فنسنت ومرآة روحه

كل لوحة من لوحات فنسنت تمثله بمعنى أن الوجه المرسوم يشبه وجهه، ولكن ليس في كل الأحوال.
الاثنين 2021/08/30
فنسنت فان غوخ رسم نفسه بمزاج الألم

يعزف الكثير من الرسامين عن رسم صورهم الشخصية. البعض يرسم وجوه الآخرين بحماسة ومتعة، غير أنه يشعر بالقلق وبمزاج سيء ما إن يفكّر في رسم وجهه الذي يراه يوميا مرة أو مرتين في المرآة.

يتعرّف عليه في بطاقته الشخصية وفي جواز سفره، ولا يتساءل “هل يشبهني ذلك الشخص أم لا؟”، إنه سؤال مؤجل لما ينطوي عليه من حرج.

غالبا ما لا نشبه صورنا التي نشعر أنها لغرباء تسللوا إلينا لحظة التصوير. كيف يمكن أن يكون المرء شبيها لنفسه من خلال صورة وجهه؟ ذلك سؤال معقد ومربك وحائر.

ليس كل الرسامين يجيدون رسم الـ”بورتريه”. رسامو الساحات في أوروبا يخدعون الأشخاص الذين يرسمونهم بالشبه الذي تحمله الرسوم. “هذا أنا يوم كنت هناك”، ولأن البشر يتشابهون من جهة قواعد الرسم، فلا بد أن يشبه المرء نفسه حتى وإن لم يكن ذلك حقيقيا.

في مقابل كل ذلك الاضطراب الذي لا يزال قائما حتى اللحظة كان نموذج فنسنت فان غوخ فريدا من نوعه في تاريخ الرسم. رسم الهولندي التائه في آرل الفرنسية خلال أربع سنوات 39 لوحة لوجهه، هي اليوم من روائع الفن التي تحتل مواقع محترمة في المتاحف العالمية. ولكن ما الذي فعله فنسنت سوى أنه رسم وجهه؟ كان لديه رسام ند في تاريخ الرسم هو الباروكي رامبرنت وهو الآخر هولندي. يمكنك أن تقف أمام رسم شخصي لرامبرنت ساعات ولا تشبع متعة. إنها متعة الرسم الخلاق ولكنها متعة تختلف عن تلك المتعة التي يشعر بها المرء وهو يرى فنسنت مرسوما فهي تتعلق بمزاج الألم.

كل لوحة من لوحات فنسنت تمثله بمعنى أن الوجه المرسوم يشبه وجهه، ولكن ليس في كل الأحوال. يمكن للرسام أن يدافع عن خطئه فيقول “كنت هكذا لحظة النظر إلى المرآة التي ساعدتني على نقل صورة وجهي إلى سطح اللوحة”.

من بين اللوحات العظيمة التي تركها فنسنت كانت اللوحات التي تمثل وجهه تقف في المقدمة. هل هي مهمة لأنها حملت توقيعه أم لأنها تمثل هبة استثنائية في تاريخ الرسم؟

بغض النظر عن قيمتها التاريخية فإن درس فنسنت في رسومه الشخصية يعلمنا طريقة حساسة في التعرف على النفس. كانت رسومه مرايا روحية.

16