"فرصة ثانية".. دراما مغربية تنقد الهوس بالثراء السريع وأكاذيب السوشيال ميديا

الشريط التلفزيوني يعيد تشكيل مفهوم القناعة كأساس للعيش الكريم.
الثلاثاء 2025/04/08
تصوير نفسي معقد للمجتمع

تحاول الأعمال الدرامية أخذ مكانها في مواجهة الظواهر السلبية في المجتمع من خلال المعاينة والكشف وإبراز الخلل، إذ تمثل مسائل هامة لصناعة الوعي، وهو ما يراهن عليه العديد من صناع الدراما اليوم في المغرب بالابتعاد عن الإثارة لغاية الإثارة، ولعل الشريط التلفزيوني “فرصة ثانية” مثال على ذلك.

الرباط - تدور أحداث شريط “فرصة ثانية” للمخرج المغربي هشام الجباري حول سعاد، ربة منزل تبلغ من العمر 24 سنة، متزوجة من عادل، نادل في مقهى متواضع، تعيش حياة مليئة بالملل والإحباط بسبب بساطة زوجها وانعدام طموحه، بينما تحلم هي بالثراء والرفاهية مستلهمة من اليوتيوبر أمل، فتقرر سعاد شراء تذاكر يانصيب سرا، وتفوز بمبلغ 500 مليون سنتيم، فتبدأ بالتخطيط لحياة جديدة دون عادل، لكن محاولاتها للتخلص منه تفشل حتى يكتشف عادل خطتها ويطلب الطلاق، لتنطلق سعاد في رحلة إنفاق مفرط بحثا عن السعادة.

العمل من سيناريو بسمة الهجري وبطولة كل من فاطمة الزهراء لحرش والزبير هلال وزهور زريق، وهاجر بوزاويت.

الهوس بالثراء

يكشف الشريط التلفزيوني “فرصة ثانية” ثغرات النفس البشرية المتأثرة بالطمع والهوس بالمظاهر الزائفة التي تروجها السوشيال ميديا، من خلال شخصية سعاد، الشابة التي تتحول من حياة رتيبة إلى مطامع لا حدود لها بعد فوزها باليانصيب، فتضعنا هذه المشاهد أمام مرآة توضح كيف يمكن للمال أن يفسد القيم ويحول الإنسان إلى كائن أناني يتخلى عن أقرب الناس إليه، فهذا التصور النفسي المعقد يجعل شريط “فرصة ثانية”  دراسة اجتماعية حادة.

ويبرز تكوين اللقطات قيمة الأصالة والثبات من خلال شخصية عادل الزوج البسيط الذي يرفض الانجراف وراء مطامع زوجته، رغم افتقاره للطموح من وجهة نظر سعاد، فإن قراره بالطلاق بعد اكتشاف خداعها يبين كرامة ومبادئ راسخة، ليؤكد رسالة مفادها أن أبناء الأصول لا يتغيرون مهما تبدلت الظروف، وهذا التباين بين عادل وسعاد يؤكد فكرة أن التربية الجيدة هي ما يصنع الإنسان، وليس المال أو الشهرة.

بسمة الهجري: المرض بالمال يفسد قيم المجتمع ويحول الأحلام إلى أوهام
بسمة الهجري: المرض بالمال يفسد قيم المجتمع ويحول الأحلام إلى أوهام

وتنتقد حبكة السيناريو الهوس المنتشر في المجتمع المغربي، خاصة بين النساء، بالثراء السريع والرفاهية على حساب الأخلاق، فسعاد التي تحلم بحياة اليوتيوبر أمل وتسعى لتقليدها دون امتلاك المهارات، تجسد هذا المرض الاجتماعي الذي يدفع الأفراد إلى التضحية بالعائلة والمبادئ من أجل وهم النجاح، فالنهاية تحمل خلاصة الرجوع إلى الأصل فضيلة، وتتركنا نتساءل عما إذا كان المال سيمنحها السعادة، وهو نقد ضمني لثقافة الاستهلاك السطحي.

ويؤكد الشريط على أولوية العائلة والمحبة على الماديات، وهي رسالة تتجلى في تحول العلاقة بين سعاد وعادل، بينما محاولات سعاد للتخلص من زوجها وفشلها في ذلك، ثم قرار عادل بالرحيل، تظهر أن الزواج لا يمكن أن يستمر بالمطامع، بل بالمودة والرحمة، وهذا التركيز على القيم الإنسانية يجعل العمل ذا بعد أخلاقي قوي في السرد الدرامي.

