فنانات سوريات يحتفين طربا باليوم العالمي للموسيقى

اليوم العالمي للموسيقى نشاط فني ثقافي تتحاور فيه الأمم فيما بينها لكي تكتمل دائرة التعارف وتصبح أكثر حيوية ونضجا، وهي تتشارك في إضفاء جو من الروحانية على الأبعاد الإنسانية الشفيفة. في هذا اليوم يخرج الموسيقيون بأعمالهم لكي يعزفوا في كل الأمكنة وكل الأوقات ويتذوّق الناس هذا الفن المختلف والمتكامل. وسوريا كغيرها من بلدان العالم لم تحد عن هذا التقليد لتشارك في الحدث العالمي بخمسة فرق موسيقية مختلفة.
دمشق - لم يكن وزير الثقافة الفرنسي الأسبق جاك لانج والموسيقي والصحافي الفرنسي موريس فلوريت يعلمان بأنهما سيؤسّسان لفعالية عالمية كبرى باسم اليوم العالمي للموسيقى عندما قاما في الحادي والعشرين من شهر يونيو عام 1982 بتنظيم مهرجان موسيقي في جميع أرجاء فرنسا، هدفه الاحتفاء بالموسيقى وجعلها أكثر حضورا في وجدان الناس.
انطلق الوزير الفرنسي من فكرة أن الموسيقى في كل مكان والحفل في أيّ مكان وقدّم بمساعد صديقه الموسيقي فلوريت جهودا لكي يقدّم الناس معزوفاتهم الموسيقية في كل شوارع فرنسا.
نجحت التجربة وصار لها بعد خارج فرنسا، فبات الحدث عالميا تحتفي به معظم دول العالم، لتقدّم أجواء موسيقية جديدة مشاركة فرنسا احتفاءها السنوي، ثم تطوّر الأمر ليصير مجموعة من المهرجانات الموسيقية التي تعنى بتقديم حالة متلونة من موسيقى الشعوب، فغدت هذه الفعاليات واحات يلتقي فيها المبدعون الموسيقيون ليتعارفوا ويكتسبوا من بعضهم المزيد من الخبرة والمعرفة.
ويهدف اليوم العالمي للموسيقى إلى تحقيق العديد من الأهداف الإنسانية التي تدعو للسلام والتكامل بين أبناء البشر، فتحت شعار “اعزفوا الموسيقى بيوم الموسيقى” الذي يتبناه مفهوم يوم الموسيقى، يتمّ تحقيق أهدافه العليا التي منها خلق حالة من الحوار والتفاعل الحضاري بين مختلف أمم الأرض.
وكذلك يعمل اليوم العالمي للموسيقى على تشجيع وجود المهرجانات والملتقيات الموسيقية التي تعنى بتبادل التجارب والخبرات، كما تظهر فيه الموسيقى الشعبية لكل الدول المشاركة، وبالطبع فإنه يساهم في اكتشاف المواهب الشابة الوافدة التي تتعلم الموسيقى، وخاصة الشعبية منها لكي يستمرّ التراث الموسيقي في الوجود.
لمسات أنثوية
لا تغيب النشاطات الفنية في سوريا عن الاحتفال بهذه المناسبة، ولهذا أعدت مديرية المسارح والموسيقى بسوريا، مهرجانا خاصا تحت عنوان عريض هو “تحيا الموسيقى” تضمن خمس حفلات موسيقية أقيمت في قصر العظم بقلب مدينة دمشق القديمة في الفترة الممتدة بين الـ21 والـ25 من يونيو الجاري. وتضمن المهرجان مشاركة العديد من الفرق الموسيقية مختلفة التوجهات، وذلك تعزيزا لفكرة وجود أوسع قدر ممكن من الموسيقى.
وشاركت في المهرجان فرقة التخت الشرقي النسائي بإشراف العازفة ديمة موازيني التي قدّمت مساهمتها في اليوم الأول. تلتها فرقة جوقة ألوان بإشراف حسام الدين بريمو في اليوم الثاني، وحفل اليوم الثالث بمشاركة فرقة بيت الفنون للتراث بإشراف محمد وأحمد حداد. وخصّص اليوم الرابع لفرقة أوركسترا الموسيقى الشرقية بقيادة نزيه أسعد، وفي آخر أيام المهرجان كان الدور لفرقة أوركسترا دمشق بإشراف محمد زغلول .
البداية كانت مع حفل قدّمته فرقة التخت الشرقي النسائي الذي استعرضت فيه قائدتها ديمة موازيني عبر ساعة من الزمن مجموعة من المعزوفات الآلية، وكذلك الأغاني الطربية الشهيرة التي تابعها جمهور قصر العظم العابق بالأصالة والجمال بشغف.
