فوائد غير متوقعة: ظاهرة "القيل والقال" توطّد العلاقات الاجتماعية

واشنطن – ظاهرة “القيل والقال” من السلوكيات المنبوذة اجتماعيا ويتم انتقادها بشدة بسبب ما ترسخ عنها من معتقدات سلبية. لكن دراسة جديدة أجرتها كلية دارتموث في الولايات المتحدة كشفت عن بعض مزاياها ودورها في تسهيل عملية التواصل الاجتماعي بين الناس حيث تتيح لهم فرصة التعرف على العالم بشكل غير مباشر من خلال تجارب الآخرين.
وترجح الدراسة أن أغلب العلاقات الاجتماعية لا تقوم على الصدفة أو التعارف العرضي أثناء المناسبات بقدر ما ترتبط بالأحاديث الجانبية، فجميع الناس يوثقون علاقاتهم عبر ظاهرة “القيل والقال” التي تجرهم إلى مواضيع مختلفة وحكايات واستطرادات وتبادل للآراء والأفكار والأسرار.
وفي تسعينات القرن الماضي شاعت إحدى النظريات التي ترجح أن البشر بحاجةٍ إلى الثرثرة للحفاظ على روابطهم الاجتماعية.
كما شبه بعض العلماء الثرثرة بمادة الغراء التي توطد العلاقات الاجتماعية، مشددين على أن بعض الأحاديث الجانبية تلعب دوراً هاماً في تقوية الروابط الاجتماعية وتشجيع التعاون بين الناس، هذا بالإضافة إلى اندماج الفرد في المجتمع.
ولا تنشر هذه الظاهرة بالضرورة الشائعات أو تروج للأشياء السيئة التي تشوه سمعة الآخرين، بل يمكن أن تتضمن حديثًا قصيرًا بشكل مباشر أو عبر الإنترنت، للترويج لبعض الآراء والأفكار الإيجابية التي يستفيد منها الناس.
ووجدت الأبحاث السابقة أن ما يقرب من 14 في المئة من محادثات الناس اليومية هي ثرثرة، وهي محايدة في الأساس.
14 في المئة
من محادثات الناس اليومية هي ثرثرة غير مغرضة، لا تنشر بالضرورة الإشاعات
وقالت إيشين جولي، الباحثة في مختبر العلوم العصبية الوجدانية الحاسوبية الذي شارك في إعداد الدراسة، إن “القيل والقال شكل معقد من أشكال الاتصال الذي غالبًا ما يُساء فهمه”.
وأضافت جولي “النميمة يمكن أن تكون وسيلة اتصال اجتماعي وموضوعي تتجاوز دلالاتها السلبية”.
وكان لدى الباحثين الذين أجروا الدراسة فضول بشأن سبب قضاء الأشخاص الكثير من الوقت في تبادل المعلومات المتعلقة بهم وبالآخرين، وسعوا لتحديد سبب الإشاعة التي يروجها الناس والوظيفة التي تقوم بها.
وابتكر الباحثون لعبة على الإنترنت لفحص دور النميمة وكيف تتجلى عندما تصبح المعلومات أكثر غموضًا داخل اللعبة.
ولعب الأشخاص المشاركون في الدراسة عشر جولات من اللعبة معًا في مجموعات تتكون من ستة أشخاص، وفي كل جولة مُنح اللاعبون عشرة دولارات أميركية ويمكنهم اختيار الاحتفاظ بالمال أو استثمار أي جزء منه في صندوق المجموعة الذي تم ضربه في 1.5 مرة وقسّم بالتساوي بين اللاعبين.
ولاحظ الباحثون أن اللعبة خلقت نوعا من التوتر الذي تراوح بين السلوك الأناني الحر والسلوك التعاوني، وفي بعض الحالات تم تقييد المعلومات بحيث يمكن للمشاركين فقط مراقبة سلوك عدد قليل من اللاعبين الآخرين في مجموعتهم.
وقالت جولي “كان مصدر إلهامنا إنشاء سيناريو يشبه الحياة، تكون فيه عضوًا في مجتمع وتتأثر بإجراءات جميع أفراد المجتمع الآخرين، ولكن نادرًا ما تراقبهم وتتفاعل معهم بشكل مباشر”.
في بعض الألعاب يمكن للاعبين الدردشة بشكل خاص مع لاعب آخر في المجموعة، وسمح هذا للاعبين بنقل معلومات تتعلق بسلوك اللاعبين الآخرين إلى شركائهم، مثل ما إذا كان اللاعب الآخر يتمتع بحرية اللعب. وبعد ذلك أبلغ اللاعبون عن استعدادهم للعب مع كل لاعب مرة أخرى.
باحثون:
القيل والقال "اتصال ثري ومتعدد الأوجه" ويقوم بالعديد من الوظائف الاجتماعية
وتُظهر النتائج التي توصل إليها الباحثون ونُشرت في مجلة “كارنت بيولوجي” العلمية كيف أن القيل والقال “اتصال ثري ومتعدد الأوجه” ويقوم بالعديد من الوظائف الاجتماعية.
وظهرت أنواع مختلفة من القيل والقال اعتمادًا على كمية المعلومات المتاحة، كما حدثت المحادثات العفوية حول الآخرين بشكل متكرر أثناء الألعاب عندما كان بإمكان اللاعبين فقط مراقبة سلوك عدد قليل من أعضاء مجموعتهم. وعندما تمكن اللاعبون من مراقبة جميع أعضاء مجموعتهم بشكل مباشر مالوا إلى الدردشة ومناقشة مجموعة واسعة من الموضوعات.
واعتمد المشاركون على معلومات استقوها بشكل غير مباشر من شركائهم في اللعبة ليبقوا مطلعين على سلوك الآخرين الذين لا يستطيعون رؤيتهم، مما يوضح كيف مكنت ظاهرة “القيل والقال” الأفراد من التعلم من تجارب الآخرين عندما تكون الملاحظة المباشرة غير ممكنة.
وأظهرت النتائج أيضًا أن المشاركين الذين تحدثوا مع بعضهم البعض شعروا أنهم أكثر ارتباطًا ببعضهم البعض في نهاية اللعبة، بل وشاركوا انطباعات مماثلة عن اللاعبين الآخرين في مجموعتهم.