراليا، الجمعة.

وقالت ميا غارليك، مديرة السياسة في فيسبوك أستراليا، إن التغيير استند إلى أبحاث الرفاهية وردود فعل من اختصاصيي الصحة العقلية بأن عدد الإعجابات يمكن أن يتسبب في مقارنات اجتماعية.

وأضافت غارليك “لقد كانت لدينا ردود فعل إيجابية حقا من العديد من مجموعات مكافحة التنمر ومنظمات الصحة العقلية التي نعمل معها”.

وأضافت “في الحقيقة الأمر يتعلق بإخراج العدد من المعادلة، بحيث يمكن للناس التركيز على جودة تفاعلاتهم وجودة المحتوى بدلا من التركيز على عدد الإعجابات أو ردود الفعل”. وتابعت “نأمل بأن يكون الأشخاص أكثر راحة في المشاركة على المنصة بدلا من الشعور بأنها منافسة”.

وفي الوقت نفسه، أكدت غارليك أن الشركات التي تعتمد على فيسبوك ستستمر في تلقي جميع الإحصائيات وردود الأفعال التي وصلت إليها من قبل، مشيرة إلى أنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الاختبار سينتشر في بلدان أخرى مثل تجربة إنستغرام في أستراليا وكندا والبرازيل ونيوزيلندا واليابان وإيطاليا وأيرلندا.

ميا غارليك: يمكن للناس التركيز على جودة تفاعلاتهم وجودة المحتوى بدلا من التركيز على عدد الإعجابات
ميا غارليك: يمكن للناس التركيز على جودة تفاعلاتهم وجودة المحتوى بدلا من التركيز على عدد الإعجابات

وقالت “لقد تلقينا بعض الملاحظات الإيجابية الأولية من الجمهور حول تجربة إنستغرام، لكننا ما زلنا نتعلم ونستمع إلى الملاحظات في هذه المرحلة”.

وتضغط منظمات معنية بالصحة النفسية والعقلية منذ سنوات على فيسبوك للتوقف عن إعطاء أولوية لمسألة عدد مرات “الإعجاب”، وترى أنها تؤثر سلبا على احترام الأشخاص لأنفسهم.

والمشكلة في مسألة عدد مرات الإعجاب تكمن في أن المستخدمين يعيشون في قلق دائم من أجل الحصول على عدد أكبر من مرات “الإعجاب”، أو يفرضون رقابة ذاتية تتمثل في الحرص على انتقاء محتوى يمكن أن يحقق انتشارا أكبر. وقال جيمي رايمو، المتحدث باسم فيسبوك، “سنحاول فهم ما إذا كان هذا التغيير سيحسن تجارب الناس”، مضيفا “نريد أن يكون الموقع مكانا يشعر فيه الناس بالراحة للتعبير عن أنفسهم”.

وقد تعجب هذه الخطوة، إذا ما تم تطبيقها بالفعل، الكثير من المستخدمين لمنصة فيسبوك، بينما لن تعجب أولئك المتنمرين والمعتدين بأنفسهم ممن يستخدمون أعداد المشاهدات وحالات الإعجاب والتعليق باعتبارها أداة لمقياس الشعبية.

ولا يخفي جاستين روزنشتاين، المهندس الذي ابتكر خاصية “رائع” عام 2007 التي تطورت إلى زر الإعجاب في ما بعد، قلقه من التأثيرات السلبية التي تشكلها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين حول العالم.

ويصف روزنشتاين خاصية “الإعجاب” الخاصة بفيسبوك بـ”الأصوات الواضحة للمتعة الزائفة”. وقال روزنشتاين في تصريحات إعلامية سابقة إنه أدرك أن ولع المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي بحصد الإعجابات على منشوراتهم هو أمر أجوف بقدر ما هو مغر، وأن السعادة التي يسببها الحصول على الإعجابات زائفة.

وبعد أكثر من عقد من تصميم زرّ “الإعجاب” الذي وصف بـ”المذهل”، انضم روزنشتاين إلى الظاهرة المعروفة بـ”المرتدين عن وادي السيليكون”، الذين يشعرون بالاستياء إزاء تنامي “اقتصاد الانتباه” القائم على جذب انتباه مستخدمي الإنترنت إلى الإعلانات التجارية على المواقعالإلكترونية.