وفرقة التخت الشرقي النسائي، كما تؤكّد ديمة موازيني المسؤولة عنها وعازفة القانون فيها، تسعى إلى تقديم موسيقى شرقية بلبوس حضاري أنثوي، تتعامل مع مستحدثات العصر بأسلوب موسيقي راق.

المطربة أحلام ديب تغني “بدع الورد” لأسمهان
والفرقة تُتابع مسيرتها التي بدأت في العام 2003 متلمسة طريقها الموسيقي الأنثوي بما يحقّق أهدافها في دعم حضور المرأة السورية في الحياة المجتمعية ككل وليس في المجال الموسيقي فقط، فالفرقة لا يقتصر دورها على الموسيقى فحسب، بل تطلق في برامجها العديد من الرسائل الفنية والحضارية تتعلّق بإعادة تقديم التراث الموسيقي الشرقي بصيغة أنثوية خالصة.
وفي شكل الموسيقى الآلية قدّمت الفرقة عملا موسيقيا تقليديا للمؤلف السوري حسان سكاف، وفي هذا تقول موازيني “الفرقة معنية بتقديم العديد من المقطوعات الموسيقية التي تظهر كفاءة العازفات في التعامل مع الآلات، وهذا ما يدفعنا إلى تقديم العديد من المعزوفات التقليدية لمؤلفين سوريين وعرب”.
وتواصل “نحاول ومن خلال هذه الموسيقى أن نبيّن أهمية تقديم هذا الشكل الفني الراقي بروح أنثوية تحمل خصوصية طروحاتنا الحضارية، فنحن فرقة موسيقية تراثية نسوية، نقدّم فننا بأسلوب نؤكّد فيه على حضور المرأة في تفاصيل حياتنا المجتمعية من خلال الحضور الموسيقي النسوي الذي هو واضح في سوريا عموما، فهناك دائما عازفات ومغنيات ومؤلفات”.
وكان لوجود الموسيقى الآلية حضور لافت في الحفل، فإضافة إلى المقطوعة التي استهل بها الحفل، قدّمت مقطوعة ثانية لديمة موازيني حملت عنوان “صوت امرأة الفارابي” وكذلك قدّمت مقطوعة “أمل” لعطية شرارة من مصر، وكان لحضور هذه الموسيقى التراثية الشرقية في الحفل ألق خاص، فتابعها الجمهور باهتمام كبير وهي تُعزف أمامه بتكنيك مختلف.
تجربة فريدة
كما في برنامجها المعتاد قدّمت الفرقة بالتوازي مع مقطوعاتها الموسيقية الآلية مجموعة من الأغنيات العربية الشهيرة تعاونت فيها مع المغني الشاب ريان جريرة في أول ظهور لموسيقي من الذكور في نشاطاتها، وقدّمت من خلاله مجموعة من الأغاني الطربية على غرار “يا مسافر وحدك” و”كل ده كان ليه” للموسيقار المصري الراحل محمد عبدالوهاب، ثم قدّمت المغنية الشابة أحلام ديب أغنيتي “أوعدك” لسعاد محمد و”بدع الورد” لأسمهان. ليعود جريرة ويختتم الحفل بأغنية “يا مال الشام” من التراث الشامي الأصيل كما غنّاها صباح فخري من تطوير سهيل عرفة.
"الموسيقى في كل مكان والحفل في أي مكان" شعار اليوم العالمي للموسيقى الذي انطلق من فرنسا ليعمّ كل بلدان العالم
وشارك في الحفل المغنيان أحلام ديب وريان جريرة مع عازفات التخت الشرقي النسائي، وهنّ: ديمة موازيني على آلة القانون وهبة عودة على العود ورزان قصار على الكمان وليلى صالح على الكونترباص وخصاب خالد على الرق وميرفت رافع على الدف وراما البرشة على الفيولا.
وتبدو تجربة فرقة التخت النسائي الشرقي متفرّدة من حيث شكل تقديم الموسيقى الشرقية، حيث تطغى فيها الحالة النسوية التي تبدوا أكثر ميلا نحو التأكيد على حضور المرأة في المجتمع، فالهدف ليس موسيقيا فحسب، وهذا ما يذهب بالمشاركات في الفرقة إلى إظهار مهاراتهنّ في العزف وفق أعلى معايير الجودة والإتقان، وبالتالي الظهور على الشكل الأقرب إلى الكمال.
وما يؤكّد نجاح الفرقة في تحقيق هذه المعادلة مشاركتها في العديد من المهرجانات العالمية ممثلة للفن السوري، وذلك في كل من الصين وهولندا وعُمان والإمارات والأردن والبحرين والعراق وألمانيا.