فنانة جنوب أفريقية تسافر بتراث بلادها إلى العالمية

عشقت الفنانة الجنوب أفريقية إيستر ماهلانغو الألوان، منذ كانت يافعة، فعانقت أناملها الريشة وراحت تطبع فسيفساءها على الأشياء فتحوّلها إلى تحف فنية بديعة، وضربت أول موعد لها مع الشهرة منذ ربع قرن حينما زيّنت بألوانها سيارة أيقونية لـ”بي.إم.دبليو”، فقادها إبداعها إلى التعاون مع شركة السيارات الألمانية المرموقة.
جوهانسبرغ – ريشة الدجاجة بدلا من الفرشاة، هذا ما تستخدمه الفنانة الجنوب أفريقية إيستر ماهلانغو التي تبلغ من العمر 85 عاما، لترسم الخطوط السوداء المستقيمة الخارجية في أعمالها المفاهيمية، بما تحتويه من تصميمات هندسية مأخوذة من البيئة والتراث.
وهذه الجدّة التي تنحدر من مقاطعة مبومالانجا بدأت هواية رسم التصميمات المتنوعة زاهية الألوان والمشرقة، مثلها في ذلك مثل ما تفعله معظم الفتيات اللاتي ينتمين إلى قبيلة نيدبلي، حيث يعدّ الرسم وسيلة لاجتذاب زوج باعتبار أن هذا الفن يعبّر عن شخصية رائعة لزوجة المستقبل.
غير أن هوايتها التي تطوّرت إلى لوحات جدارية ثرية ذات تصميمات بديعة، لم تمنحها الزوج فقط وإنما أكثر من ذلك، فقد طارت شهرتها إلى آفاق بعيدة، وأصبحت لوحاتها تعرض في أفضل المتاحف بالعالم، ويسعى المشاهير من هواة جمع الأعمال الفنية مثل المذيعة الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري إلى اقتناء أعمالها.
من المحلية إلى العالمية
عن تجربتها الفنية الاستثنائية، قالت ماهلانغو “لم أبدأ الرسم لأغراض تجارية، بل لمجرد الحصول على زوج”، وشرحت ضاحكة، وهي تضع كعادتها الدائمة مجموعة من الحلي التقليدية ثقيلة الوزن وقلائد تحتوي على مجموعة من الخرز مشرقة الألوان، أن ثقافة قبيلتها ترى أن البيت الذي تزدان جدرانه برسومات جميلة يشير إلى أن الفتاة التي تسكنه ستصبح زوجة جيدة.
وتعاونت أخيرا الفنانة الجنوب أفريقية مع شركة “بي.إم.دبليو” الألمانية التي تنتج السيارات الفاخرة، وكذلك مع شركة “رولزرويس” البريطانية، لرسم لوحاتها التقليدية التي برعت فيها، ذات التصميمات الهندسية التجريدية التي تنتمي إلى فن نيدبلي الأفريقي على سياراتهما، ولكن رغم النجاح الذي حقّقته على المستوى العالمي، ما زالت ماهلانغو تعيش في واحدة من أكثر المقاطعات فقرا في جنوب أفريقيا، وتقوم حاليا بتدريس فنون قبيلة نيدبلي للأطفال، مؤكّدة أنها لا تريد لثقافتها أن تموت.
وتقول وهي تتحدّث من وراء كمامة مزخرفة بألوان زاهية “تأثّرت حقيقة بجائحة كورونا، ولم يتمكن عدد من تلاميذي من حضور الدروس، وأنا أشعر بالقلق، لأن هذه هي الطريقة التي نعلم بها أطفالنا جذورنا”.
ولم تغيّر الشهرة من ولاء الفنانة الجنوب أفريقية الكبير لتقاليد بيئتها، وظلّت تحملها في لباسها متعدد الألوان وفي مختلف أنواع الحلي، وعن ذلك تقول “فنّي أخذني إلى مختلف مناطق العالم، وجعلني أرى العديد من الأشياء، لكنني سأبقى إيستر ماهلانغو من محافظة مبومالانجا من جنوب أفريقيا”.
وكانت بدايات ماهلانغو الفنية متواضعة، حيث انطلقت ترسم لوحات جدارية على الأكواخ والبيوت الصغيرة، وسرعان ما سافرت أعمالها بعد ذلك إلى عالم الشهرة الرحب لتزيّن نماذجها الهندسية ذات الألوان المتنوعة، كل ما يخطر على البال بدءا من الطائرات وصولا إلى حقائب اليد.
وحظيت أعمالها الفنية بفرصة العرض في مختلف أنحاء العالم، ومن أبرز أماكن عرضها متحف جوجنهايم بمدينة نيويورك ومعهد سميثسونيان الأميركي، ومركز جورج بومبيدو بباريس حيث بدأت فيه أول عرض دولي لها في أواخر الثمانينات من القرن العشرين.
وإلى جانب وينفري -التي رسمت ماهلانغو لوحة جدارية لمدرسة البنات التي أقامتها في جوهانسبرغ- اشترى أعمالها عدد من المشاهير مثل نجوم التمثيل والغناء الأميركيين جون ليجند وأوشر وويل سميث، وأيضا الممثل والمذيع الجنوب أفريقي تريفور نواه.
موجة أفريقية
في أكبر معرض لها أقامته على أرض بلدها، مؤخرا، في قاعة فنون ميلروسي بجوهانسبرغ، تجمّع نجوم المجتمع مقرّين العزم على شراء قطعة من أعمالها الفنية التي يبلغ سعر الواحدة منها عشرة آلاف دولار.
وفي هذا الصدد يقول كريج مارك مدير قاعة ميلروسي “يرى كثيرون أن الوقت الحالي هو زمن الفن الأفريقي”.
ويضيف “ينظر محبو الفنون إلى مجموعاتهم الفنية ويقولون إننا نحتاج إلى فنانين سمر الوجوه، حيث أن ذلك يتيح تنوعا وتمثيلا أوسع نطاقا للمدارس الفنية العالمية”.
ويتابع مارك قائلا إن “أشهر جامعي الأعمال الفنية على مستوى العالم يشترون أعمال ماهلانغو الفنية، وإضافة إلى الكثير من الفنانين زاد الطلب على أعمالها (من قبل غير الفنانين أيضا)”.
وتتّفق مع هذا الرأي روزي روسيك التي أشرفت على معرض ماهلانغو الأخير، وتقول إن “هناك موجات مختلفة من الفن، فقد كانت هناك موجة صينية، والآن هناك موجة أفريقية”.
وتشعر ماهلانغو بالضيق عندما يسألها أحدهم: كيف لا تزال تستطيع، وقد بلغت 85 عاما من العمر، أن تحافظ على ثبات يديها بما فيه الكفاية، لرسم الخطوط السوداء الخارجية لأشكالها التجريدية ذات الألوان الزاهية؟ وتردّ مؤكّدة على أنها لا تستخدم شريطا للتثبيت، ولكنها تستخدم فقط ريشة دجاجة وعينا مبصرة.