فرانسيس هوغان عالمة البيانات التي هزّت عرش زوكربيرغ

من أوقف فيسبوك؟
الخميس 2021/10/07
هل تسببت في شلل التواصل ما بين المليارات من المستخدمين حول العالم

هل كان الظهور الصاعق لمسؤولة البيانات فرانسيس هوغان في برنامج ”ستون دقيقة“ واسع الشهرة عبر محطة ”سي بي إس“ الأميركية الصدمة الأولى التي تلقاها مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ والمدير التنفيذي للشركة ونظامه المعقد، أم أن ذلك كلّه كان مجرّد رأس جبل الجليد؟

لم يكن ينقص فيسبوك وأخواتها سوى الانقطاع غير المسبوق في الخدمة الذي ضرب، مساء الاثنين الماضي تطبيقات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، ما تسبب بشلل تام للتواصل ما بين المليارات من المستخدمين حول العالم لأكثر من ست ساعات.

هوغان لم تكن معروفة بشكل واسع في أوساط أميركا، رغم أنها عملت في الماضي في العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى. وكانت، عند ظهورها في حوار ”60 دقيقة“ تستعد للإدلاء بشهادتها التي قدّمتها بالفعل الثلاثاء الماضي أمام اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ لحماية المستهلك وأمن المنتجات وحماية البيانات.

الكيان الخرافي الأزرق الذي بات يشكّل أكبر قارة في العالم، تحت الرصد اليوم، وهو في طريق صعبة لن تهدأ فيها الأطراف المتصارعة حتى تجد نهاية لهذا النزاع على الخصوصية الذي يبدأ باحترام التعديل الدستوري الرابع، كما أشار العميل السابق في المخابرات الأميركية إدوارد سنودن

ولدت هذه المرأة القوية في العام 1984 ونشأت في ولاية أيوا، ودرست الهندسة الكهربائية وهندسة الكومبيوتر وتابعت دراساتها العليا في إدارة الأعمال، وقد تشبّعت مبكراً بأفكار عن الديمقراطية والحريات جعلتها نوعاً ما متشددة حيالها.

دخلت هوغان سوق العمل في العام 2006 متخصصة في مجال ”إدارة المنتجات الخوارزمية“ وعملت في شركة غوغل وبينتريست ويلب. قبل أن تنغمس في عالم فيسبوك وآليات التصنيف التي يستخدمها التطبيق العملاق، منذ العام 2019 وحينها واجهت تحديات كبرى مثل العمل على ما يسمّى بالتكامل المدني والقضايا المتعلقة بالأمانة والمعلومات المضللة. وهي ملفات حساسة وجّهت حولها انتقادات كبيرة لفيسبوك وخاصة بعد جائحة كورونا وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية.

وعن ذلك قالت هوغان في شهادتها  أمام الكونغرس “بعد أن عملت في أربع شركات تقنية كبرى تدير أنواعًا مختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي، تمكنت من مقارنة كيفية مواجهة ومقاربة كل شركة بتحديات مختلفة“.

ومن بين أبرز ما اشتغلت عليه هوغان في منظومة فيسبوك كان ملف ”المعلومات المضللة“، وعند تلك اللحظة أخذت قناعاتها بالتبدّل. ويبدو أن هذا الأمر انعكس على أدائها المخالف لتوجهات الشركة التي قرّرت إثر ذلك حلّ مجموعة التكامل المدني فيها بعد انقضاء الانتخابات. غير أن هوغان بقيت تتبّع أداء فيسبوك معتبرة أن قرارات الشركة ”سمحت جزئيًا باستخدام المنصة لتنظيم أعمال الشغب في السادس من يناير في مبنى الكابيتول“.

التأثير المدمّر لفيسبوك

[ التأثير المدمّر لفيسبوك حسب وصف هوغان، يتجسّد بمخاطر تتهدّد الأطفال
التأثير المدمّر لفيسبوك حسب وصف هوغان، يتجسّد بمخاطر تتهدّد الأطفال

التعبير الذي استعملته هوغان التي غادرت عملها في مايو الماضي، بعد أن نسخت الآلاف من الوثائق السرية، لوصف ما يقوم به فيسبوك بحد ذاته بدا إشكاليا، فقد قالت “إن هناك تأثيرا مدمّرا لعملاق التكنولوجيا، وإن الفرصة سانحة الآن للتحرك في مواجهته”، معتبرة أن هناك مخاطر تتهدّد الأطفال الذين يتوجب حمايتهم من مخاطر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن فيسبوك كان يعلم بخطر آلية عمله على الأطفال، مشيرة إلى 600 ألف حساب لأطفال
على المنصة الشهيرة “يجب ألا تكون موجودة”.

