فنان إيطالي يرسم ويكتب من وحي القاهرة

الفنان الإيطالي كارمينيه كارتولانو يقيم معرضا بالقاهرة تحت عنوان "قربوش" وهو تحريف لكلمة طربوش الذي رأى فيه ثيمة معبرة عن عالم مختلف، عالم عايشه هو عن قرب من خلال قراءته لأعمال الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ.
الجمعة 2018/06/01
رسومات خفيفة الظل

القاهرة – يرى الفنان التشكيلي الإيطالي كارمينيه كارتولانو أن أعمال نجيب محفوظ هي أكثر الأعمال تعبيرا عن مصر المعاصرة وتفاصيلها المثيرة.

وكانت ثلاثيته الشهيرة؛ “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية”، هي أكثر الأعمال التي لفتت انتباهه وأثارته بصريا كما يقول لـ”العرب”، فأخذ يرسم أشكالا مستوحاة من هذه الروايات الثلاث على الطربوش، والذي استخدمه كلوحة رسم لعالمه المتخيل الذي أطلق عليه اسم “قربوش”، وهو أيضا عنوان معرضه الفردي الذي يتواصل بقاعة “مشربية” في القاهرة حتى منتصف يونيو القادم.

ويقدم الفنان الإيطالي كارمينيه كارتولانو من خلال هذا العمل الفني معاني مختلفة لتفسير ماضي وحاضر مصر، الطربوش هو قبعة رأس للذكور، أصبحت من بقايا التاريخ، ولكن ماذا عن رموزها الوطنية والسلطة الأبوية التي منحتها؟

يجعلنا الفنان نفكر ما إذا كانت مزايا الطربوش انتهت مع انتهاء موضتها، من خلال إرشادنا داخل مساحات مضطربة، لكن مثيرة للاهتمام، تجتاح الفوضى والاستمرارية كل جزء من قاربوشه.

ومن خلال قراءته لأعمال نجيب محفوظ اختار كارتولانو جملا بعينها رأى أنها تمثل قمة البلاغة اللغوية والأدبية عند الكاتب الراحل، وتعامل مع هذه الجمل والفقرات كمثيرات بصرية وصاغ من وحيها مجموعة من الرسومات التي اتسمت بالكثير من خفة الظل، وشكل كارمينيه تلك الرسومات عن طريق الخيوط الملونة والأصباغ وقصاصات الأوراق والصور.

ويعد هذا المعرض التجربة الفردية الثالثة في العرض الفردي لكارمينيه كارتولانو أو “قارم قارت”، وهو اسمه حسب الصياغة العربية التي اختارها لنفسه.

 كارمينيه كارتولانو يعيد تمثيل ثلاثية الأديب نجيب محفوظ تشكيليا
 كارمينيه كارتولانو يعيد تمثيل ثلاثية الأديب نجيب محفوظ تشكيليا

ويصر كارتولانو على نطق اسمه وكتابته هكذا بالقاف، فهو يرى فيه شيئا من الفخامة، وهو يتحدث العربية بطلاقة لا تخلو من لكنة محببة، فقد درس اللغة العربية في مدينة نابولي وجاء إلى مصر في نهاية التسعينات من القرن الماضي ليكمل دراسته، فاستهوته الحياة في القاهرة، كما يقول، فأقام بها وعمل في تدريس اللغة الإيطالية للمصريين والأجانب المقيمين.

وتتمحور تجربة الفنان البصرية حول الصورة الفوتوغرافية، فقد بدأ اهتمامه بها حين تعاون مع المصور الإيطالي ديرنو ريتشي أثناء إقامته في مصر من خلال معرض مشترك أقاماه في القاهرة عام 2007، ومن يومها لم ينته ولعه بالصورة الفوتوغرافية، كما يقول، ذلك الولع الذي لا يعرف بالضبط متى ينتهي؟ فهو دائم التنقل بين وسائل الإبداع المختلفة بحثا عن الطريقة الأمثل التي يستطيع التعبير بها عن أحاسيسه تجاه العالم.

واعتمد الفنان الإيطالي في البداية على الصورة الفوتوغرافية المباشرة إلى أن بدأ يتعامل مع الصورة كوسيط يمكن التشكيل من خلاله بالحذف والإضافة مستعينا ببرامج الغرافيك، فأخذ يمزج بين صورة وأخرى، ويضيف أحيانا عناصر من صور يعثر عليها في المجلات أو الصحف.

أقام كارتولانو أول معرض فردي له في عام 2011 تحت عنوان “ماذا لو؟” وتضمن بعض الانطباعات عن الأحداث الجارية في مصر وقتها، ثم أعقبه بمعرض آخر بعنوان “إعادة تشغيل” عن تصوراته للحياة في المستقبل.

وقد أثار الانتباه نحوه وقتها حين تناول صورة الرئيس المصري السابق حسني مبارك بأكثر من طريقة، فرسمه مهرجا وشيطانا وقرصانا، لذا فقد قوبلت أعماله بردود أفعال متباينة بين القبول والرفض.

ويرى كارتولانو أن إقامته الطويلة في القاهرة تعطيه شيئا من المشروعية في تناول مثل هذه الموضوعات، فهو حين يفعل ذلك لا يفعله كأجنبي يطل على المشهد من بعيد، بل كفنان يشعر أن مصر هي وطنه الثاني بالفعل.

كارتولانو يوجه النقد للكثير من المظاهر السلبية في حياة الناس
كارتولانو يوجه النقد للكثير من المظاهر السلبية في حياة الناس

ويقول معلقا “في أعمالي عادة ما أقوم بتوجيه النقد للكثير من المظاهر السلبية في حياة الناس، ليس في مصر وحدها، بل في العالم أجمع، وكان الرئيس حسني مبارك، هو أحد تفاصيل المشهد الإنساني كما أراه وأشعر به، هناك من يكرهه، وهناك أيضا من يتعاطف معه.. من يراه شيطانا، ومن يراه لصا أو ملاكا، هي صور مرسومة في أذهان الناس عن هذا الشخص عبرت عنها فقط بطريقتي”.

ولا يتوقف نشاط كارمينيه كارتولانو عند التصوير فقط، بل يتعداه إلى الكتابة الإبداعية والترجمة أيضا من الإيطالية إلى العربية.

أما تجربته في الكتابة الإبداعية فبدأها بكتابه الذي صدر في عام 2012 تحت عنوان “مصريانو”، ثم روايته الأولى “مومو” الصادرة في 2017، وفي “مصريانو”، وهو كتاب أشبه باليوميات، لا ينظر كارمينيه كارتولانو إلى مصر من عدسة السائح أو المستعرب الباحث عن موضوع مرتبط بالفلكلور، بل بعين المحب الذي يهضم ناسها ولغتهم المتجددة الضاحكة داخل خلاط هويتين في حالة تناقض.

وفي الكتاب يعرض كارمينيه حكاياته ومحاوراته اليومية مع سائقي التاكسي، وطلبته في القاهرة، وأصدقائه وجيرانه، كاشفا عن بعض المفاهيم المغلوطة والسلوكيات التي تحكم أحيانا العلاقة بين رجل الشارع العادي وبين الأجانب.

أما رواية “مومو” التي تدور أحداثها بين مصر وإيطاليا، فتجري وقائعها في المستقبل، كما تتجاوز أيضا بضع سنوات من الماضي لتفترض سياقا مختلفا للثورة المصرية، استطاع خلاله الثوار فرض إرادتهم وتحقيق أهدافهم في بناء دولة حرة وعصرية تتمتع بالرخاء الاقتصادي.

17