فضائيات ليبيا تعكس حالة الانقسام السياسي

تشظي المشهد الإعلامي يحول دون طي صفحة الحروب والانقسامات.
الثلاثاء 2023/10/31
أجندات مختلفة

تتعدد القنوات التلفزيونية الليبية بتعدد القوى المتصارعة والمواقف المتباينة والأيديولوجيات المتناقضة، وهو ما ينعكس سلبا على الوضع العام في البلاد وعلى مشاريع التوحيد والمصالحة ومحاولات طي صفحة الحروب والانقسامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

طرابلس - أصبحت وسائل الإعلام الليبية أداة رئيسة للأزمة؛ فانعكس ذلك على مصداقيتها في نقل الأخبار وتفسيرها.

ومن العاصمة طرابلس، يمكن للمتابع أن يتوقف عند عدد من القنوات الفضائية من بينها “الوطنية”، وهي وريثة هيئة الإذاعات الليبية التي تحتكر البث الإذاعي والتلفزيوني في العهد السابق ولديها رصيد ثري من التراث المرئي والمسموع سواء للإذاعة الليبية التي عرفت بداية البث في العام 1957 أو التلفزيون الليبي الذي جرى افتتاحه في ديسمبر 1968.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، قرر إعادة تنظيم قناة “ليبيا الوطنية”، بحيث تسمى “شبكة إذاعة وتلفزيون ليبيا الوطنية” وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة وتتبع مجلس الوزراء، على أن تدار الشبكة بمدير عام يصدر بتسميته قرار من مجلس الوزراء.

ونص القرار على دمج قنوات “ليبيا الرسمية” و”الهداية” و”القرآن الكريم” في “شبكة إذاعة وتلفزيون ليبيا الوطنية”، مع نقل العاملين بهذه القنوات بذات أوضاعهم الوظيفية، فيما تؤول أصول وموجودات وعقود التزامات القنوات إلى الشبكة.

وفي أكتوبر 2022، وافق مجلس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة على ضم قنوات “ليبيا الرسمية” و”الهداية” و”القرآن الكريم” و”القناة الأمازيغية” الليبية إلى قناة “ليبيا الوطنية” والإذن للقناة بإطلاق واجهتها الجديدة، وذلك بغرض الحفاظ على الجودة والاستفادة من الميزانية لتغطية الجوانب التقنية والإنتاجية، واستكمالا لجهود الحكومة في دعم وإعادة ترتيب الإعلام الحكومي.

قناة "التناصح" تواصل نشر الكراهية والتحريض على التخريب وسفك الدماء ضد كل من يختلف مع مشروع الإسلام السياسي

وتسعى “ليبيا الوطنية” إلى تجنب خطاب الكراهية في برامجها التي تبث من أغلب مناطق البلاد، وإلى أن تكون منصة وطنية شاملة تحترم الاختلافات في وجهات الرأي، ولكن ذلك لا يمنعها من أن تكون مستهدفة من قبل المتصارعين على مراكز النفوذ بالعاصمة، وذلك بهدف السيطرة على مضامينها وتوجيه خطابها لخدمة هذا الطرف أو ذاك.

وأما “ليبيا الرسمية” فهي بدورها حكومية انطلق بثها من العاصمة الأردنية عمّان في مارس 2014 ثم من طرابلس في أكتوبر 2015 عندما كانت البلاد تواجه تجاذبات سياسية وأيديولوجية حادة وتعاني من تبعات الحرب الأهلية التي دشنتها منظومة “فجر ليبيا” في صيف 2014.

وتعتبر قناة “فبراير” من أبرز المحطات التلفزيونية الموجهة، وقد انطلقت عام 2019 تزامنا مع الهجوم الذي شنته قوات الجيش الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر على المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس، وتعتبر جزءا من “إمبراطورية آل الدبيبة”، وهي تابعة لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، وتعد من القنوات التي تورطت في بث خطاب الكراهية وفق الدراسات والإحصائيات المتخصصة التي أعدتها جهات محلية ودولية. كما أنها توأم قناة “سلام”، والاثنتان كانتا من مشاريع القيادي الإخواني علي الصلابي في سياق الصراع على النفوذ على الساحة الليبية، ولقيتا الدعم المالي الكبير من رجل الأعمال البارز علي الدبيبة، وأشرف على إدارة الإنتاج بهما وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية وليد اللافي.