تطالب هوغان الحكومة الأميركية باتخاذ إجراءات صارمة ضد فيسبوك من أجل إجباره على التراجع عن سلوكه. وترى أن الموقع بث معلومات خاطئة وروّج للكراهية، وقبل ذلك كانت قد سرّبت لصحيفة ”وول ستريت جورنال“ منتصف الشهر الماضي وثائق مكّنتها من نشر سلسلة مقالات حول التأثير السلبي لفيسبوك وإنستغرام على المجتمع. ومن أبرز تلك الوثائق وثيقة تفصّل المشاكل النفسية لدى المراهقات، حيث كشفت الدراسات أن نسبة 32 بالمئة منهن شعرن بأن استخدام إنستغرام منحهن صورة أكثر سلبية عن أجسادهن. وأن هذا التحول النفسي في المجتمعات لم يكن غائباً عن إدارة فيسبوك التي كانت تدرك هذا ومع ذلك واصلت في سياساتها.

مشاعر الغضب

[ تعطيل فيسبوك تزامن مع تعثر بالاتصالات والإنترنت، فهل كان هناك تراشق ما بين زوكربيرغ ومن أوقفه؟
تعطيل فيسبوك تزامن مع تعثر بالاتصالات والإنترنت، فهل كان هناك تراشق ما بين زوكربيرغ ومن أوقفه؟

 أما زوكربيرغ فقد ردّ على اتهامات هوغان التي قالت إن شركته تساهم بما سمّته “تغذية” العنف، بمنشور على حسابه في فيسبوك قائلاً “لا تعكس تلك الاتهامات صورة الشركة التي نعرفها. العديد من الادعاءات لا معنى لها“، وأضاف زوكربيوغ ”نحن نهتم بشدة بقضايا السلامة والرفاهية والصحة العقلية. من الصعب رؤية التغطية الصحافية تشوه عملنا ودوافعنا“.

دافع بشدّة عن الموقف الأخلاقي لشركته، وأنكر أن فيسبوك تجاهلت مخرجات الأبحاث. وقال إنه أنشأ بنفسه “برنامجا بحثيا رائدا لفهم هذه القضايا المهمة“ وأوضح أنه قام بتوظيف عدد كبير من العاملين “أكثر من أيّ شركة أخرى“ فقط لهذا الغرض. وعن التستّر على النتائج والتهرّب من الالتزام بالتوصيات، أوضح زوكربيرغ، متسائلاً، أنه لو كان يريد إخفاء النتائج، فلماذا وضع معيارا رائدا في الصناعة للشفافية وإعداد التقارير حول ما يقوم به؟

التكهنات ما تزال تتردّد حول ما حدث، فقد نُسب إلى رويترز أن قرصاناً صينياً بعمر 13 عاماً قام بزلزلة العالم، وآخرون قالوا إن البنتاغون هو من أوقف فيسبوك، بينما افترض غيرهم أن هناك هجوماً سيبرانياً غير مسبوق يقع في تلك الساعات

وإذ لم يعد أحدٌ في العالم يستطيع الدفاع عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عملية استقطاب الوعي، وحده زوكربيرغ ينفي هذا قائلاً إنه “إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن استقطاب المجتمع كما يزعم البعض، فلماذا نرى الاستقطاب يتزايد في الولايات المتحدة بينما يظل ثابتا أو ينخفض في العديد من البلدان مع الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي حول العالم؟“. ولا يعرف أحد كيف يجزم زوكربيرغ بأن هذا الاستقطاب غير موجود في بقية المجتمعات خارج الولايات المتحدة.

أصابت تصريحات هوغان فيسبوك في مواضع موجعة، من بينها مسألة الربح المالي، غير أن زوكربيرغ يرفض مثل هذا الاتهام، ويقول إن سلامة المستخدمين ورفاهيتهم مصانة في الشركة، بدليل التعديل الذي أدخل على طريقة عرض الموضوعات للمستخدمين في فيسبوك، رغم أنه قد يؤدي إلى قضاء المستخدمين وقتاً أقل على الموقع.

وقالت هوغان إن فيسبوك تتيح الفرصة لترويج مشاعر الغضب لدى المستخدمين، بينما رفض زوكربيرغ ذلك، وبرّر بأن الشركة تجني الأرباح من الإعلانات والمعلنين الذين يرفضون عرض إعلاناتهم في هذا النوع من المحتوى. غير أن إجابته كانت عن جانب آخر لا علاقة له بما أثارته هوغان، إذ أنه يحدّد المحتوى الذي يريد المعلنون دفع الأموال من أجله، لكنه لا ينفي وجود محتوى آخر يبعث على ”الغضب“ إلى جوار بقية المحتويات المنشورة على جدار فيسبوك.

