فنان سوري يشكل منحوتات يتلاقى فيها الفن بالفائدة

دمشق – جذوة الفن لم تنطفئ في وجدان المهندس السوري شفيق الغبرة، ففجرها في منحوتات على الخشب بعد أن بلغ سن التقاعد، حيث أدهش الغبرة زوار معرضه “حوار الخشب والضوء” الذي أقامه في قاعة المركز الثقافي العربي بدمشق من خلال ما يجتمع في فنه من جمال وإفادة على حد السواء، حيث أتت تكويناته النحتية المعدة أساسا من خامة الخشب مزجا فريدا بين الأثر الفني بمفهومه الجمالي العميق والديكور المنزلي الذي يحتاجه أي مسكن: ساعة، كرسي، شجرة الميلاد وغير ذلك.
وشفيق الغبرة، الذي بلغ الستين عاما من عمره، يؤكد أن فكرة البقاء دون نشاط ما، أمر بالغ القسوة عليه، لذلك فكر أن يتوجه لهذا العمل بعد أن تقاعد، ليقوم بنشاط إنساني ما، وهو الذي يرى أن الإنسان ينتهي عندما يصل إلى مرحلة ينعدم فيها نشاطه، وهذا ما لا يمكن له تحمله.
ويقول الغبرة عن معرضه ومنحوتاته “سابقا لم يكن لديّ وقت لممارسة هذه الهواية، فأنا مهندس جيولوجي وبترول، وعملي الميداني كثير، لكنني بعد أن وصلت لسن التقاعد، وجدت أن هنالك متسعا كبيرا من الوقت وجب ملؤه بعمل ما، فصنعت لنفسي ورشة عمل في غرفة على سطح بيتي، أقوم فيها يوميا بالنحت على هذه المواد، صانعا قطعا عديدة”.
مُعترفا “لست فنانا محترفا، أنا مهندس محترف، لكنني في النحت هاو، وما أقدّمه هو تراكمات من مخزون فني قديم وخبرات جمعتها من الحياة، في كل يوم، أتوجه إلى الورشة لأبدأ بالنحت والحفر على خامة الخشب، وأصر دائما على أن أكون وحدي في هذا العمل كونه يحتاج لتركيز عال ومزاج خاص، فأمر وجود أحد معي داخل الورشة قد يسبب لي حالة من الضياع الذهني المتقد، فأعمل وحيدا ولا يأتي أحد إليّ بمن فيهم أولادي”.
وفي عمل الغبرة، جهد كبير ومصاعب في التعامل مع جسم صلب (الخشب)، إضافة إلى عراقيل الحصول على الخامة التي منها يبدع منحوتاته، ويقول عن ذلك “العمل صعب، هذا صحيح، لكنه جميل، أنا أحصل على المواد من البساتين والمزارع، أشتري جذوع الأشجار أو جذورها، وأنقلها إلى ورشتي ثم أقوم بتصميم فكرة الشيء الذي يمكن أن تكونه، وأبدأ التنفيذ فورا، والهدف أولا صناعة شيء مفيد وفق المعايير الجمالية المُتفق عليها، كذلك أسعى من خلال عملي هذا إلى إعادة تدوير الأشياء والاستفادة منها، فكثيرا ما رأيت هذه الأخشاب مرمية في أماكن مهملة بالمزارع، فأقوم بجلبها والعمل عليها”.
وشفيق الغبرة في الأعمال التي ينحتها، يترك للطبيعة مهمة تلوين مُنجزه، إذ لا يتدخل إلاّ قليلا في عملية التلوين باستعماله مادة الريزين الملون، رغبة منه في ترك اللون الطبيعي هو السائد، وهو ما أعطى لونا شبه موحد للمعرض.
واستعمل شفيق الغبرة في عمله أنواعا متعددة من الأخشاب: السنديان، الجوز، التوت، الصنوبر، الكينا وغيرها، وعنها يقول لـ”العرب”، “لكل نوع من الأخشاب خاصيته، لونه، وطريقة التعامل معه، أنا أفضل التعامل مع خشب التوت رغم صلابته، إذ أشعر أنه مطواع بين يدي، ويأخذ تماما الشكل الذي أريد ويوصلني للفكرة التي أراها، ففي شجرة الميلاد مثلا، وهو الأثر الفني الذي أعتز به، استخدمت أكثر من نوع من الخشب، وكانت النتيجة رائعة، بالنهاية الطاقة الإبداعية هي التي توظف المنحوتة في الشكل والهدف المرجو تقديمه، لذلك أقول إن عمل النحت مهم للغاية، لأنه يصنع الفائدة والجمال معا”.