فخامة الرئيس

العقدة تكمن في أن إيران لا تسمح لوكلائها بالاستسلام والموافقة على منح مقتدى، بطبعته الجديدة، قيادة الحكومة التوافقية القادمة وبالصلاحية الكاملة التي تمكنه من تنفيذ وعوده التصحيحية الثورية الانقلابية، وفي مقدمتها محاسبة الفاسدين وسحب سلاح الميليشيات.
الأحد 2021/11/28
تشدد مقتدى الصدر سلاح ذو حدين

من القليل الذي تسرب من جلسات سرية وراء الكواليس بين الأطراف المتشاكسة في العراق تبيّن أن العقدة ليس لها حل سهل وقريب، وأن صيغةَ التوافق التي انهمكت إيران بطبخها، منذ نهاية الانتخابات الأخيرة بعيدا عن الأنظار، لن تكتمل ولن ترى النور، خصوصا بعد أن أبطل مقتدى الصدر، وهو الفائز الأكبر في الانتخابات، جميع التكهنات حين أعلن قرارَه النهائي المصيري خلال لقائه الأخير بمجموعة من الفائزين المستقلين بأنه “لن يقبل هذه المرة بخلطة العطار، فإما حكومة أغلبية وطنية أو معارضة وطنية”، مؤكدا عدم استعداده لقبول أي تدخل خارجي في شؤونه، أو في شؤون الدولة العراقية وأهلها.

فلو صدَق وثبَت على نهجه الوطني المستقل فسوف يصبح مشكلة حقيقية وجادة لإيران، ورجل الإنقاذ الوطني الذي ينتظره الملايين من العراقيين.
والعقدة الآن تكمن في أن إيران لا تسمح لوكلائها بالاستسلام والموافقة على منح مقتدى، بطبعته الجديدة، قيادة الحكومة التوافقية القادمة، وبالصلاحية الكاملة التي تمكنه من تنفيذ وعوده التصحيحية الثورية الانقلابية، وفي مقدمتها محاسبة الفاسدين والمتهمين بالخيانة، وسحب سلاح الميليشيات.

فهي تعلم بأن تسلم مقتدى لمقاليد السلطة منفردا يعني حقبة شاقة وطويلة معبأة بالمشاكل لنفوذها ومصالحها، دون ريب. كما أن انتقاله إلى المعارضة خيارٌ مُزعج وفاضح وضار أكثر من الخيار الآخر، لأن في هذه الحالة سوف يُعطل السياسات والقرارات التي تحتاج إليها، وسيمنع وكلاءها من استعادة أمجادهم السابقة وحريتهم في التصرف بشؤون البلاد والعباد.

هل سيوافق مقتدى على رئيس جمهورية كردي متهم بالفساد، أو له سجل غير مشرّف في العقيدة الانفصالية، وفي التعالي على باقي مكونات الشعب العراقي، حتى لو كان الثمن اصطفاف كتلة البارزاني النيابية إلى كتلته في مواجهة المعسكر الإيراني؟

وحتى الخيار الثالث الذي فكرت فيه فصائل مسلحة، والمتمثل باغتياله أو افتعال حرب شوارع مع تياره لتصفيته محفوفٌ هو الآخر بمخاطر أكبر، خصوصا بعد التعاطف الشعبي والدولي الذي حصل عليه بخطاباته الاستقلالية الأخيرة، وهو ما لا تريده إيران.

ولكنه بنهجه الجديد المتشدد المُصر على عدم القبول بالتوافق وتقاسم الكعكعة قد وضع الفائزيْن الآخريْن، الحزب الديمقراطي الكردستاني وتجمع محمد الحلبوسي، في حرج مرارتُه أكبر من مرارة حرج خصومه الولائيين.

فضم مقاعد الحلبوسي الـ34 إلى مقاعد التيار الصدري الـ73 يمكن تحقيقه بمنحه رئاسة البرلمان وبعض الوزارات، ولكن بعد موافقة إيران والدول العربية التي تقف وراءه، وهو الشيء الأقرب إلى المستحيل.

كما أن ضم مقاعد حزب مسعود البارزاني الـ32 لضمان تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي يبشر بها مقتدى أصعب وأكثر كلفة من مسألة الحلبوسي.

