فرنسا تطارد عمالقة التكنولوجيا ضريبيا

أبدت فرنسا إصرارا كبيرا على ملاحقة عمالقة التكنولوجيا ضريبيا مهما كانت التكاليف عبر حشد جهود العالم للوقوف خلفها رغم معارضة الولايات المتحدة، في خطوة يرى خبراء أنها تأتي في ظل عدم وجود إطار موحد حتى الآن للدخول في هذه المغامرة.
باريس - حرّكت فرنسا مرة أخرى المياه الراكدة لمسألة فرض ضرائب عالمية على شركات التكنولوجيا العملاقة، والتي تعد من أبرز القضايا المثيرة للجدل والعالقة مع الولايات المتحدة منذ نحو ثلاث سنوات.
وتبدي باريس إصرارا كبيرا على أن اتفاقا دوليا هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لخلاف عبر الأطلسي بشأن كيفية فرض الضرائب على شركات الخدمات الرقمية العملاقة.
وكشفت مصادر قريبة من وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير لوكالة الأنباء الألمانية أن اتفاقا من جانب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو “المخرج الوحيد” للنزاع.
وترغب باريس في مواصلة المحادثات الدولية بشأن الضريبة الرقمية في المنظمة، التي هددت واشنطن بالانسحاب منها في يونيو الماضي.
وحثت فرنسا إدارة الرئيس دونالد ترامب العام الماضي إلى تسريع العمل داخل المنظمة من أجل الاتفاق على ضريبة عادلة ومشتركة على عمالقة الإنترنت على المستوى العالمي بهدف تجنب تزايد الضرائب محليا.
وقال لومير في تصريحات صحافية حينها “آمل أن نتمكن من التوصل بحلول 2020 إلى اتفاق في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول فرض ضرائب على الشركات الرقمية الكبرى”.
وأضاف “عندما يتم التوصل إلى اتفاق في المنظمة، سنوقف حينها العمل بضريبتنا الوطنية”.
وتعد فيسبوك الأميركية من أبرز الشركات المستهدفة باعتبار القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي تحظى بها على مستوى العالم إلى جانب عمالقة وادي السيليكون الآخرين والتي من بينها أمازون وأبل وغوغل ومايكروسوفت.
وجاءت تلك التعليقات بعد أن أعلن الممثل التجاري الأميركي، روبرت لايتهايزر الجمعة الماضي عن رسوم عقابية جديدة بنسبة 25 في المئة على عدد من المنتجات الفرنسية، بما في ذلك مستحضرات التجميل وحقائب اليد.
ووفق لايتهايزر لن يتم تطبيق التعريفات لفترة أولية قدرها ستة أشهر، ما يعني أن هناك مجالا للتفاوض بين واشنطن وباريس من أجل التراجع عن ذلك في حال توصل الجانبان إلى توافق على النقاط العالقة.
وقد دخل النبيذ الفرنسي في تقاطع نيران الحروب التجارية المتزايدة، والتي قاسمها المشترك تذمر الإدارة الأميركية من السياسات التجارية لعدد كبير من دول العالم، في ظل عدم استعداد أي منها للرضوخ لإملاءات واشنطن.
وكانت باريس وواشنطن تتجهان إلى نزاع تجاري حول الضريبة على شركات التكنولوجيا إلى أن اتفقتا في يناير الماضي على أن تعلق فرنسا ضريبة جديدة على الشركات حتى ديسمبر لحين التوصل لاتفاق عالمي.
ولكن الولايات المتحدة انسحبت من المحادثات في يونيو الماضي، بشكل مؤقت على الأقل، وهو ما يجعل الأمور تتعقد بين البلدين.
وأصبحت معدلات الضريبة المنخفضة الفعالة التي تدفعها بعض الشركات متعددة الجنسية، وخاصة الشركات الرقمية، قضية مثيرة للجدل بشكل متزايد في الأعوام القليلة الماضية.
ويأتي الإصرار الفرنسي في الوقت الذي تطالب فيه متاجر البيع بالتجزئة والمحلات الكبرى في البلاد إلى اتخاذ مبدأ العدالة الضريبية لحمايتها من أي ضرر محتمل مع تنفيذ قواعد المنافسة النزيهة.
وكان ألكسندر بومبارد، الرئيس التنفيذي لشركة كارفور أس.أس قد طالب مرارا بأن تتساوى منصات التجزئة الإلكترونية مثل علي بابا وأمازون في المعاملات الضريبية مع البقية.
وقال بومبارد “علينا أن ننهي الاختلالات النقدية بين متاجر التجزئة مثلنا والمنصات العالمية الأميركية أو الصينية”.
وأضاف “مع التساوي في المبيعات، نحن نوفر وظائف أكثر 4 مرات من المنصات الإلكترونية، التي تقوم ببيع منتجاتها دون حتى دفع ضريبة القيمة المضافة أو أي ضرائب”. وتابع “لا أطلب معروفا، ولكن أمرا واحدا بسيطا: الإيرادات نفسها، الضرائب نفسها”.
وأطلقت فرنسا في مارس 2019 سباق مطاردة عمالقة تجارة التجزئة الإلكترونية بالإعلان عن خطط لفرض ضرائب بنحو 5 في المئة على مداخيلها السنوية.
وتستهدف الحكومة الفرنسية جمع نحو نصف مليار يورو كحصيلة ضريبية سنوية من عمالقة التجارة الإلكترونية.
وقد مهد تطبيق الضريبة في فرنسا دخول عدد من دول الاتحاد الأوروبي في مقدمتها بريطانيا والنمسا بشكل منفرد لعدم وجود إطار موحد حتى الآن للدخول في هذه المغامرة.
ولكن أيرلندا والدنمارك والسويد عارضت فرض ضريبة بنحو 3 في المئة من رقم معاملات عمالقة التكنولوجيا، كما أن ألمانيا لم تكن راضية على هذه الضريبة وذلك خشية تعرض صناعتها للسيارات لردود انتقامية من الأميركيين.
ويبلغ معدل الضريبة الحالية على عمالقة التكنولوجيا في أوروبا حوالي 9 في المئة، فيما تدفع شركات في قطاعات أخرى ضريبة بنسبة 23 في المئة.
ودافعت باريس بلا نجاح طيلة السنوات الثلاث الأخيرة عن موقفها الرامي إلى اعتماد رسوم ضريبية أوروبية موحدة على عمالقة العالم الرقمي وفي مقدمتها الشركات الأميركية الكبرى.
وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت في مارس 2018، فرض ضريبة على إيرادات شركات التكنولوجيا من أنشطتها في مجالات مثل الإعلانات، في حين لم يتم الاتفاق على شروط هذه الضريبة حتى الآن.
ووفقا للخطة الأوروبية المقترحة، فإن الضرائب ستطبق على أي شركة تتجاوز عائداتها المالية العالمية 750 مليون يورو وتتجاوز مبيعاتها في فرنسا 25 مليون يورو، والتي تمثل نحو 30 شركة.