فنانو التسعينات يفقدون بوصلة جذب الجمهور لدور السينما في مصر

التكرار في فيلم "مرعي البريمو" يكشف سر إخفاق محمد هنيدي ورفاقه.
الخميس 2023/08/10
ممثل يكرر نفسه

كشفت الأفلام المنتجة مؤخرا لنجوم التسعينات من القرن الماضي ومنهم فيلم “مرعي البريمو” للنجم محمد هنيدي الفجوة الكبيرة التي ظهرت بين الفنانين وجمهورهم، ففي حين تغيرت مجريات الحياة وسوق الإنتاج السينمائي ظل النجوم متمسكين بالماضي محاولين تكرار شخصيات وأدوار لم تعد مناسبة لهم بعد تقدمهم في السن، فصارت تنفر الجمهور من متابعتهم وتصديق ما يقدمونه من أعمال.

القاهرة - يواجه نجوم شباك التذاكر في ما عرف بنجوم “سينما التسعينات” في مصر أزمات عديدة بسبب تراجع مستوى أعمالهم السينمائية وفشلهم في جذب الجمهور وتحقيق نجاحات أسوة بما حققوه عند بداية ظهورهم منذ حوالي ثلاثة عقود، ما وضعهم أمام سهام الانتقادات الفنية بشكل مستمر، وينطبق ذلك على الفنان محمد هنيدي الذي بدأ عرض فيلمه الجديد “مرعي البريمو” قبل أيام في دور السينما.

لم يستطع الفنان الكوميدي محمد هنيدي أن يفي بوعده في العودة بشكل مختلف إلى جمهوره عقب تعرضه لانتقادات كبيرة عند تقديمه آخر أفلامه العام الماضي “نبيل الجميل أخصائي تجميل”، وجاء فيلمه الجديد “مرعي البريمو” أقل بكثير من مستوى التوقعات مع اعترافه بوجود مشكلات في الأعمال التي قدمها سابقا.

استعان محمد هنيدي بخلطة فنية متنوعة حقق من خلالها جماهيرية واسعة في عقد نهاية التسعينات من القرن الماضي، وجسدها فيلمه “صعيدي في الجامعة الأميركية”، وأعاد مخرج العمل سعيد حامد إلى السينما بعد غياب 15 عامًا، ومعهما بطلة الفيلم السابق غادة عادل، واستعاد ثيمة الشاب الصعيدي (نسبة إلى سكان جنوب مصر) الذي يقع في مواقف ومشكلات كانت في الماضي من أبرز عوامل نجاح هنيدي، لكنها لم تعد كذلك الآن مع استنزافها في بعض أعماله السنوات الماضية.

وقدم الفنان المصري دور الشاب الصعيدي في فيلمي “همام في أمستردام” و”عسكر في المعسكر”، واعتبر في أحد حواراته الإعلامية أن الرهان على الشخصية الصعيدية دائما ما يكون ناجحًا، لكنه لم يضع في اعتباره أن شرط ذلك توافر نص جيد ومتماسك فنيا وقدرة على تقديم الجديد الذي يتماشى مع طبيعة الشخصية الصعيدية التي أخذت في التطور ولم تعد على نفس الصورة التي جرى تصويرها سابقا.

سردية فنية متكررة

الأمير أباظة: لا يكفي الاعتماد على النجوم لتحقيق نجاح الأفلام
الأمير أباظة: لا يكفي الاعتماد على النجوم لتحقيق نجاح الأفلام

تدور قصة فيلم “مرعي البريمو” حول الشاب مرعي تاجر البطيخ المتزوج من غادة عادل، ويعيش معه والد زوجته الفنان محمد محمود، وجد زوجته الفنان لطفي لبيب، وفجأة تنقلب حياته رأسًا على عقب حينما يكتشف ماضيه وعائلته وأنه هارب من الثأر ولديه أسرة تتكون من شقيقتين وجده الذي ظل محتفظًا بسره ويخفيه عن أهل قريته حتى لا يتعرض للقتل، وعندما يأتمنه على إرث شقيقتيه يواجه العديد من الصعوبات ويضطر إلى السفر إلى أحد المنتجعات السياحية على البحر الأحمر في مهمة غامضة بصحبة زوجته وكل أفراد عائلته.

