فرنسا تبحث عن دور في ليبيا للتغطية على خيباتها في دول الساحل

المنفي يشيد بدور فرنسا المحوري في دعم إجراء الانتخابات.
الاثنين 2024/02/12
فرنسا تدرك أن ليبيا بوابة نحو عمق أفريقيا

تصاعدت في الفترة الأخيرة التحركات الإقليمية والدولية في المشهد الليبي، في محاولة لمساعدة ليبيا على الخروج من الأزمة السياسية والأمنية عبر تحقيق توافق بين الفرقاء يفضي إلى استكمال مسار المصالحة الوطنية الشاملة، لكن مراقبين يرون أن تحركات تلك القوى، وأبرزها فرنسا، تعكس صراعا محتدما من أجل التموقع في ليبيا وبسط نفوذها هناك.

طرابلس - تسعى فرنسا للدخول بقوة على خط الأزمة الليبية عبر البحث عن دور في إقناع الفرقاء الأساسيين بالمضي قدما نحو تنظيم الانتخابات خلال العام الجاري، وهو ما أكد عليه مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بول سولير، والسفير الفرنسي في ليبيا مصطفى مهراج، خلال لقائهما مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بحديثهما عن “حرص فرنسا على استمرار الاستقرار في ليبيا ودعمها الكامل لجهود المنفي في معالجة الأزمة السياسية الراهنة بهدف إجراء انتخابات شاملة ونزيهة”.

وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، فقد أشاد المبعوث الفرنسي بدور المنفي في التصدي لحالة الانسداد السياسي، مؤكدا أن باريس “ستقف إلى جانبه في كل خطواته الرامية لضمان مشاركة جميع الأطراف الليبية في الانتخابات المقبلة”. فيما أشاد المنفي “بدور فرنسا المحوري في دعم ليبيا، وتطلعه لمواصلة التنسيق معها بشأن التحضير للانتخابات ودعم الاستقرار في البلاد”.

ويرى مراقبون، أن الجهود الفرنسية تأتي في ظل انتكاسة الدور الأممي في ليبيا، وتأزم الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء بعد أن فقدت باريس تأثيرها التقليدي في عدد من مستعمراتها السابقة، ومنها النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما يمكن تفسيره برغبة الرئيس ماكرون في القيام بدور من داخل الملف الليبي لتعويض جزء من خساراته في الفضاء الافريقي. ويضيف المراقبون، أن فرنسا لا تزال تحاول إيجاد موطئ قدم لها في الساحة الليبية، لاسيما بعد تشكل ملامح خارطة لتقاسم النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي ظل التوافقات الجديدة التي بدأت في الظهور بين تركيا ومصر والتي يبدو أنها ستكون على حساب الدور الفرنسي بالخصوص والأوروبي بصفة عامة.

وقال عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، السبت، إنه من الضروري تعزيز علاقات التعاون مع فرنسا في مختلف المجالات، وذلك للإسراع في تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار. وأشار بعد لقاء مع مبعوث ماكرون  بحضور السفير مهراج  إلى "الجهود التي تصب في سياق تأمين الحدود، خاصة الجنوبية، لمواجهة تهديدات تدفق الهجرة غير النظامية، والإرهاب، والجرائم المنظمة العابرة للحدود، التي تشكل نقطة ذات أهمية للتعاون بين ليبيا وفرنسا".

بول سولير يؤكد دعم فرنسا لتوحيد الجيش والتعاون مع الجهات ذات العلاقة في ليبيا ومدها بالإمكانات اللوجستية
بول سولير يؤكد دعم فرنسا لتوحيد الجيش والتعاون مع الجهات ذات العلاقة في ليبيا ومدها بالإمكانات اللوجستية

وبحسب بيان المجلس الرئاسي، فإن  سولير حمل رسالة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد خلالها "استمرار اهتمام فرنسا بالملف الليبي، والإسهام في معالجة الانسداد السياسي، لضمان تحقيق الاستقرار من أجل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي، ودعم الجهود الرامية لإعادة الإعمار، ولا سيما مناطق الجنوب".