فمسعود البارزاني ينتظر موافقة إيران أولا، والولايات المتحدة ثانيا، وتركيا ثالثا، ثم تبدأ بعد ذلك سلسلة مَطالبه التعجيزية الأخرى التي لا تتفق ورفضَ مقتدى لمبدأ “تقاسم الكعكة” وأولها رئاسة الجمهورية العراقية، ووزاراتٌ سيادية منها وزارة الخارجية أو المالية، ثم وزارات ومواقع عديدة مهمة أخرى في الجيش والحكومة، ورواتب البيشمركة، ورواتب الموظفين، والمناطق المختلف عليها.

وبموجب التوافق السابق بين الشركاء في نظام المحاصصة الذي لن يتخلى عنه السياسيون الكرد لا بد أن تكون رئاسة الجمهورية من حصة المكون الكردي.

ولكن هل سيوافق مقتدى على رئيس جمهورية كردي متهم بالفساد، أو له سجل غير مشرّف في العقيدة الانفصالية، وفي التعالي على باقي مكونات الشعب العراقي، حتى لو كان الثمن اصطفاف كتلة البارزاني النيابية إلى كتلته في مواجهة المعسكر الإيراني؟

ومعروف أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يملك لرئاسة الجمهورية سوى أربعة مرشحين، ولكن على كل واحد منهم مآخذ وملفات وحوادث لا تؤهله لمثل هذا المنصب الرفيع.

حقبة جديدة في حكم العراق
حقبة جديدة في حكم العراق

ولمن لا يعرف نذكر بأن الأول هو خال رئيس الحزب مسعود البارزاني وقد عُين بموجب نظام المحاصصة وزيرا للخارجية ثم وزيرا للمالية، ثم صوت مجلس النواب العراقي في الحادي والعشرين من سبتمبر 2016 بأغلبية 249 نائبا على سحب الثقة منه، بعد استجوابه حول تهم فساد، وتمَّ طرده منها.

والثاني سأله صحافي أجنبي في منتدى الشرق الأوسط للسلام والأمن في البحرين قبل أيام “هل أنت عراقي أم كردي؟”، فأجاب بحزم وأنفة وكبرياء “أنا كردي. للعراق هوية على الخارطة وحدود جغرافية، ولكن في النهاية كيان مصطنع. قبل 100 عام خُلق هذا الكيان تحت اسم العراق، واضطُررت للعيش فيه”.

والثالث قضى ما يقرب من ثماني عشرة سنة سكرتيراً لرئيس الإقليم، وبقي حتى وهو وزير مالية ثم وزير خارجية مقيدا بثياب السكرتير. ألم ترَه يسير وراء مسرور البارزاني كواحد من مرافقيه في مؤتمر البحرين الأخير؟

أما الرابع، فبالإضافة إلى أن المعروف عنه أنه شديد التعصب القومي الانفصالي، فهو يحتاج إلى مترجم من الكردية أو من الإنجليزية إلى العربية عند اضطراره لإلقاء خطاب في مؤتمر قمة عربي، أو عند استقباله لملك أو رئيس أو أمير لا يتكلم الإنجليزية ولا الكردية، وتلك فضيحة.

هذا إذا لم ندخل في تفاصيل أخرى تتعلق بثقافة المرشحين الأربعة، وعلاقتهم بالنزاهة وبعدم استغلال النفوذ.

ولنفترض جدلا أن الأمل الصعب قد تحقق، واجتمع البرلمان الجديد، ثم عجز مقتدى عن تحرير رئاسة جمهورية العراق من قيود نظام المحاصصة الطائفية والعنصرية، ولم يجد مرشحا كرديا يليق بمنصب رئيس الجمهورية، ولم يتمكن في الوقت نفسه من إعادة تكليف الرئيس الدكتور برهم صالح لدورة ثانية، وهو الأكثر من جميع المرشحين الأربعة وطنية عراقية وثقافة وكياسة ونزاهة، فهل سيدمر رصيده الشعبي الوطني العراقي والعربي والدولي ومستقبله السياسي ويوافق على إلحاق إهانة جديدة أخرى بهيبة الرئاسة؟ وحكاية الرئيس الأسبق فؤاد معصوم لا تحتاج إلى إعادة.

4