ويتميز الأداء التمثيلي في الشريط بجودة عالية تضيف إلى مصداقيته، فالفنان الكوميدي زوبير هلال يقدم دورا دراميا متميزا في شخصية عادل، إذ يجمع بين الرصانة في تشخيص دراما تختلف عن أصله الكوميدي، بينما تتألق فاطمة الزهراء لحرش في تجسيد سعاد كشخصية مهووسة بالثراء مع لمسة من السذاجة، وهذا التناغم بين الممثلين يحفز من تأثير القصة ويجعل الشخصيات قريبة من الواقع.

يظهر الإخراج والتصوير كعنصرين داعمين للسرد، إذ يبرع هشام الجباري في استخدام اللقطات القريبة والقريبة جدا الخاصة بالعمل الدرامي التلفزيوني لتقريب انفعالات وملامح الشخصيات، بينما تضيف إدارة التصوير لوليد المحرزي العلوي جمالية بصرية تتماشى مع السياق التلفزيوني، لكن مشهد الشجار حول التحرش يبدو نقطة ضعف، إذ بدا مفتعلا ومبالغا فيه مع آثار الدم، وكان يمكن حذفه أو معالجته بحركية أكثر واقعية للحفاظ على الانسجام، يقال إن المشهد الذي تحذفه ولا يؤثر في مسار السرد يمكن الاستغناء عنه.

هشام الجباري هو مخرج ومنتج أفلام وكاتب سيناريو مغربي، اشتهر بإخراج العديد من الأفلام والمسلسلات المغربية التي لاقت إعجاب الجمهور. من بين أفلامه البارزة “الزبير وجلول”، “ظلال الموت”، “الذئاب لا تنام”، “دموع إبليس”، “خفة الرجل”، “آلو ابتسام”، و”قلبي بغاه”. كما قدم مجموعة متنوعة من المسلسلات الناجحة مثل “دار الورثة”، “عش البنات”، “البخيل والمسراف”، “ناس وناس”، “بنت الناس”، “فالصالون”، “سلمات أبو البنات” بأجزائه المتعددة، وغيرها. ولم تقتصر إبداعاته على الشاشة فقط، بل امتدت إلى المسرح حيث قدم أعمالا مثل “الدق والسكات”، “درهم الحلال”، “ميعادنا العشا”، “سعد البنات”، “دير مزية”، “طالب راغب”، و”ضربنا التران”.

الإخراج والكتابة

التناقض خلق سردا مشحونا دراميا بين زوج قنوع ومتواضع وزوجة تطمح إلى الإثراء وعيش حياة الأغنياء
التناقض خلق سردا مشحونا دراميا بين زوج قنوع ومتواضع وزوجة تطمح إلى الإثراء وعيش حياة الأغنياء

حصل الجباري على عدة جوائز تقديرا لموهبته، منها جائزة الشاشة الذهبية في مهرجان الشاشات السوداء بياوندي في الكاميرون عن فيلم “دموع إبليس”، وجائزتا أحسن إخراج وأحسن فيلم درامي عن فيلم “الذئاب لا تنام” في مهرجان مكناس، بالإضافة إلى جائزة أحسن فيلم درامي لنفس الفيلم في القاهرة.

وأصبح الركض وراء الشهرة والثراء السريع سمة بارزة في عصرنا الحديث، إذ يسعى الكثيرون لتحقيق النجاح المادي بأي وسيلة ممكنة، سواء من خلال المراهنة على اليانصيب أو صناعة محتوى تافه يفتقر إلى القيمة الحقيقية، بهدف جني الأرباح السريعة، وهذا التوجه أسهم في تفكيك الأسر وتفشي أمراض العصر، مثل القلق والاكتئاب والشعور بالنقص، نتيجة المقارنة المستمرة التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي.

وتروج وسائل التواصل لصورة مزيفة عن السعادة، تجعلها مرهونة بامتلاك الملابس الفاخرة والفيلات الفخمة والسيارات الباهظة، وهذا يغذي التخلف الاجتماعي والصراع الطبقي بين أفراد المجتمع، بينما الحقيقة تظل أن السعادة الحقيقية لا تكمن في هذا الزيف، وإنما في العفة والقناعة وراحة البال، وفي الابتعاد عن الحسد والنظر إلى ما في أيدي الآخرين، وفي هذا السياق، تقول السيناريست المغربية بسمة الهجري في فيلمها “فرصة ثانية”، “إن الحياة لا تحتاج إلى مطاردة وهمية للمظاهر، بل إلى وعي يعيد للإنسان توازنه ويمنحه فرصة ليعيش بسلام داخلي بعيدا عن ضغوط الصورة المزيفة.”