وتعتبر قناة “ليبيا الحدث” التي تبث برامجها من بنغازي صوت القيادة العامة للجيش، تأسست في العام 2015 وواكبت أهم جولات معركة “الكرامة” في بنغازي ودرنة والجنوب والمنطقة الغربية سواء بالمتابعات الخبرية والمقابلات والملفات المفتوحة أو بالأغاني والأناشيد الحماسية والكليبات، وقد ظهر من خلالها بالخصوص مغني الكرامة رافع العكوكي وعدد من المذيعين المرتبطين عقائديا بالمؤسسة العسكرية.

قناة "ليبيا الأحرار" تنشط حاليا من داخل تركيا وبتمويل قطري، وتحت إدارة الإعلامي سليمان دوغة الذي سعى إلى التواصل مع مختلف الفرقاء

وإذا كانت قناة “ليبيا الحدث” تندرج في إطار مؤسسات الإعلام الموجه، فإن قيادة الجيش أطلقت في العام 2021 قناة “المسار” التي سعت منذ البداية إلى أن تكون جامعة ومفتوحة لمختلف وجهات النظر ما عدا تلك الصادرة عن الجماعات الإرهابية وتيار الإسلام السياسي، وعملت على تحقيق نسبة مشاهدة عالية بالاعتماد على برامجها السياسية والاجتماعية والرياضية وغيرها والمتابعات الخبرية لكافة مناطق البلاد عبر شبكة واسعة من المراسلين، وكذلك على الأعمال الفنية من بينها الجزء الخامس من مسلسل “شط الحرية” الذي حققت به أعلى نسب المشاهدة خلال شهر رمضان الماضي.

و”المسار” تعتبر شقيقة “ليبيا الحدث” ومديرهما واحد، وهو محمود الفرجاني الصحافي القريب من الجنرال خليفة حفتر والمراسل السابق لتلفزيون “العربية” السعودي.

وتتولى قناة “ليبيا المستقبل” التابعة لمجلس النواب  نقل جلساته العامة وتوثيقها ومتابعة أعمال اللجان وبث الأخبار، وتقدم نفسها على أنها “فضائية منوعة، تخضع لإشراف مؤسسة الخدمات الإعلامية بمجلس النواب الليبي كمنصة للإعلام المتزن الهادف الذي يتمتع بالمصداقية ويبتعد عن الإسفاف والتحريض وينبذ ثقافة الكراهية”. وتضيف أنها “تستهدف جميع شرائح وقضايا المجتمع مع مراعاة خصوصية هويته الوطنية وتطلعاته، وتتناول مختلف المواضيع التي تمس الوطن والمواطن برؤية موضوعية ودقيقة ومهنية وطاقم ذي خبرة وكوادر شبابية واعدة”.

تسعى “ليبيا المستقبل” لمراعاة التوازنات السياسية والاجتماعية في البلاد باعتبارها تعبر عن مواقف وخيارات مجلس النواب، والذي يحاول أن يكسب مصداقية بين أغلبية الليبيين، وأن يقدم نفسه على أنه صوت الوحدة في وجه الانقسام الذي تواجهه البلاد منذ العام 2014.

"ليبيا الوطنية" تسعى إلى تجنب خطاب الكراهية في برامجها التي تبث من أغلب مناطق البلاد، وإلى أن تكون منصة وطنية شاملة تحترم الاختلافات في وجهات الرأي

ومن خارج البلاد، تأتي قناة “الوسط WTV” الفضائية وهي تابعة لمؤسسة الوسط الإعلامية، بدأت بثها التجريبي في الرابع والعشرين من ديسمبر 2018، من أستوديوهات “أم.تي.في” في بيروت، وتهتم بعرض الأخبار والبرامج الترفيهية والثقافية والهوية الليبية، فيما بدأت القناة بثها الرسمي على مدار الساعة في السابع عشر من فبراير 2019، بالتزامن مع الذكرى الثامنة لانتفاضة فبراير.