وميزة “الإعجاب”، التي تم إدخالها قبل 12 سنة، تقع في صميم هذا الاتجاه، حيث تعمل على زيادة مشاركة المستخدمين في فيسبوك في حين تقوم الشركة بجمع المعلومات عن تفضيلات مستخدميها.

وكانت تجربة إنستغرام بحجب علامات الإعجاب على المنشورات في بعض البلدان قد وُصفت بأنها مسعى لإنهاء السباق على الشعبية بين المستخدمين، وبداية رد على “الضغط” الاجتماعي الممارس من الشبكات الإلكترونية والذي يؤثر سلبا في أحيان كثيرة على الفئات الشابة.

وقال عالم الاجتماع الفرنسي ستيفان هوغون المتخصص في الابتكارات الاجتماعية والتكنولوجيا “إنستغرام يستبق حقيقة أن شغفنا بالأرقام يتراجع، وثمة طريقة جديدة لتصور الروابط الاجتماعية”.

ويبدو أن إنستغرام، الذي يعد أكثر من مليار مستخدم في العالم، أدرك تبعات هذا “الضغط” الذي يعاني منه عدد كبير من المولعين به.

وأعلن رئيس شبكة إنستغرام آدم موسيري في يوليو الماضي عن إطلاق أدوات جديدة لمكافحة المضايقات الإلكترونية بما يشمل ظهور رسالة تحذيرية لدى محاولة أي مستخدم نشر تعليقات تحتوي مضامين تنمّ عن كراهية، بالاستعانة ببرمجيات للذكاء الاصطناعي. وبات إنستغرام ميدانا للسباق على حصد الشعبية وتعزيز حب الذات لدى المستخدمين.

ويوضح عالم الاجتماع سيموني كارلو، المتحدّر من ميلانو والمتخصص في الروابط الاجتماعية الرقمية، “يضم إنستغرام أشكال الإدمان نفسها الموجودة في المجتمع، بما يشمل الترفيه وإظهار الذات وحصد إعجاب الآخرين. هذه سلوكيات موجودة منذ زمن بعيد في المجتمع الإيطالي”، رغم أن هذه الظاهرة لا تقتصر على إيطاليا.

حذف عدد الإعجابات تجربة أوّلية تهدف إلى تعزيز رفاهية المستخدمين
حذف عدد الإعجابات تجربة أوّلية تهدف إلى تعزيز رفاهية المستخدمين

ويشير أندريه موندو عالم الاجتماع الكندي والأستاذ في جامعة كيبيك في مونتريال إلى أن “فكرة التحدث عن الذات موجودة على وسائل الإعلام الرقمية، ويحصل ذلك لإرضاء الأنا” لدى المستخدمين. وتظهر مشكلات في النظرة إلى الذات لدى المستخدم عندما “يتراجع الاهتمام الذي كان يتلقاه”.

وفي 2017، صنفت دراسة نشرتها “رويال سوسايتي فور بابليك هلث” إنستغرام على أنه أسوأ شبكة اجتماعية على الصحة العقلية للشباب في بريطانيا، بحسب 14 معيارا بينها النظرة إلى الذات والقلق ومستوى المضايقات.

وحتى مع زوال علامات الإعجاب، ستبقى الصور الخدّاعة والمتلاعب بها في أحيان كثيرة صورا زائفة عن واقع اجتماعي مثالي.

وقد نددت الأسترالية إيسينا أونيل، وهي من المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 2015، بالصورة الكاذبة التي تعكسها شبكة إنستغرام كما عبّرت عن انزعاجها من خلال إعادة صياغة كل التوصيفات المرفقة بصورها لتعكس الحقيقة المخفية.

ويرى سيموني كارلو أن عدم التركيز على عدد علامات الإعجاب من شأنه أن يعزز الارتياح لدى المستخدمين، لكن “حصد الشعبية سيبقى متوافرا للراغبين في ذلك”.

19