وتطرق الكوني إلى "استمرار العمل من أجل التوصل لتوافق وطني بالتنسيق مع الدول المهتمة بالشأن الليبي، لضمان تحقيق الاستقرار". وأشار إلى حيادية المجلس الرئاسي في هذا الشأن بجهوده في التواصل مع كل الأطراف، لمعالجة الانسداد السياسي. كما لفت إلى ملف المصالحة الوطنية الذي وصل لمراحل متقدمة، باعتباره "أحد الملفات الرئيسة التي تسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي".

ورأى المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي أن "الملف الليبي من أول اهتمامات بلاده التي تسعى جاهدة لمساعدة ليبيا في معالجة الانسداد السياسي بالتواصل مع الأطراف السياسية، لتحقيق الاستقرار والوصول للانتخابات"، لافتا إلى استمرار التشاور مع الدول المهتمة بالشأن الليبي، والتعاون مع الأطراف السياسية من أجل التوصل لاتفاقات ملموسة تفضى لإجراء انتخابات يرضى بنتائجها المشاركون فيها.

وأكد سولير "دعم بلاده الجهود المبذولة لتوحيد الجيش، والحد من الهجرة غير النظامية ومكافحة الجريمة العابرة للحدود، واستعداد فرنسا للتعاون مع الجهات ذات العلاقة في ليبيا، ومدها بالإمكانات اللوجستية التي تمكنها من أداء المهام الموكلة لها بتأمين الحدود". وترتبط باريس بعلاقات خاصة مع الكوني الذي يمثل إقليم فزان الجنوبي في المجلس الرئاسي، وينحدر من طوارق ليبيا الذين يتميزون بعلاقات وطيدة مع أبناء جلدتهم في النيجر ومالي وبوركينا فاسو بالإضافة إلى الجزائر.

وكان قد تم تعيين بول سولير كمبعوث للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ليبيا في العام 2021، ويوصف بأنه رجل ماكرون، ويعد المتخصص الأول في القضية الليبية لدى الإليزيه، حيث كان له دور بارز في رسم إستراتيجية بلاده بالمنطقة التي تعد من ضمن أمنها الحيوي في حوض البحر الأبيض المتوسط.

في الأثناء، كشف موقع "أفريكا انتليجينس"، أن فرنسا تقود سلسلة من المشاورات الموسعة لمحاولة إيجاد حل لإخراج ليبيا من الوضع السياسي الراهن، مشيرا إلى أن المبعوث الخاص للرئيس ماكرون أجرى سلسلة زيارات وعقد عدة لقاءات عرض خلالها خطة جديدة لإنهاء الأزمة في ليبيا منذ فشل تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021.

وأوضح الموقع أن هذه المشاورات التي شملت عددا من القوى السياسية الليبية الفاعلة تهدف إلى إعادة إطلاق عملية تنظيم الانتخابات، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول نجاعة المبادرة في الظرف الحالي مع عجز الأمم المتحدة على تنفيذ المبادرة التي أطلقها رئيس بعثتها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي.

وعقد المبعوث الفرنسي لقاءات مع عدد من السياسيين من بينهم ، وزير الصحة السابق في المجلس الوطني الانتقالي ناجي بركات، والمرشح لانتخابات 2021 المستشار محمد خالد غويل، ونائب وزير التخطيط السابق بعهد معمر القذافي، فوزي عبدالعال، إلى جانب نائب وزير الإعلام السابق في المجلس الوطني الانتقالي خالد نجم. ووفق تسريب الموقع الفرنسي، فإن هدف فرنسا جمع الأطراف في 3 مسارات، اجتماعي واقتصادي، ومن ثم سياسي على مراحل، بهدف الوصول إلى نقطة التقاء تجمعهم لإنهاء الأزمة الراهنة.

وبحسب الخارجية الفرنسية، فإن عمل بلادها في ليبيا يندرج في إطار الوساطة الأممية ونتائج مؤتمر برلين التي تحدد 4 مجالات ذات الأولوية ألا وهي: توحيد المؤسسات السياسية، ووقف دائم لإطلاق النار، يشمل تفكيك الجماعات المسلحة غير الشرعية، والشفافية المالية التي تشمل إدارة إيرادات النفط، والمساءلة عن انتهاكات القانون الإنساني.

