فرنسا تتحرك لإنقاذ نفوذها في الساحل

ماكرون يجتمع بقادة بوركينا فاسو وتشاد وسط توجس من دخول فاغنر المنطقة.
السبت 2021/11/13
فرنسا تسعى لتحريض قادة المنطقة على رفض الحضور الروسي

دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتحركات جديدة من أجل قطع الطريق أمام دخول مرتزقة فاغنر لمنطقة الساحل والصحراء لمزاحمة نفوذ بلاده هناك في ظل تشبث المجلس العسكري في مالي بإبرام شراكة مع هذه المجموعة الروسية “لمواجهة التهديدات الإرهابية” بعد الانسحاب الجزئي للقوات الفرنسية من المنطقة.

باريس – بعثت القمة التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة مع نظرائه البوركيني روك مارك كريستيان كابوريه والتشادي محمد إدريس ديبي والنيجيري محمد بازوم برسائل مفادها أن باريس بدأت تتحرك لإنقاذ نفوذها في الساحل في ظل المزاحمة الروسية في الساحل الأفريقي.

وجاء عقد هذه القمة على هامش مؤتمر دولي حول ليبيا ومنتدى السلام وفي وقت لم تعد تُخفي فيه باريس توجسها من التنافس الروسي المتصاعد على دول شكلت لعقود مناطق نفوذ فرنسية خالصة.

وفي هذا السياق يتنزل التوتر غير المسبوق بين فرنسا ومستعمرتها القديمة مالي التي قرر فيها المجلس العسكري المنبثق عن انقلاب نُفذ في الأشهر الأخيرة الاستعانة بمرتزقة فاغنر لمواجهة خطر الجهاديين.

التحرك يأتي في وقت أكد فيه وزيرا الخارجية الروسي والمالي على رغبة بلديهما في مواصلة شراكتهما العسكرية

وكانت باريس تعهّدت في يونيو إعادة تنظيم وجودها العسكري في منطقة الساحل، ولاسيّما من خلال إخلاء قواعدها الثلاث في أقصى شمال مالي لتركيز قواتها في منطقتي غاو وميناكا قرب الحدود مع كلّ من النيجر وبوركينا فاسو.

وتنصّ خطة فرنسا على خفض عدد قواتها من خمسة آلاف عسكري حاليا إلى نحو 2500 -3000 بحلول عام 2023.

وتحاول فرنسا الضغط بكل السبل المتاحة لمنع وصول فاغنر إلى مناطق نفوذها في منطقة الساحل والصحراء بما في ذلك استمالة جيران مالي كي يرفضوا الحضور الروسي في منطقتهم.

وبالفعل أطلق مسؤولون في دول جوار مالي تحذيرات من تدخلات أجنبية عسكرية في المنطقة في تلميحات إلى فاغنر، لكن قادة المجلس العسكري في باماكو وموسكو لم يتراجعوا.

والخميس أكّد وزيرا الخارجية الروسي سيرجي لافروف والمالي عبدالله ديوب على رغبة بلديهما في مواصلة شراكتهما العسكرية للتصدّي للمخاطر الإرهابية التي زاد من حدّتها الانسحاب الجزئي للقوات الفرنسية.

وأمام تشبث قادة المجلس العسكري بالاستعانة بفاغنر وروسيا، تبدو فرنسا وكأنها تسعى للتعويل على أوراق أخرى على غرار دفع الدول المجاورة لمالي إلى رفض أي حضور روسي هناك وهو ما بدأ يتبلور فعلا.

وحذر وزير خارجية تشاد شريف محمد زين في وقت سابق من أن أيّ “تدخل خارجي، بغض النظر عن مصدره، يمثل مشكلة خطيرة جدا على استقرار بلدي وأمنه”، وذلك ردا على سؤال حول مجموعة فاغنر، مؤكدا أن كل التدابير ستتخذ “لضمان” حماية تشاد.

ويعتقد مراقبون أن تصريحات الوزير التشادي تأتي في سياق رغبة باريس لتحصين منطقة الساحل والصحراء ضد أيّ تدخلات خارجية تتناقض مع مصالح باريس وتحالفاتها في منطقة تعتبرها ملعبا خاصا لا يجوز لأيّ كان التحرك فيه دون إذنها.

القمة التي عقدها الرئيس الفرنسي جاءت على هامش مؤتمر دولي حول ليبيا
القمة التي عقدها الرئيس الفرنسي جاءت على هامش مؤتمر دولي حول ليبيا

ويشير المراقبون إلى أن محدودية الضغوط التي يمكن أن تمارسها باريس لمنع فاغنر من دخول مالي، والتوسع لاحقا في الساحل والصحراء، يدفعانها إلى تحريض قادة المنطقة الأصليين ليعلنوا معارضتهم وجود مجموعة سبق أن زاحمت مصالح فرنسا في أفريقيا الوسطى.

ويبدو أن رائحة البترول وأخبار اكتشاف المعادن النفيسة كاليورانيوم والذهب في مالي قد دفعتا فاغنر إلى جعلها هدفا تاليا لوجودها في المنطقة بعد ليبيا مستفيدة من الصعوبات التي يمر بها المجلس العسكري الجديد في تحصيل الاعتراف الإقليمي والدولي.

ورغم أن فاغنر تظهر في الصورة كمجموعة أمنية خاصة مثل غيرها من المجموعات الأمنية المعروفة، إلا أن طبيعتها المزدوجة، العسكرية والاقتصادية، ستجعلها أكثر ولاء والتزاما تجاه روسيا، وهذا سر مخاوف فرنسا التي تعتقد أن موسكو هي من تضبط تحرك المجموعة من وراء ستار منذ تدخلها في أوكرانيا وسوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى والآن في مالي.

ويتيح التبرؤ الرسمي الروسي من المجموعة لقادة فاغنر وجنودها التحرك بحرية في غياب الضغوط الدبلوماسية على أنشطتها وكذلك غياب المساءلة القانونية على التهم الموجهة إليها من أكثر من جهة، بينها وزير خارجية تشاد الذي اتهمها بتدريب المقاتلين المعارضين الذين شاركوا في اغتيال الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إتنو في أبريل الماضي.

وعرفت المجموعة بتمركزها في المناطق الاقتصادية الحيوية، ففي ليبيا تمركزت المجموعة في الهلال النفطي، كما دعّمت قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر لكونه قد نجح في ضم حقول النفط المختلفة تحت سلطته. وفي أفريقيا الوسطى سيطرت المجموعة على المناطق المنتجة للمعادن.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها فرنسا قلقها من الدور الذي تلعبه مجموعة فاغنر، فقد سبق أن أبدت انزعاجها من الدور الذي تلعبه المجموعة في دول مثل أفريقيا الوسطى.

5