فخاخ النصابين وفوضى الخير

قيمة الخير لدى الفرد الجزائري في حاجة إلى مراجعة وإلى عقلانية، فليس كل متلاعب بالعواطف والمشاعر هو حالة تستحق البذل والتضامن.
الثلاثاء 2024/10/08
ضرورة ترتيب وتنظيم الفعل الخيري والتضامني

كم من إنسان يطبعه الخير والطيبة تعرض لمختلف أشكال النصب والاحتيال، فالسريرة الإنسانية التي جبل عليها جعلته مقصدا لذوي النفوس المريضة والسلوكات الشريرة، وكم من هبة إنسانية تحولت إلى فضيحة في أروقة التحقيق الأمني والمتابعة القضائية، والسبب هو خلل لا زال يلف فعل الخير والتطوع لخدمة المحتاجين.

ولم يعد غريبا أو صادما لمصالح الأمن أو القضاء أن تستعرض قضايا وملفات تعرض فيها عائد أعمال خيرية وتطوعية للنصب والاحتيال من طرف ذوي النفوس المريضة، وكما تعرض وقف لإنقاذ مريض أو مساعدة أفراد مسحوقين اجتماعيا، لم تسلم حتى أوقاف دينية من السرقة والاعتداء.

بقدر الهبة التضامنية التي سجلها الجزائريون خلال جائحة كورونا، لما تبرع محسنون بمساعدات مادية ومالية وتجهيزات طبية ضخمة، بقدر ما تحدثت تقارير أمنية عن فتح تحقيقات حول تحويل أو الاستيلاء على تلك المساعدات، الأمر الذي هز ثقة المجتمع بنفسه، وكوّن انطباعات سلبية تنم عن مخاطر التفكك في الروابط الاجتماعية.

لا تخلو المدن والشوارع والساحات الجزائرية، من أشكال بشرية تكونت جيدا في استعطاف الناس، واللعب على أوتار الدين، لسلب جيوب أصحابها، بينما الحقيقة تثبت أن الشحاتة والتمثيل الإنساني والعاطفي، هو حرفة يمتهنها هؤلاء، لأنها تدر عائدات معتبرة في ظل سخاء الجزائريين وعواطفهم الزائدة عن اللزوم، رغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها قطاع عريض منهم.

خلال سنوات مضت اندلعت مناوشات ومشاحنات بين شحاتين محليين (جنسية جزائرية)، لما شعروا بمنافسة قوية من آخرين قادمين من جنسية عربية وأخرى أفريقية، لشعورهم بأن المصالح مهددة، وأن العائدات والمساحات ليست محترمة من طرف الوافدين الجدد.

ومع هذه الخصوصية المميزة التي لم يألفها هؤلاء في مجتمعات أخرى جربوها من قبل، فإن سخاء الخيرين اهتز تحت صدمات النصب والاحتيال الذين راحوا ضحية لها، خاصة لما يتعلق الأمر بمبالغ مالية ضخمة جمعت لمساعدة مريض أو جلب معدات صحية أو تشييد مساجد ودور عبادة.. وغيرها.

في كل المناسبات والأعياد يدخل المحسنون بإمكانياتهم على خط المساعدة الاجتماعية للفقراء والمعوزين والمرضى، لكن تحوّل المسألة إلى نوع من الاتجار الإنساني من طرف الوسطاء، يطرح ضرورة وضع حد لهذه الفوضى وتنظيم العمل الخيري والتطوعي.

ورغم جهود السلط المختصة في ضبط العمل المذكور، فإن ترك الحبل على الغارب يستوجب التوقف، فجمع المال بشكل فوضوي وعدم التصريح بالحالات الإنسانية لدى المصالح المختصة، يفتح المجال أمام أيّ كان لافتعال حالة من الحالات والقيام بحملة في الواقع والمواقع لاستعطاف ودغدغة الجيوب، وهو ما انتهى في العديد من المرات إلى فضائح وملفات أمنية وقضائية تورط فيها من يفترض فيهم واجب القدوة الاجتماعية، كأئمة المساجد ورؤساء جمعيات.. وغيرهم.

الأمن السيبيراني الذي يضع يده على كل ما يتحرك على الأرض، لم يتحرك بالجدية المطلوبة لحماية الخير والطيبة المتبقية في المجتمع من سلوكات النصابين والمحتالين سواء كانوا في الشوارع والطرقات، أو في الصفقات الكبرى التي تبين أنها عبارة عن فخاخ نصبت للإيقاع بالضحايا تحت يافطة الظروف الإنسانية والاجتماعية الصعبة.

قيمة الخير لدى الفرد الجزائري في حاجة إلى مراجعة وإلى عقلانية، فليس كل متلاعب بالعواطف والمشاعر هو حالة تستحق البذل والتضامن، ولذلك لا مناص من ضرورة ترتيب وتنظيم الفعل الخيري والتضامني، لأن العبرة بالدرجة الأولى هي وضع الهبة في مكانها اللازم ليتمكن المجتمع من الاستمرار في نزعته الإنسانية، بدل الانسياق وراء تلك الأشكال والإصابة في الأخير بصدمة أو انطباع سيء، قد يدفع صاحبه للانسحاب كلية من جبهة التضامن والتكافل الاجتماعيين.

18