وتضيف حول كتابة قصة “فرصة ثانية”، وكيف جاءت فكرة شخصية سعاد التي تتأرجح بين الطموح المشروع والهوس بالمظاهر قائلة “صراحة، كانت هذه أول تجربة لي في كتابة فيلم تلفزيوني، وقد اخترت موضوعا عصريا يناسب جميع الشرائح الاجتماعية، إذ ركزت على شخصيتين رئيسيتين، وهما زوجان يعيشان حياة متناقضة تفاقمت بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وأردت من خلال العمل أن أنبه المجتمع الذي ينجرف وراء ‘البوز’ (الظهور المزيف)، وشخصية سعاد تمثل هذا النوع الساذج الذي تأثر بالطمع، فدمرت زواجها بنفسها، وكانت تعيش حياة زوجية مستقرة وسعيدة، لكن سعيها وراء الإثراء السريع والمظاهر أدى إلى طلاقها وسجنها.”

وتضيف حول كيفية بناء هذا التباين لخدمة الرسالة الاجتماعية للعمل موضحة “صحيح، تعمدت إدراج هذا التناقض لخلق سرد مشحون دراميا بين زوج قنوع ومتواضع وزوجة تطمح إلى الإثراء وعيش حياة الأغنياء، ففي البداية استلهمت القصة من واقعة حقيقية عن زوج يربح اليانصيب ويرفض مشاركة زوجته، لكنني وجدتها نمطية، فقررت قلب الأدوار، حيث أصبحت الزوجة هي من تربح اليانصيب وتخفي ذلك عن زوجها.”

وفي حديثها حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص شخصية أمل اليوتيوبر، في تشكيل أحلام الشباب وتطلعاتهم في المجتمع المغربي اليوم، تقول متأسفة “إنها كارثة كبيرة حقا، لأن المجتمع المغربي لا يتعامل معها بنضج أو بإيجابية، بينما المفترض أن تقربنا وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها اليوم تبعدنا أكثر فأكثر، إضافة إلى ذلك فصناعة المحتوى التافه والهوس بالمظاهر أصبحا عقدة في المجتمع المغربي، ويسبب متاعب نفسية ومادية للناس، ويجعل الإنسان يعيش في تعاسة دائمة.”

pp

وتضيف “بينما أدركت أن العمل سيعرض على قناة مغربية ويتناول ثقافة مغربية، إذ يعتبر اليانصيب في ثقافتنا محرما وغالبا ما يرتبط بنتائج سلبية، ولم أرد أن أجعل الفوز باليانصيب يحقق السعادة، وإنما أردت إبراز أن السعادة تكمن في القناعة والاستقرار وراحة البال والصحة، فعندما يركض الإنسان وراء الطمع والمال والشهرة، يفقد راحته ويتعرض للنكسات. فالمال لا يصنع السعادة دائما، بل وظيفته تتعلق بتلبية الحاجات، وهذه الحاجات مرتبطة بتحقيق الراحة والقناعة.”

ويكمن الهوس في السعي للغنى بأي وسيلة، إذ ترتبط السعادة بأمور مادية مثل السيارات الفاخرة والفيلات والملابس الباهظة، وللأسف هذا التوجه لا يزال قائما في المجتمع المغربي، خاصة بين النساء، لأن أغلبهن ربات بيوت أو بدون عمل، وقلة فقط منهن يعملن، وهذا يجعل الركض وراء الثروة والشهرة هاجسا يهدد استقرار الأسرة.

وتكشف بسمة الهجري حول آخر أعمالها موضحة “هناك أعمال في طور الكتابة ستكون جاهزة بحلول الصيف، وهي مسلسل سيعرض على القناة الأولى، ويتناول جريمة درامية في إطار مسلسل من 30 حلقة.”

وتعتبر بسمة الهجري جديدة في كتابة السيناريو، فهي صحافية مغربية تخرجت من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، وعملت في منابر إعلامية باللغة الفرنسية مثل مجلة “تيل كيل”، وشغلت منصب نائبة رئيس التحرير في الأخبار بالقناة الثانية، كما كانت مسؤولة عن لجنة المناصفة والتنوع المتعلقة بالمرأة، وهي مهمة أثرت في رؤيتها ككاتبة سيناريو، وسبق أن تناولت قضايا مثل مدونة الأسرة والحضانة ومواضيع المرأة في مسلسل “عام ونهار”.

14