فرنسا تعلق مساعداتها العسكرية لأفريقيا الوسطى الغارقة في مواجهة المتمردين

باريس - قرّرت فرنسا تعليق مساعداتها المالية وتعاونها العسكري مع جمهورية أفريقيا الوسطى التي تواجه حكومتها اتهامات بـ”التواطؤ” في حملة معلومات مضلّلة مدعومة من روسيا لمناهضة باريس، في خطوة من شأنها إضعاف خطط مواجهة المتمرّدين في المستعمرة الفرنسية السابقة.
وأفاد مصدر في وزارة الدفاع الفرنسية، طلب عدم الكشف عن هويته، بأنه “في مناسبات عدّة قطعت سلطات أفريقيا الوسطى تعهّدات لم تحترمها، في المجال السياسي تجاه المعارضة بقدر سلوكها تجاه فرنسا، التي باتت هدفا لحملة تضليل ضخمة”.
وأضاف “في وقت نعتبر فيه الروس مسؤولين عن ذلك، فإن المسؤولين في أفريقيا الوسطى هم في أفضل حال متواطئون في هذه الحملة”.
وعاد خمسة عسكريين فرنسيين يقدّمون استشارات عسكرية لوزارة الدفاع في أفريقيا الوسطى إلى فرنسا في أبريل، فيما تم تعليق التمرينات العسكرية.
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنّ المساعدات المالية الفرنسية البالغة عشرة ملايين يورو “علّقت إلى أجل غير مسمّى”.
ويبرز قرار باريس تعليق المساعدات حجم التنافس بين فرنسا وروسيا في أفريقيا الوسطى، المستعمرة الفرنسية السابقة الفقيرة للغاية، بالإضافة إلى مخاوف باريس حيال حملات التأثير الإلكترونية التي تستهدف تواجدها في أفريقيا.
وفي ديسمبر الماضي، أزال موقع فيسبوك شبكتين من الحسابات المزيّفة مقرّهما روسيا وواحدة مرتبطة بالجيش الفرنسي قال إنها تستخدم في حملات التدخّل في أفريقيا، بما في ذلك في جمهورية أفريقيا الوسطى.
ويأتي القرار الفرنسي بتعليق المساعدات العسكرية في أعقاب قرار مماثل بحق مالي نصّ على تعليق العمليات العسكرية الفرنسية مع الجيش المالي بعد ثاني انقلاب عسكري في هذا البلد في غضون تسعة أشهر.
وتدخّلت القوات الفرنسية في أفريقيا الوسطى بين 2013 و2016 في محاولة لإعادة الهدوء بعد الإطاحة بالرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه في 2013.
وتعزز حضور روسيا في أفريقيا الوسطى بعد تقديم موسكو دعما إضافيا لنظام الرئيس فوستين أرشانج تواديرا في مواجهة متمرّدين أطلقوا هجوما لعرقلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية.
وهذه المجموعات من المتمردين تضمّ ميليشيات “سيليكا” و”آنتي بالاكا” وتتحالف ضد سلطة الرئيس تواديرا، وهي الآن تُسيطر على أكثر من ثلثَي أراضي البلاد.
ومنذ 2018 تحوّلت الحرب إلى نزاع أقل حدة في البلاد إذ تتنافس المجموعات المسلحة للسيطرة على موارد البلاد، خصوصا الألماس والذهب والمعادن وحتى الماشية، بينما ترتكب بانتظام انتهاكات ضد المدنيين.
وبدأت موسكو في 2018 حملة دبلوماسية ومالية في عدة دول أفريقية من بينها هذه المستعمرة الفرنسية السابقة التي تشهد حربا أهلية منذ ثمانية أعوام.
وسلمت روسيا أسلحة لأفريقيا الوسطى خلال العامين الماضيين بعد منحها استثناء من الحظر الأممي على السلاح المفروض على البلد.
وتدعم موسكو بشكل معلن سلطة الرئيس تواديرا ووقعت معه مؤخرا اتفاق تعاون عسكري وفتحت قبلها في عام 2019 مكتبا عسكريا في بانغي يشغله أربعة جنرالات روس.
ومنحت حكومة أفريقيا الوسطى مقابل ذلك الدعم رخصا لاستغلال مناجم ذهب وألماس لشركات روسية.
ويقدر الباحث في مركز الدراسات الدولية بباريس رولان مارشال أن “أفريقيا الوسطى لا تحظى بأهمية كبيرة لدى روسيا”، لكن حضورها “يسمح خاصة بتوجيه ضربة للكبرياء الفرنسي” في إطار الخلافات بين موسكو وباريس على الساحة الدولية، خاصة في سوريا وأوكرانيا.
وانحسر نفوذ فرنسا في أفريقيا الوسطى في الأعوام الماضية، خاصة على المستوى العسكري، مع إعادة نشر قواتها لمكافحة الجهاديين في الساحل.
ويرى مارشال أن روسيا نجحت في ملء الفراغ لأنها “تقدم العديد من المصالح لقادة أفريقيا الوسطى”، فهي “بلد يمكنه تقديم أسلحة لهم، وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولها خبرة في مجالي المناجم والنفط”.
ويقدّر المحلل السابق في الاستخبارات الفرنسية المختص في الشؤون الروسية أرنود كاليكا، أن “ما تبحث عنه موسكو في أفريقيا الوسطى هو تحقيق إنجاز إعلامي يفيدها في سياستها الداخلية”.
ويضيف أنه في الدول الأفريقية “تعرض موسكو اتفاقات أمنية دون ديون مالية، وتشترط مقابلها منح امتيازات لشركات خاصة”.