غياب بعض الأعمال يفقد المشهد الدرامي السوري جزءا من بريقه

يتابع جمهور الموسم الدرامي الحالي في سوريا أعمالا مختلفة وبنسب تفاعل متفاوتة. ولكن ثمة أعمال أخرى تعثر عرضها على الشاشات فشكل غيابها نقطة ضعف تفقد الدراما السورية جزءا من بريقها وتنوعها المعتادين.
قدمت الدراما التلفزيونية السورية في الموسم الحالي ما يزيد عن العشرين عملا، عرض معظمها في مختلف القنوات العربية، وحققت متابعة جماهيرية متفاوتة من المقبول حتى العالية. لكن ظروف العمل والترويج والرقابة لم تسعف بعضا منها لإكمال الموسم بشكل ناجح، حيث غابت أربعة أعمال عن العرض رغم كونها جاهزة للعرض أو هي تكاد تكون جاهزة.
تعددت الأسباب التي أدت إلى هذا الغياب بين مطالب رقابية لدى بعض الجهات الرسمية أو رغبة البعض في الوجود بشكل قوي في قنوات أخرى وفي ظروف عرض مختلفة والبعض الآخر واجه متاعب في التوزيع كما تأخر إنجاز البعض من الأعمال ولم يستطع أصحابها إنهاء العمل فيها في المواعيد المحددة.
من هذه الأعمال مسلسل “مال القبان” الذي سخرت له طاقات عمل كبيرة، كتبه الثنائي علي وجيه ويامن الحجلي في سادس مشروع يجمعهما وثالث مسلسل يخرجه لهما المخرج سيف الدين سبيعي بعد عملين ناجحين في الموسمين الفائتين هما “على صفيح ساخن” و”مع وقف التنفيذ”.
حقق الثلاثي (علي، الحجلي وسبيعي) من خلال المسلسلين السابقين وجودا شعبيا كبيرا لدى جمهور المتابعين، لمعالجتهما مواضيع اجتماعية حارة تمس قضايا اليوم بكثير من الجرأة. وسجل المسلسلان تفاعلا كبيرا بين الجمهور وصارت مسلسلات الكاتبين حدثا يُنتظر في الموسم الرمضاني.
في مسلسل “مال القبان” يدخل الثنائي وجيه والحجلي مجددا في بنية العلاقات الاجتماعية من خلال عدة شخوص يمثلون شرائح مختلفة، ويدور جزء من أحداث المسلسل في سوق الهال وهو سوق مركزي كبير لبيع الخضروات والفواكه بدمشق، ويقوم بالبطولة الفنان الشهير بسام كوسا الذي يعود لتقديم عمل اجتماعي بحت بعد تقديمه في المواسم القريبة الفائتة مسلسلات مشتركة بين سوريا ولبنان مثل “التحدي” و”سر” وقبلها مسلسل “سوق الحرير” الذي يصنّف ضمن البيئة الشامية.
شارك في العمل نجوم في الفن السوري منهم خالد القيش وسلاف فواخرجي وحلا رجب ونجاح سفكوني وروبين عيسى وليث المفتي وآخرون. كذلك غاب مسلسل “السراديب”، وهو الجزء الثاني من مسلسل “كسر عظم” الذي عرض في الموسم الفائت وحقق نسب مشاهدة عالية، وتدور أحداثه حول بعض الشخصيات النافذة في السلطة التي تمارس سلوكيات منحرفة، والتي تخوض صراعات من أجل القوة والبقاء تكلفها ثمنا باهظا.
الجزء الأول من المسلسل كان من تأليف علي معين صالح في أول تجاربه في الدراما التلفزيونية، وأخرجته رشا شربتجي في محاولة جديدة لها في الدراما الاجتماعية الجريئة بعد “غزلان في غابة الذئاب” و”الولادة من الخاصرة”. ورغم النجاح الكبير الذي حققه الجزء الأول، إلا أن ردود فعل صاخبة وجهت ضده من جهات عديدة، منها، بعض الشخصيات النافذة في سوريا والتي تتقلد وظائف عليا في الدولة والتي اتهمت العمل حينذاك بأنه يظهر الحالة السلبية الفاسدة في سوريا على حساب الحالة الإيجابية التي تغيب بشكل “مُتعمد”.
وكان يفترض أن يكون للمسلسل جزء ثان منه لنفس الكاتب والمخرجة، لكنهما تراجعا معا عن ذلك. وبينت المخرجة في تصريحات “أن مسلسل ‘كسر عظم’ قد استوفى حكايته في الجزء الأول ولا حاجة إلى جزء ثان”.
وتفرغا معا لإنجاز مسلسل ثان في شكل البيئة الشامية حمل عنوان “مربى العز” وهو يعرض الآن على عدد من القنوات التلفزيونية. لكن نجاح الجزء الأول بشكل لافت وفر للجهة الإنتاجية أرضية صلبة لمتابعة المسار في تقديم جزء ثان منه، مع كاتبين هما رفعت الخطيب وهلال الأحمد ومع مخرج هو كنان إسكندراني الذي كان مساهما في الجزء الأول وضمن فريق الإخراج.