وتضطلع فرنسا في هذا السياق بسلسلة من البرامج الرامية إلى تعزيز الإدارات المركزية والمحلية والمؤسسات الأمنية، والجمارك، والهيئات المعنية بالتراث، والجامعات، وتعزيز المجتمع المدني، والمساهمة في تدريب فئة الشباب وتوظيفهم، وهو ما يشمل ثنيهم عن الانخراط في نظام الميليشيات، وضمان تمكين المرأة. وتشمل هذه الأنشطة في ليبيا تبادل الخبرات بغية تعزيز توفير الخدمات للمواطنين وتنويع الاقتصاد وسيادة القانون. وتنظم منذ عام 2016 دورات تدريبية ينتفع بها المدراء التنفيذيون والخبراء الليبيون في مجالات المصارف والاقتصاد والتراث، وينتفع بها كذلك القضاة والصحفيون.

◙ الحراك الفرنسي الحالي في ليبيا يتميز بشموليته حيث يسعى للتواصل مع مختلف الأطراف السياسية من قيادات حكومية وحزبية ومنظمات المجتمع المدني

وقد تطرق السفير الفرنسي مصطفى مهراج مع رئيس مجلس الدولة محمد تكالة، إلى دور فرنسا في التقريب بين الأطراف الليبية، وسبل التسوية وصولا إلى التوافق لإجراء الانتخابات، وأعرب عن دعم بلاده للمسار الديمقراطي في ليبيا وتحقيق توافق بين جميع الأطراف الليبية للسير بالبلاد لانتخابات تحقق طموحات الليبيين. كما انتقل السفير الفرنسي لدى ليبيا إلى بنغازي، حيث كان له لقاء مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح  لمناقشة "المجهودات المبذولة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

وقال رئيس البعثة الأممية عبدالله باتيلي، إنه اتفق مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي بول سولير، والسفير الفرنسي مصطفى مهراج، على ضرورة اضطلاع شركاء ليبيا الإقليميين والدوليين بمسؤوليتهم في تيسير التوصل إلى حل مستدام ينهي الوضع القائم، ويحصن ليبيا من الانزلاق مجددا، نحو صراع طويل الأمد، قد يعرض سلامة أراضي ليبيا لخطر جسيم.

وأضاف عبر منصة (إكس) إنّه ناقش اليوم مع سولير ومهراج الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا، وسبل دعم الليبيين من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي يفضي إلى توحيد المؤسسات، ويمهد الطريق لإجراء الانتخابات. والأسبوع الماضي، اعتبر باتيلي أن الانقسامات المستمرة بين القادة السياسيين أصبحت تشكل عقبة إضافية أمام توحيد المؤسسات الليبية.

وقال خلال مشاركته في اجتماع لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا، أن العملية السياسية والمصالحة الوطنية يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب من أجل تحقيق سلام واستقرار مستدامين في ليبيا، داعيا القادة الليبيين إلى اعتماد مقاربة منهجية وتوافقية بشأن عملية المصالحة كما جدد التعبير عن مناشدته للاتحاد الأفريقي بتشكيل فريق خبراء في ليبيا لدعم العملية، وشجع جميع الشركاء الإقليميين على تجديد دعمهم لمسار المصالحة الوطنية في ليبيا.

ويتميز الحراك الفرنسي الحالي في ليبيا بشموليته، حيث يسعى إلى التواصل مع مختلف الأطراف السياسية من قيادات حكومية وحزبية ومن منظمات المجتمع المدني ومن الشخصيات الوطنية السياسية والاجتماعية والأكاديمية والثقافية، بالإضافة إلى القيادات العسكرية، وذلك تحت راية التوافق مع المجلس الرئاسي للبحث عن مسار جديد للحل السياسي بعد 13 عاما من الصراع المتفاقم في البلاد.

4