تقوم القناة بمناقشة المواضيع السياسية والاقتصادية، وغيرها من المواضيع الأخرى، وتنشر العادات والتقاليد في دولة ليبيا. وصاحب مؤسسة “الوسط” هو محمود شمّام المعروف كأحد أبرز الليبراليين العرب، بعد أن كان قوميا عربيا واشتراكيا، غادر ليبيا في الثمانينات نتيجة معارضته لنظام العقيد معمر القذافي ولم يرجع إليها منذ ذلك الوقت. شغل عدة مواقع منها مدير تحرير النسخة العربية من مجلة “نيوزويك” والنسخة العربية من مجلة فورين بوليسي، وعضو المجلس الاستشاري للشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وعضو سابق في مجلس إدارة شبكة الجزيرة، وبعد اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير وتشكيل المجلس الوطني الانتقالي عين مسؤولا عن الملف الإعلامي في المجلس، ونظرا لعلاقاته القوية بالديوان الأميري في الدوحة ، فإن شمام كان وراء تأسيس وإطلاق بث قناة “ليبيا الأحرار” في مارس 2011 تحت رعاية شركة “الريان” القطرية، لتكون أبرز صوت للمعارضة المسلحة ضد نظام القذافي في ذلك الوقت، قبل أن يتضح أن الهدف الحقيقي من وراء تأسيسها هو تلميع صورة الإسلام السياسي وترويج مشروع جماعة الإخوان.

في الثاني عشر من يوليو 2014، استقال شمام من منصب رئيس مجلس إدارة القناة، ليطرح بذلك عددا من الأسئلة المهمة والحارقة حول طبيعة القناة والدور التحريضي والتبريري الذي قامت به منذ تأسيسها وحول هدف السلطات القطرية من ورائها، وخاصة بعد تجييشها ضد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 والمؤسسات العسكرية والأمنية المصرية.

قناة "الوسط WTV" الفضائية تناقش المواضيع السياسية والاقتصادية، وغيرها من المواضيع الأخرى، وتنشر العادات والتقاليد في دولة ليبيا

وكانت استقالة شمام مقدمة لاستقالة عدد من مذيعي ومراسلي القناة احتجاجا على تغير سياسة القناة وعدم نقلها جلسات مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، ونقلها للمظاهرات المناوئة له، وتبنيها المطلق لشعارات منظومة “فجر ليبيا” مما فسره البعض انحيازا للتيار الإسلامي الذي تدعمه الحكومة القطرية التي تستضيف القناة في أرضها، كما استقال في نفس اليوم المراسل أحمد اللبيدي، والمصوران عبدالعزيز هاشم، وخالد خميس والمراسلة سيرين العماري.

تنشط قناة “ليبيا الأحرار” حاليا من داخل تركيا وبتمويل قطري، وتحت إدارة الإعلامي سليمان دوغة الذي سعى إلى الانفتاح على رموز الفن والأدب الليبيين وإلى التواصل مع مختلف الفرقاء، ولكن دون أن يتخلى عن جملة ثوابت بالنسبة للقناة، من أبرزها تلميع الإسلام السياسي والتهجم على قيادة الجيش ومجلس النواب وضبط مؤشرات الخط التحريري على مواقف الإعلام الرسمي القطري.

ومن أبرز الفضائيات الليبية المتورطة في نشر خطاب التطرف والكراهية، شبكة “الرائد” التي انطلق بثها لأول مرة في السادس عشر من سبتمبر 2015 من إسطنبول، يرأسها إسماعيل القريتلي، وهو ليبي عضو في تنظيم الإخوان المسلمين، عمل مدير البرامج في قناة الجزيرة سنة 2008، تم إدراجه في قائمة الإرهاب التي أصدرها مجلس النواب الليبي عام 2017، وقناة “التناصح” التي يديرها سهيل الغرياني نجل الصادق الغرياني المفتي المعزول من قبل مجلس النواب والمعتمد من قبل سلطات طرابلس.

وفي يونيو 2016، أدرج مجلس النواب الليبي مؤسسة التناصح وقناتها الفضائية ضمن قائمة الشخصيات والكيانات الإرهابية، والتي تنفذ أجندة قطرية تخريبية في ليبيا، وردا على ذلك أشاد ما يعرف بتنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي” الإرهابي بما وصفه بالموقف الشجاع للمفتي الليبي المعزول الصادق الغرياني من على شاشة قناة “التناصح” الداعم للتنظيم الإرهابي في حربه ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال حفتر.

وإلى حد الآن، تواصل قناة “التناصح” نشر خطاب الكراهية والتحريض على التخريب وسفك الدماء ضد كل من يختلف مع مشروع الإسلام السياسي، وتقود حملات ممنهجة ضد الأنظمة العربية المعتدلة، بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها لعرقلة الحل السياسي وتأجيل الانتخابات وقطع الطريق أمام المصالحة الوطنية.

5