فاتن اليوسفي لـ"العرب": نسعى إلى خلق دراما مغربية مميزة تخدم المجتمع

كتابة السيناريو ليست بالأمر السهل إذ لا تتطلب الموهبة فحسب، بل تحتاج إلى أكثر من ذلك، خاصة من ناحية إيجاد الفكرة المناسبة والمنتج والمخرج، إذ هي عمل يقف بين الفردي والجماعي. وفي هذا السياق كان لـ"العرب" حوار مع السيناريست المغربية فاتن اليوسفي حول كواليس كتابة الدراما.
اختارت السيناريست المغربية فاتن اليوسفي تناول قصة بسيطة في فيلم “طريق ليسي” الذي عرض ضمن الأشرطة التلفزيونية لرمضان 2025 بقالب رومانسي، بهدف الترفيه عن المشاهدين وسط الأزمات الاجتماعية المنتشرة، مستلهمة ذكرياتها من التسعينات وحقبة الثمانينات حين كانت الحياة أكثر بساطة، مشيرة إلى أن شخصية عزيزة بالفيزا مستوحاة من صديقة طفولتها، فيما اختار زوجها المخرج داني يوسف طاقم التمثيل ليعكس تلك الفترة.
وأخذت السيناريست استراحة بعد مسلسل “بنات الحديد” للتحضير لروايتها الأولى المقرر صدورها في 2025، تلبية لوصية والدها، معبّرة عن سعادتها بالمنافسة المغربية القوية في هذا الموسم الدرامي، مؤكدة حرصها على العمل مع فريق يجمع الشباب والرواد لتقديم عمل متكامل.
وتتحدث اليوسفي لـ“العرب” حول اختلاف تقنيات الكتابة بين المسلسلات الدرامية مثل “المكتوب” في جزئيه والسيتكومات التي كتبتها مثل “حياة جديدة” و“راس لمحاين”، موضحة “تعتبر الكتابة موهبة في الأساس، لكن تتطلب تقنيات خاصة بكل نوع من الأنواع، عندما تحتاج المسلسلات الدرامية جهدا أكبر لبناء القصة وتشكيل الشخصيات التي تحملها، وتمنحنا حرية واسعة لمعالجة مواضيع حساسة لا يمكن تناولها بروح كوميدية.”
الدراما والكوميديا
تضيف “بدأت مسيرتي في الكتابة مع السيتكومات، وكانت خطوتي الأولى مع المخرجة الكبيرة نرجس النجار في مسلسل لم يرَ النور للأسف، لكن تعلمت منها الكثير، إذ تعتمد الكتابة الكوميدية على الموقف أكثر من الشخصيات، وتختلف تقنياتها تماما عن الدراما، قد تبدو محدودة، لكنها تتيح معالجة مواضيع حساسة عبر الكوميديا السوداء، وشاركت في سيتكوم ‘راس لمحاين’ ضمن ورشة كتابة تحت إشراف المنتجة العزيزة على قلبي فاطمة بنكيران، وبالطبع المبدع هشام الجباري.”
وتتابع “بدأت تجربتي الدرامية الأولى بمسلسل قصير بعنوان ‘حميمو’ مع المخرجة زكية الطاهري وأحمد بوشعلة، ثم جاء مسلسل ‘كايرو بلانكا’ على القناة الثانية من إخراج محمد علي المجبود، وتبعه ‘داير البوز’ مع الصديق علاء أكبعون، وكانت آخر تجربة ‘من فم السبع’ مع رفيق الدرب داني يوسف، وأحب الدراما القصيرة كثيرا لأنها تمنح مساحة لمناقشة مواضيع محددة لا يمكن الإطالة فيها لـ30 حلقة، وأجد كتابة أربع حلقات أصعب من 30 حلقة، لأننا مضطرون إلى تقديم الشخصيات وإشكالياتها والقصة التي تربطها في وقت قصير جدا، ويبقى هذا النوع من أكثر الأصناف التي أفضلها رغم صعوبته.”
وتقول فاتن اليوسفي حول أوجه التمييز بين “بنات الحديد” و”عائشة” و”ولاد الدرب” من حيث الكتابة مفسرة “كل عمل ينتمي إلى نوع خاص، ‘ولاد الدرب’ دراما اجتماعية ذات طابع رجالي أكثر، من إخراج ياسين فنان، وحاولنا من خلاله معالجة مخاطر التكنولوجيا وتدخلها في الحياة الخاصة، فهكر هاتف شخص يكفي لمعرفة كل أسراره، ويمثل ‘بنات الحديد’ أول عمل تعاونت فيه مع مستشارين متخصصين لفهم عالم الخردة في لافيراي بالدار البيضاء، حيث استقينا العديد من المواضيع والعقد من الواقع.”
وتواصل “أما ‘عائشة’، وهو من أعز الأعمال إلى قلبي، فيلخص قصة امرأة مغربية بسيطة تمثل كل النساء وتحدياتهن، واستوحيت معظم قصصه من الواقع المعيش أو مشاكل يشاركها الناس على مواقع التواصل، كما شكل ‘عائشة’ أول تعاون لي مع داني يوسف في مسلسل، ومع محمد الكامح وهشام غفولي في الحوار، بناء على رغبة المخـرج لتجنب طغيـان الطابع النسائي.”