المسلسل من تمثيل رشيد عساف بشخصية محورية (كنعان) التي تكون على عداوة مع شخصية الحكم التي يقدمها فايز قزق. ويحضر كرم الشعراني ويزن السيد وولاء عزام وريام كفارنة ويزن خليل وإسماعيل مداح وسوسن ميخائيل وأحمد الأحمد ومحمد حداقي وآخرون.
ثالث الأعمال التي غابت كان مسلسل “دوار شمالي” (تحت الرماد) وهو المسلسل الثاني الذي يجمع بين المؤلف حازم سليمان والمخرج عامر فهد بعد مسلسل “عندما تشيخ الذئاب” الذي قدم عام 2019 والمأخوذ عن رواية الكاتب الأردني الفلسطيني جمال ناجي. وفيه تصد لتشريح بعض المجتمعات العربية الإسلامية التي تختلط فيها عند بعض المشايخ عوالم الدين والسلطة مع ما يشوب ذلك من انحرافات شخصية وأخلاقية.
المسلسل لاقى صدى طيبا حين إنتاجه، وتعرض كما الرواية لتشريح بعض فئات المجتمع الإسلامي والدخول في عمق المؤسسة الدينية وما يفعله بعض الشيوخ من خلالها من الاستئثار بالمنافع والمكاسب المختلفة، مستغلين سلطتهم الدينية وتأثيرهم على الناس كما دخل المسلسل في عالم بعض الجمعيات الخيرية التي تستخدم أدوات لتحقيق مكاسب مالية ضخمة لهؤلاء.
وفي المسلسل الجديد “دوار شمالي” محاكاة لذات النهج الذي قدمه الثنائي سليمان وفهد. والسير قدما في تقديم مزيد من التشريح الاجتماعي للتطرف الديني في عدة مناطق وأحياء في مدينة دمشق في تسعينات القرن العشرين، وربما هذا ما يفسر سبب تسمية المسلسل بـ”دوار شمالي” وهو خط نقل ركاب داخلي بدمشق يربط عدة أحياء ببعضها وهو من أطول خطوط النقل فيها.
صور العمل كله في لبنان وكان يفترض أن يقدم على قناة أبوظبي، لكن ظروفا رقابية خاصة واجهته في لحظات قاتلة وقبيل موعد بدء العرض الرمضاني بقليل، الأمر الذي أدى إلى توقف القناة العارضة عن فكرة تقديمه كما تناقلت الأخبار عن الشركة، وقدمت بدلا منه مسلسلا سوريا آخر هو “خريف عُمَر”. والمسلسل من تمثيل: عبدالمنعم عمايري وأحمد الأحمد وفايز قزق وسامية الجزائري والجزائرية أمل بوشوشة في ثاني ظهور لها في الدراما السورية بعد سنوات من الغياب بالإضافة إلى أندريه سكاف وعبير شمس الدين ونانسي خوري ومحمد حداقي وغيرهم.
المسلسل الرابع الذي غاب عن الحضور الرمضاني كان مسلسل “كانون” وهو أول إنتاجات شركة بايورتا في مجال الإنتاج الدرامي التلفزيوني بعد تقديمها فيلما سينمائيا سابقا. المسلسل اجتماعي بوليسي يحكي عن شخص يدعى كانون تعرض للظلم في صغره من قبل والده الذي لم يعترف به ومجتمعه، وأراد عندما صار شابا قويا قادرا على دفع الظلم أن يقوم بالدفاع عن نفسه ومجتمعه المحيط ويصور معاناته في سبيل تحقيق هذه العدالة الغائبة. المسلسل من كتابة علاء مهنا في أول تجاربه المهنية في الكتابة وإخراج إياد نحاس. وهو من بطولة الفنان الشاب مهيار خضور بدور كانون وحضور الفنان بسام كوسا ولينا حوارنة وسلمى المصري وميلاد يوسف وجوان خضر وهبة نور ورنا الأبيض وحسام الشاه وعبدالفتاح المزين وهاني شاهين وآخرون.
وبغياب المسلسلات الأربعة يفقد المشهد الدرامي السوري جزءا حيويا منه، فالمسلسلات كانت منتظرة بشغف من الجمهور كونها تخاطب ذاكرته في مواسم سابقة، وكان الجمهور ينتظرها ليشاهد مزيدا من الأحداث التي تخبره بمسارات شخصيات عرفها فتعاطف معها أو رفضها. فجاء موضوع الغياب لتصيبه بخيبة الأمل. كما أن الجمهور ينتظر عادة بعض النجوم في المواسم الرمضانية ليتابع أعمالهم. وبسبب غياب الأعمال الأربعة غابت أسماء هامة عن المشهد الدرامي السوري، كان أهمها الفنان بسام كوسا الذي شارك في بطولة مسلسل “مال القبان” كما حضر بدور قصير وهام في مسلسل “كانون” وغاب العملان عن مساحات العرض فغاب بسام كوسا عن الحضور في الموسم الحالي وهو الذي يمتلك قاعدة جماهيرية عريضة في سوريا والعالم العربي.