فتاوى الدبر

تكفي جولة خفيفة في مواقع التواصل الاجتماعي لاستنتاج حجم الكبت الذي يعاني منه البعض في العالم العربي والإسلامي، وحمى الهروب إلى النص الديني لتبرير انتهاك الطبيعة والأخلاق معا، فأن يطلب رأي الدين في جماع الزوجة وهي ميتة، أو كيفية التعامل مع دبر المرأة، فذلك وجه من أوجه المسكوت عنه في عوالمنا الخفية والعلنية.
دكاترة، شيوخ دين، مهتمون، يخوضون في مسائل أقل ما يقال عنها إنها مرآة عاكسة لأزمة العقل والمنطق التي نتخبط فيها، فكيف يجرؤ السائل على أن يسأل عما إذا كان بالإمكان النيل من زوجته وهي جثة هامدة تنتظر آخر وداع بيت لم تكرم فيه حية ولا ميتة، ولم تسلم من طيش غريزة حتى وهي جثة هامدة.
ولأن الكثيرين يهوون دبر الأنثى، فإن نقاشات وسجالات صاخبة يمكن اكتشافها في عالم النت. ورغم أن النص الديني واحد، إلا أن تأويله يتم حسب رغبة ومزاج كل طرف، ولا أحد يضع كرامة الميت، أو الأمراض والمخاطر الثابتة علميا، في منزلتهما الواجبة، لأنهم يدركون حينها أن الحجة ستخونهم، وأن التلاعب أو التحايل لا يمكن ممارستهما إلا عند تأويل النص الديني.
وحاليا تسود موجة تبرز سعادة على محيا وكلام أصحابها، وكأنهم حققوا اكتشافا كبيرا للأمة أو للبشرية جمعاء، بعدما ثبت لديهم أن مذهبا من المذاهب الفقهية الكبرى لم يحرم جماع المرأة من دبرها، لكن لا أحد فيهم طرح الأمر من زاوية العلم والخلق، لأن ألسنتهم ستأكلها القطط حينها.
قد يقول قائل بأن المسألة تتعلق برواد عالم النت ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي الغالب هم فئة لم ترق إلى مستوى مطلوب من الوعي والتعقل، ولذلك فإن إثارة أي موضوع من موضوعاتها هو سقوط في لعبتهم، لكن لا يمكن إنكار أن ذلك الجمهور وتلك النخب هما جزء من الرأي العام العربي والإسلامي، وأن من لم يستطع التعبير عن مكبوتاته في الفضاء التقليدي، يلجأ إلى تلك الفضاءات للبوح بما يجول في دواخله.
إفرازات النقاش الديني، بداية من عالم الجنس وحور العين والجماع الحر إلى عالم الجهاد مرورا بالتطرف، كثيرا ما ظلت تسكن في عوالم النت، فهناك تتراجع حواجز الرقيب، إن لم يتم التحايل عليه، ما دامت الفضاءات التقليدية تطلب السكوت من أجل عدم إزعاج عرف المجتمع.
القاعدة أفضت إلى أن المسكوت عنه هنا، سينفجر هناك، والتكتم هنا، سيقابله إفراط هناك، وعلى طول المسافة أسئلة واستفهامات تؤرق الأجيال، إلى درجة أننا فقدنا ملكة استخدام العقل، فأي غريزة هذه التي يسأل صاحبها إن كان الدين يسمح بإفراغ آخر رعشاتها في جثة هامدة تنتظر أن تسجى إلى مثواها الأخير، وكيف يفرح ويهلل الناس لأن مذهبا ما لم يحرم ممارسة جنسية كل شيء يثبت أنها غير طبيعية وغير صحية وغير أخلاقية.
يبدو أن الزيجات التسع التي أوردها تاريخ العرب خلال عصور الجاهلية، والتي اختصرها الوحي الرباني في الزيجات المتوارثة إلى حد الآن، مازالت تبث مفعولها في لاشعور الناس ودواخلهم، ولذلك لم يتم الاهتداء إلى علاقة حميمية عادية، ويجري الانحراف نحو الشذوذ الغريزي والبحث له عن شذوذ نصي لتزكيته.