فرص ضئيلة للولايات المتحدة في التصدي للتقارب العربي مع الأسد

تواصل الدول العربية مع دمشق يحرج المعارضة السورية ويغلق الطريق أمام الإدارة الأميركية.
الأحد 2021/05/16
استدارة عربية نحو الأسد

واشنطن - تشي كل المعطيات الحالية بأن الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها وقف التقارب العربي مع نظام الرئيس بشار الأسد، خاصة في ظل ابتعاد الأزمة السورية عن دائرة اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن.

ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض لم يذكُر بايدن سوريا في أي خطاب رسمي له، علاوة على عدم تضمن البيان الرسمي الأول للاجتماع الوزاري لمجموعة السبع في لندن الأسبوع الماضي أي انتقاد اعتاد مسؤولو إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب توجيهه بصورة روتينية في ما يتعلق بتطبيع الأنظمة العربية مع نظام الأسد.

ويقول كمال علام المحلل العسكري السوري وزميل الشؤون السورية بمعهد “ستيت كرافت” بمنطقة فايف بأسكتلندا، في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال أنتريست” الأميركية إنه “بالمثل، فإنه رغم النداءات المعتادة من جانب المعارضة السورية للدول العربية بعدم التواصل مع بشار الأسد، حدث العكس؛ فهناك زيادة بطيئة، ولكن منتظمة، في تواصل الدول العربية مع دمشق وحتى مساعدتها بشكل نشط”.

وكانت دولة الإمارات قد انتقدت علانية وبقوة قانون قيصر الأميركي المعني بحماية المدنيين في سوريا، وأصدرت بيانا ذكرت فيه أن القانون لا يساعد الجهد الإقليمي لدعم سوريا. 

وأضاف علام أنه “حتى الصحافي السوري إبراهيم حميدي المقيم في لندن، والذي يتمتع بمسار داخلي مع معظم المسؤولين الغربيين الذين يتعاملون مع سوريا، كتب يقول: إن الفرنسيين ذهبوا إلى حد ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لاستبعاد أي إدانة علنية للتقارب العربي مع الأسد”، موضحا “إذا: ما هي الأسباب وراء عدم قدرة الولايات المتحدة على ممارسة المزيد من الضغط بخلاف عدم اهتمام بايدن؟ إن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في لبنان، والعراق، وحتى الصراع الأخير في القوقاز”.

ويشدد علام على أن السعودية تدرك تماما أهمية الاستقرار في لبنان وسوريا، مشيرا إلى أنه “من المعروف تاريخيا أن للسعودية دورا في الحفاظ على استقلالية الدولتين، وعندما تولى حافظ الأسد الرئاسة في سوريا، حبذت المملكة سياسات سوريا في لبنان. وبعد خروج إسرائيل من لبنان في عام 2000 طرحت السعودية خلافاتها مع دمشق جانبا وتعاونت مع بشار الأسد، كما كانت قد فعلت مع والده. وأكد رجل الاقتصاد السوري عامر الحسين الدعم الرئيسي الذي قدمته السعودية للنظام المصرفي والاقتصاد السوري رغم الخلافات السياسية بعد عام 2005، ولا يزال هناك الكثير من البنوك السعودية التي تعمل في سوريا، كما أن هناك سوريين يعيشون في السعودية ويساهمون في اقتصاد بلادهم”.

كمال علام: هناك زيادة منتظمة في تواصل الدول العربية مع دمشق

وكتب باسم الشاب، وهو وزير لبناني سابق ومستشار مقرب من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري عن قيام سوريا بتعزيز دورها في السياسة اللبنانية، والذي شمل أيضا دعم الجماعات التي تساند سوريا وليس أجندة إيران في لبنان. وأشار تقييم لوزارة الخارجية الأميركية العام الماضي إلى أن هناك دلائل على أن دمشق تستعيد مكانتها البارزة في السياسة اللبنانية.

ويرى مراقبون أن السعودية تُدرك أنها لكي تتوازن مع إيران في لبنان والعراق، فهي تحتاج إلى الدعم السوري.

وكان الباحث الأميركي باراك بافري كتب في تقرير نشرته “ناشيونال أنتريست” في وقت سابق عن الخلافات الواضحة بين سوريا وإيران عندما يتعلق الأمر بالأمور الإقليمية، رغم الشراكة الأمنية القوية تماما بين الدولتين.

وأفاد علام أنه كتب في وقت سابق أن سوريا لا تتبع إيران بصورة عمياء؛ وفي حقيقة الأمر، تدعم سوريا دائما في العراق ولبنان الجماعات المعارضة لطموحات طهران.

وقال عبدالحليم خدام وزير الخارجية والنائب السابق للرئيس في سوريا في مذكراته التي صدرت مؤخرا، “إن السوريين كانوا يهاجمون حلفاء إيران عندما يرون ذلك ضروريا. ويمكن القول إن دمشق كانت تسعى دائما للتأكد من عدم خضوع لبنان تماما للسيطرة الإيرانية. وربما هناك رغبة في أن يكون هذا هو الحال أيضا الآن حيث يرى الكثيرون في لبنان والولايات المتحدة أن هناك عودة للنفوذ السوري في لبنان”.

ويعتقد علام أنه لم يكن لدى إدارة ترامب الكثير من الوسائل للتأثير على السياسة في سوريا أكثر من فرض العقوبات. 

وحتى الآن لم يعين بايدن مبعوثا لسوريا، ولا يزال يعيد النظر في خياراته. وقد شهد لبنان على الدوام تغيرات مختلفة في ميزان القوة، لكن سوريا، سواء كانت قوية أو ضعيفة، تعتبر دائما عنصرا طبيعيا في هذا التوازن، وهو ما يحدث الآن حيث يتحدث الكثير من السياسيين اللبنانيين عن عودة النفوذ السوري في لبنان. والكثير من الدول العربية تفضل سوريا على إيران.

وفي وقت سابق، أوقفت السعودية والإمارات تهديدا أميركيا للأسد بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين. ومرة أخرى تدعم الدولتان سوريا بقوة. 

وبوسع سوريا أن تتطلع إلى اليونان وأرمينيا؛ حيث لا تزال الصلة التاريخية معهما قوية، فقد وفرت سوريا المأوى لليونانيين والأرمن الذين تم طردهم من الأراضي العثمانية. وتعزز محاولات دمشق التصدي للطموحات التركية في المنطقة هذه العلاقات، التي سوف تكمل التحالف الأمني الأخير بين الدول العربية واليونان وفقا لمراقبين.

وفي ختام تقريره، يلفت علام إلى أن وسائل الإعلام الرسمية التركية تنتقد بشدة هذا الأمر ولكن ليس بوسعها عمل الكثير، حيث إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه بدأ يتراجع ويحاول إصلاح العلاقات مع مصر والسعودية.

3