استنفرت أذرع فيسبوك وفروعها، وأشرعت أسلحتها لمواجهة هوغان، وأجرى نائب رئيس المجموعة نِك كليغ الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء البريطاني مقابلة مع ”سي إن إن“ وقال إن “بحوثنا أو بحوث أي طرف آخر لا تدعم حقيقة أن إنستغرام سيّئة أو مضرة لجميع المراهقين”. وأضاف “لا أجد أنه من المفاجئ أنه إذا لم تكن تشعر بالرضا عن نفسك، سيجعلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تشعر بسوء أكبر”. غير أن شهادة هوغان أمام الكونغرس تقول عكس هذا الكلام إذ أن فيسبوك خلقت نظاماً من شأنه ”زيادة الطائفية والتطرّف“ حول العالم.

هوغان كانت قد كشفت أيضاً أن هناك تضارباً في المصالح بين ما هو مفيد للجمهور وما هو مفيد لفيسبوك، ويكاد لم يبق في عمل مجموعة فيسبوك جانب لم تشر إليه، سواء في تصريحاتها أو شهاداتها، ما اضطر الشركة إلى تعليق تطوير نسخة من إنستغرام كانت مخصصة للأطفال دون الثالثة عشرة.

 عطل أم تعطيل؟

الحكومة الأميركية تطالبها هوغان باتخاذ إجراءات صارمة ضد فيسبوك من أجل إجباره على التراجع عن سلوكه
الحكومة الأميركية تطالبها هوغان باتخاذ إجراءات صارمة ضد فيسبوك من أجل إجباره على التراجع عن سلوكه

أثارت الساعات الطويلة التي تعطّلت فيها فيسبوك وواتساب وإنستغرام الجدل حول الاضطراب الذي أصاب العالم، والخسائر الكبيرة التي منيت بها الشركة، وانهيار أسعار أسهمها في الأسواق.

ولم يبق سوى تويتر منصة للتواصل وتبادل المعلومات والاطلاع العاجل على المستجدات. وعلى هذا المكان الذي رحّب بالمتابعين شامتاً بفيسبوك وغيره، أخذت تنتشر التكهنات حول ما يجري، ونسب إلى رويترز أن قرصاناً صينياً بعمر 13 عاماً قام بزلزلة العالم، وآخرون قالوا إن البنتاغون هو من أوقف فيسبوك بينما افترض غيرهم أن هناك هجوماً سيبرانياً غير مسبوق. وذهب آخرون إلى القول إن فيسبوك خالفت القوانين المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات فقرّرت إحدى الجهات الغامضة إيقافها، كما علق الملياردير المصري نجيب ساويرس.

الساعات الطويلة التي تعطّل فيها فيسبوك وواتساب وإنستغرام أثارت الجدل حول الاضطراب الذي أصاب العالم، والخسائر الكبيرة التي منيت بها الشركة، وانهيار أسعار أسهمها في الأسواق

غير أن المرجّح أن هزة عنيفة تعرّضت لها مجموعة زوكربيرغ بعد تصريحات هوغان، وشعوراً كبيراً بالخطر ضرب أركان المؤسسة التي قال موظفوها إنهم لا يستطيعون حتى فتح الأبواب المقفلة إلكترونياً حينما أرادوا الدخول لمعالجة الانقطاع المفاجئ، ووسط هذا كله تخرج تصريحات لإدارة فيسبوك ترفض فيها الانصياع لمحاولات قضائية بإرغامها على بيع نفسها.

ومما لا شك فيه أن الكيان الخرافي الأزرق الذي بات يشكّل أكبر قارة في العالم، تحت الرصد اليوم، وهو في طريق صعبة لن تهدأ فيها الأطراف المتصارعة حتى تجد نهاية لهذا النزاع على السيادة الذي يبدأ باحترام التعديل الدستوري الرابع، كما أشار العميل السابق في المخابرات الأميركية إدوارد سنودن والذي اعتبر أن فيسبوك مضت عليها سنوات تتجاهل فيها هذا الأمر وبات من الضروري التحرّك لإيقاف هذا الانحراف.

تعطيل فيسبوك لم يكن وحده ما جرى، شبكات الاتصال الهاتفية والأرضية تعرّضت للتوقف، وكذلك اضطرب أداء غوغل وترافق هذا مع موجة غامضة من التعثر أصابت شبكة الإنترنت الأميركية، فهل كان هناك تراشق بالإجراءات العقابية ما بين فيسبوك ومن أوقفها؟ لا أحد يعرف، حتى الآن، إلا أنه من المؤكد أن تلك السيدة قد أطلقت الرصاصة الأولى على فيسبوك في حرب خفية قد تطول ولا يعرف أحد أين ستنتهي وكيف؟

12