وتلفت إلى أن نجاح “راجل لمرا” فاجأها، وهو أول تعاون لها مع زوجها داني يوسف، بتيمة رومانسية ليست مألوفة في أعمالها، لكن نظرته الفنية أضفت رونقا خاصا، وأتاح لها “شمس العشية” مناقشة تأثير السوشيال ميديا على الأسرة في ساعة ونص، وكان آخر أعمالها التلفزيونية “طريق الليسي”، الذي هدف إلى إحياء نوستالجيا التسعينات وتقديم الحياة البسيطة في تلك الفترة، وترى أن التوازن بين الدراما والكوميديا كالسكر والملح في حياتنا اليومية، إذ يحتاج العمل الدرامي إلى لمسة كوميدية، ويحتاج العمل الكوميدي إلى خلفية درامية، مشددة “نستقي أعمالنا من الواقع، والواقع يجمع بين الدراما والكوميديا معا.”
تحدي الكتابة
تقول اليوسفي “أخوض حاليا تجربتي الأولى في الكتابة السينمائية، لذا لا يمكنني إعطاء رأي نهائي بعد، وتبقى السينما لها رهبتها الخاصة، فقبل التفكير في كتابة فيلم حضرت العديد من المهرجانات، وتكمن صعوبة السينما في إيصال ثقافة بلدك إلى الخارج مع إرضاء الجمهور المغربي، وهي معادلة صعبة أحاول حلها، متمنية النجاح فيها مستقبلا.”
وتتابع “نعيش في عصر السرعة، حيث الستوري واللايف والأمهات يحدقن في هواتفهن أكثر من التلفزيون، والشباب يتناقلون مقاطع دون مشاهدة الأعمال كاملة، بينما تتطلب المسلسلات الطويلة نفسا طويلا وجمهورا مستعدا لهذا النوع، ويطلب منا كسيناريست إيجاد قصة تؤثر عبر 30 حلقة، لكن أفضل المسلسلات القصيرة لأنها تحدد السرعة وتمنح مساحة محدودة لرواية القصة، مع حرية أكبر لمناقشة مواضيع لا تصلح للإطالة، ويواجه أي سيناريست تحدي إيجاد المنتج المناسب لتحويل فكرته إلى واقع، وتظل كتابة المسلسلات تحديا كبيرا وسط المنافسة العربية والمغربية، ونسعى لخلق دراما مغربية مميزة ترضي جمهورنا وتكسب ثقته، ويبقى التحدي الأكبر إيجاد القصة المناسبة مع المنتج المناسب لتخرج في الوقت والشكل المناسبين، وهي مصفوفة أحاول حلها، فأحيانا أصيب وأحيانا أخيب.”
وتضيف “حاليا ارتأيت أخذ استراحة بيولوجية بعد ‘بنات الحديد’، وتخليت عن بعض الأعمال لأعود بروح جديدة، وأحضر هذا العام لمشروع خاص، أو بالأحرى حلم سيتحقق بنهاية السنة إن شـاء الله، سأوافيكم بالتفاصيل إذا سنحت الفرصة للحديث عنه لاحقا.”
وتعدّ فاتن اليوسفي كاتبة سيناريو وكاتبة مسرحية وفنانة كوميدية مغربية بارزة، حيث حصلت على شهادة تقنية في الإعلاميات وتدبير المقاولات، وعملت كأستاذة جامعية متخصصة في لغات البرمجيات. اشتهرت بين الجمهور المغربي منذ سن مبكرة عندما فازت بجائزة في مسابقة مواهب وهي في الخامسة عشرة من عمرها، لتبدأ من هناك مسيرتها في عالم التمثيل، وانتقلت لاحقا إلى كتابة السيناريو في السنوات الأخيرة، وقدمت أعمالا تلفزيونية ناجحة مثل المسلسل الرمضاني “نعام ألالة” ومسلسل “رضاة الوالدة”، مما عزز مكانتها كإحدى أبرز الكاتبات في الدراما المغربية.
وتتنوع أعمال فاتن اليوسفي ككاتبة سيناريو بين المسلسلات والأفلام، وتشمل أعمالها التأليفية مسلسل “بنات لحديد”، و“من فم السبع” (قصير)، و“عايشة”، و“لمكتوب ج2”، و“ولاد العم ج2”، و“أولاد الدرب”، و”لمكتوب”، و”حياة”، و”داير البوز” (قصير)، وفيلم “شمس العشية”، و“ولاد العم”، وفيلم “راجل لمرا” (سيناريو وحوار)، وفيلم “أصحاب الباك” (سيناريو وحوار)، وفيلم “Bliss You“، ومسلسل “مرضي ميمتو”، و“رضاة الوالدة”، و”ساكن ومسكون” (فكرة وسيناريو وحوار)، و“كايرو – بلانكا” (قصير)، و”وعدي ج2”، و“حميمو”، و“حياة جديدة” (سيت كوم)، و”مرحبا بصحابي”، و”راس لمحاين” (سيت كوم). أما في التمثيل، فقد شاركت في أربعة أعمال هي "دور بيها يا الشيباني" (سيت كوم)، و"جيني كود" (سيت كوم)، و“سعدي ببناتي” (سيت كوم)، و“الربيب” (سيت كوم)، مما يظهر تنوع إبداعها بين الكتابة والأداء التمثيلي.