والفيلم من تأليف إيهاب بليبل، لكن فكرة العمل الرئيسية جاءت من محمد هنيدي وإنتاجه، ويشارك في بطولته أيضا أحمد بدير وعلاء مرسي ومصطفى أبوسريع ومحسن منصور وعلاء زينهم وإنجي علي وأحمد سلطان.

وقالت بعض الانتقادات التي تعرض لها الفيلم إن هنيدي فقد بوصلته الفنية ولم يراع التحولات على مستوى أذواق الأجيال الصاعدة واختلاف ثقافة الجمهور الذي كان مصدر ساعدته في السينما، حيث قدم سلسلة من الأفلام الكوميدية الجذابة، وهو ما يتكرر مع عدد من النجوم الذين صعدوا معه في الفترة نفسها.

قال الناقد الفني الأمير أباظة إن محمد هنيدي يواجه انتقادات وقتية وقد يكون ذلك مغايرا لما يحققه الفيلم من نجاحات جماهيرية حال استطاع أن يجذب الجمهور إليه في الأيام المقبلة، وهو أمر يتكرر مع أعمال فنية عدة، لكن ذلك لا ينفي وجود مشكلات تجعل هنيدي وغيره من نجوم جيله يواجهون مشكلات تتمثل في عدم القدرة على تحقيق نجاحات جماهيرية تتواءم مع ما حدث سابقا، في مقدمتها أزمة الكتابة والتأليف.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن النجوم الذين لديهم جماهيرية يحدث لهم تضخم في الذات الفنية وقد تسيطر على بعضهم عناصر العمل بدءا من فكرة الفيلم الرئيسية والخطوط العريضة في التأليف وحتى التدخل في الأمور الإخراجية، ما يجعل العمل في النهاية مفككًا، وفي هذه الحالة لا يكفي الاعتماد على النجم فقط ليحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا، وقد يسهم في نسبة نجاح لا تتجاوز 30 في المئة.

يستطيع العمل الجيد أن يفرض نفسه من الناحية الجماهيرية أو عبر توافق النقاد على جودته، وهي مسألة تفتقدها بعض الأفلام المصرية، وينعكس ذلك بالتبعية على النجوم الذين ينتظر منهم الجمهور تقديم أعمال تضاهي ما قدموه سابقا، خاصة وأن السينما العائلية في مصر لا تزال قادرة على جذب الجمهور والكثير من أرباب الأسر اعتادوا مشاهدة أفلام جيدة لفنانين ظهروا قبل ربع قرن أو أكثر ويحرصون على التردد على دور العرض حتى الآن.

يواجه الفنان الكوميدي أحمد حلمي انتقادات مماثلة لهنيدي بسبب تراجع مستوى أعماله وإن كان الأول يتسم بعامل إيجابي يكمن في تنوع القضايا التي يقدمها، ولم يحقق فيلم “واحد تاني” الذي عُرض العام الماضي نجاحًا يضاهي ما قدمه مع بداية صعوده في فيلم “عبود على الحدود” في نهاية عقد التسعينات ثم “الناظر”.

القدرة على التمييز

فايزة الهنداوي: بعض الفنانين يفتقدون الذكاء والثقافة للبقاء في المقدمة
فايزة الهنداوي: بعض الفنانين يفتقدون الذكاء والثقافة للبقاء في المقدمة

يتكرر الأمر أيضا مع الفنان أحمد السقا الذي لم يحقق فيلمه الأخير “العنكبوت” نجاحا يتناسب مع الإنتاج السخي، مقارنة بأعمال قدمها في التسعينات وبداية الألفية الجديدة، بينها فيلم “صعيدي في الجامعة الأميركية” و”همام في أمستردام” مع هنيدي، ولعب دور البطولة في “أفريكانو” و”مافيا”.

تبقى مشكلة انعدام القدرة على التمييز بين جمهور الماضي والحاضر واضحة عند الفنان المصري محمد سعد الذي شارك في بطولة مجموعة من الأفلام حققت نجاحاً جماهيريًا، لكنه بدا كأنه فقد خياله الفني بعد ذلك، ومن بين الأعمال التي شارك فيها سعد “الناظر” و”55 إسعاف” في التسعينات، و”اللمبي” عام 2001، لكنه استغرق كثيرا في تقليد ما قدمه من أعمال من خلال شخصية الليمبي الكوميدية.

