فوبيا
في الموعد المحدد كانت الطبيبة قد أعدت العدة لمعركة بدت شرسة، حيث غصت طاولة الفحص بمعادن متنوعة من أدوات العمل ونماذج لأسنان ومرايا بأحجام صغيرة، قطن، محاليل بطعم حاذق ومثقاب كهربائي لصقل الأسنان! وكان المشهد مرعبا بما فيه الكفاية لاستسلامي حتى قبل أن تبدأ المعركة.
تلقت الفتاة الشابة رسالة الاستغاثة القابلة من عالمي الآخر، فابتسمت وأجلستني بهدوء على كرسي الاعتراف، وربّتت على قلقي بقطعة موسيقية من ضربات القدر لبيتهوفن ولوحة سريالية ألصقتها على وجه السقف، الذي يقابل في العادة نظرات المريض المستسلم على الكرسي.
وهكذا، كانت عمليات الحفر والتنقيب تجري على نغمات الموسيقى وبحضور كائنات هلامية انبثقت فجأة من اللوحة السريالية لتنشب أظافرها في ذاكرتي.
باغتتني بالسؤال، ماذا يحدث الآن؟ هل هو موجع إلى هذا الحد؟ فاجأني سؤالها، موجع! “نعم، كثيرا، وأيضا أعاني من فوبيا الأماكن المغلقة”. كلمة السر هذه كانت كافية بصورة مؤقتة لتعليق العمل في عمليات الحفر والصقل.
وفوق هذا، قررت الطبيبة المسكينة إرسالي إلى العيادة النفسية، قبل خضوعي لجلسة استجواب أخرى، لكنني أقنعتها بالعدول عن هذا القرار الجائر، فالأوان قد فات يا سيدتي المدللة، قلت لها، والطير الغريق لم يعد يخشى البلل.
وعدتني الكائنة الرقيقة بمزيد من الموسيقى والمواد المخدرة، إذا ما قررت العودة بإرادتي. وحتى يحين الموعد المقبل، حذرتني من الاسترسال في ابتسامة عريضة مهما كانت المسوغات!
إنها الحرية أخيرا، غادرت عيادة الأسنان بوثيقة إفراج مؤقتة فصفعتني برودة الطقس في الخارج، وبادلتها التحية بأحسن منها. وقبل أن استفيق من الصدمة لمحت إلى يمين الشارع، بابا متأرجحا لمطعم وجبات سريعة كان يغص بزبائن بدوا فرحين، وهم يحملون أكياس الطعام ويعدون أنفسهم بوجبة لذيذة.