أوضحت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله أن أزمة نجوم التسعينات تأتي من كونهم يلعبون بنفس الأدوات التي استخدموها منذ أكثر من عقدين، وينتظرون نفس النتائج التي حققوها مع جمهور متقلب، ولا يضع هؤلاء في اعتبارهم أن جمهور الشباب الذي ارتبط بهم وقت صعودهم أصبحوا على مشارف الخمسينات من أعمارهم الآن، واختلفت أمزجتهم ونظرتهم للحياة ولم يعد ممكنًا إضحاكهم وجذبهم إلى دور العرض بالأساليب القديمة.

وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن نجوم التسعينات يتجاهلون صعود أجيال جديدة من الفنانين لهم جمهور واسع، بما فيهم نجوم شاركوا في مسرح مصر ويوجه البعض إليهم انتقادات قاسية، وهؤلاء في مرحلة شبابية أصغر من محمد هنيدي وأبناء جيله من الفنانين ولديهم القدرة على إقناع الجمهور بما يقدمونه من أدوار.

ورأت خيرالله أن المعضلة الأكبر تتمثل في أن نجوم شباك التذاكر في التسعينات يفتقرون للدراسات المستفيضة حول هوية الجمهور الذي يتوجه إليه حاليا، وليس لديهم إدراك بطبيعة الأدوار التي يجب أن يقدموها بعيدا عن تكرار لعب دور الشاب الذي لم يعد مناسبًا لسنهم، ما يجعلهم كمن يقدمون بضاعة قديمة لا تجذب أحدا الآن، والجمهور يدرك أن هؤلاء يسوّقون إليه ما قدموه قبل 25 عاما وأكثر.

الفنان الكوميدي أحمد حلمي يواجه انتقادات مماثلة لمحمد هنيدي بسبب تراجع مستوى أعماله وإن كان الأول يتسم بعامل إيجابي

لعل ما يجعل الانتقادات تتصاعد أن فيلم “مرعي البريمو” ومن قبله أفلام قدمها محمد سعد مثلا استعانت ببعض النكات واللقطات من أفلام قديمة، ويعترف هؤلاء علنًا بأنهم يحاولون إعادة تقديم الماضي مجدداً، ويغيب عنهم أن ذلك يبعث بدليل مباشر للجمهور على معاناتهم من أزمة الإفلاس الفني، وهو ما يأتي بنتائج عكسية غالبا.

ذكرت الناقدة الفنية فايزة الهنداوي لـ”العرب” أن الفنانين المصريين، خاصة جيل التسعينات، منهم من يخشى التغيير، في حين أن التجربة تثبت العكس، وأن العديد من النجوم الذين سبقوهم مثل نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وفريد شوقي استطاعوا تغيير جلودهم وتماشوا مع التحولات التي فرضتها عليهم عوامل السن واختلاف طبيعة الجمهور، وكانت لدى هؤلاء قناعة بأن السينما للجمهور.

ولفتت إلى أن البعض من الفنانين والفنانات يفتقدون إلى قدر من الذكاء المطلوب في اختيار الأدوار ولا يملكون خطة عمل واضحة تساعدهم على البقاء في المقدمة بشكل مستمر، ما يرتبط بثقافة الفنان التي تبدو متراجعة لدى جيل التسعينات، مقارنة بأجيال سابقة كانت لديها من الحنكة والثقافة ما جعلها قادرة على الوصول إلى الجمهور.

وأشار محمد هنيدي في تصريحات إعلامية إلى أنه استعان بغادة عادل بعد سنوات طويلة من العمل معه في فيلم “بلية ودماغه العالية” بحثًا عن تقديم أعمال ذات جودة فنية، واستعان بالمؤلف الموسيقي خالد حماد الذي سبق وقدم معه الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام، وكان له تعاون مع المخرج سعيد حامد.

نجح هنيدي في تكوين ثنائي ناجح مع المخرج سعيد حامد، حيث قدما خلال سنوات قليلة خمسة أفلام، هي “صعيدي في الجامعة الأميركية” عام 1998، و”همام في أمستردام” عام 1999، و”جاءنا البيان التالي” عام 2001، و”صاحب صاحبه” عام 2022، و”يانا يا خالتي” عام 2005. ويسجل “مرعي البريمو” التعاون السادس بينهما على مستوى السينما، وتعاونا معا في مسرحية “ألاباندا” ثم فوازير “أبيض وأسود” للتلفزيون المصري.

14