غياب الدور التربوي للمدرسة يزيد من عنف الطلاب في مصر

الإدارات التعليمية تفتقر إلى الوعي بأهمية وظيفة الأخصائيين الاجتماعيين.
الجمعة 2022/10/14
الاكتظاظ داخل الفصول سبب من أسباب العنف

تشير التقارير الصادرة عن المؤسسة المصرية لأوضاع الطفولة إلى ارتفاع معدلات العنف داخل المدارس في السنوات الأخيرة، وتنوعها بين العنف البدني المؤدي إلى عاهات أو إصابات بالغة أو التحرش الجنسي، مؤكدة أن أغلب حوادث العنف تقع في المدارس الحكومية. وتشير التقارير ذاتها إلى أن غياب الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين داخل تلك المؤسسات التعليمية زاد من انتشار ظاهرة العنف والسلوكيات العدوانية.

القاهرة - كشف حادث إلقاء تلميذة بالصف الثاني الابتدائي بنفسها من الطابق الثالث بإحدى مدارس القاهرة ووفاتها بعد تجاهل رغبتها في العودة إلى أمها، عن أحد أوجه غياب التوجيه الاجتماعي والنفسي داخل المؤسسات التعليمية وما يترتب عليه من تبني سلوكيات عدوانية تنتقل من المدرسة لتصبح أكثر انتشاراً في المجتمع.

تكرر بكاء التلميذة منذ صبيحة اليوم الدراسي، وهو ثاني أيام انطلاق العام الدراسي الجديد، رغبةً في حضور والدتها، ما حدا ببعض المعلمين إلى تهدئة روعها، ثم بالغت في البكاء وحاول المعلم آنذاك تهدئتها وسمح لها بالجلوس في مقعده، فاستغلت الطفلة انشغاله وتسللت خلسةً تُجاه سور الطابق الثالث وألقت بنفسها منه.

وسألت جهات التحقيق المعلّم الذي تواجد في فصل المجني عليها وقت الواقعة فقال إنه فوجئ باندفاعها خارج الغرفة وهي تحمل حقيبتها الدراسية على ظهرها، وتسلقت السور، فطلب منها النزول لكن توازنها اختل وسقطت.

عاصم حجازي: لا يجد الطلاب التوجيه المناسب لتصويب سلوكياتهم والتعامل مع الأزمات التي يتعرضون لها

سلطت الواقعة الضوء على مشكلات مركبة ربما تقود إلى المزيد من الخلل لأن المدارس الحكومية في مصر تتزايد بها معدلات الكثافة الطلابية وتغيب عنها الأدوار الاجتماعية، ويحاول المسؤولون التشبث بالتحصيل العلمي في ظل أزمات عجز المعلمين التي ترتب عليها غياب دور التوجيه والإرشاد، علاوة على تراجع حضور المشرفين ومهمتهم مراقبة سلوكيات الأطفال خارج الفصل الدراسي.

تتعامل المدارس المصرية مع ما يقرب من 25 مليون طالب وطالبة يشكلون ربع عدد السكان تقريبًا، أغلبهم في مدارس حكومية يغيب فيها الدور الاجتماعي، ما يؤدي إلى تصاعد العنف بين الطلاب وبين المعلمين والطلاب وبين أولياء الأمور والمعلمين.

أشار تقرير صدر عن المؤسسة المصرية لأوضاع الطفولة (حقوقية) إلى ارتفاع معدلات العنف داخل المدارس في السنوات الأخيرة، وأن 67 في المئة تقع في المدارس الحكومية وتتنوع بين العنف البدني المؤدي إلى عاهات أو إصابات بالغة أو التحرش الجنسي، وتعود إلى الكثافة العددية في الفصول الدراسية، بجانب تدهورأوضاع المدرسين والضغوط المعيشية والإدارية ما يقود إلى المزيد من العنف.

تكتفي وزارة التربية والتعليم المصرية بتعيين أخصائي اجتماعي واحد لكل ثمانية فصول في المدارس الثانوية أو الإعدادية، وتعيين اثنين من الأخصائيين بالمدرسة الواحدة إذا زاد عدد الفصول عن 15 فصلا، وأربعة إذا وصل عدد الفصول إلى  40 فصلا، وتعيين مشرفة اجتماعية من غير الحاصلات على مؤهلات عالية لكل 10 فصول بالمرحلة الابتدائية، وأخصائية واحدة لكل مدرسة رياض أطفال، وقد يصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى مئة طالب وطالبة.

قال أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة عاصم حجازي إن الأزمة تتمثل في أن الإدارات المدرسية تفتقر إلى الوعي الكافي بالمتطلبات الوظيفية للموجهين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، وتتوقف أدوارهم عند القيام بأعمال إدارية ترتبط بالتعرف على الحالة الاجتماعية للطلاب، وفي الكثير من الأحيان يسبب ذلك مشكلات أكبر لأنه يكون على الملأ داخل الفصول وليس من خلال دراسة كل حالة على حدة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأخصائي النفسي يغيب عن المدارس كثيرا ولا يسمح قانون التعليم بأن يقوم الموجه بعمل اختبارات نفسية للكشف عن سلوكيات الطلاب العدوانية وتقييمها وإتاحة التدريبات المناسبة لمعالجة جوانب الضعف في شخصيات الطلاب، وحال كانت هناك إمكانية لعمل اختبارات تتطلب موافقات عديدة.

وأوضح أن دور التوجيه الاجتماعي يتضمن دمج الطلاب في الأنشطة المفيدة لهم وتحويل الطالب الذي يواجه مشكلات من شخص منطو أو عدواني إلى متفاعل مع باقي الطلاب لا تتوافر أيضًا، وينعزل الأخصائيون أحيانا على أعمالهم الإدارية المطلوبة منهم، ولا يجد الطلاب التوجيه المناسب لتصويب سلوكياتهم والتعامل مع الأزمات التي يتعرضون لها.

غياب الأخصائيين الاجتماعيين

ولدى العديد من خبراء الاجتماع قناعة بأن المؤسسات التعليمية تؤثر بشكل مباشر على بناء شخصية الطلاب وأن اتساع رقعة العنف يدفع إلى استقرار هذا النموذج في أذهان الصغار ويتحول إلى أسلوب حياة إذا لم يتم توجيههم نحو أساليب تربوية سلمية وإبعادهم عن السلوك العدواني، وهذا لا يجد سبيلاً للتطبيق في مدارس مكدسة.

وانعكست زيادات حالات العنف المدرسي على الطلاب خلال العام الدراسي المنقضي وشهد ارتكاب تلاميذ في مراحل الطفولة جرائم قتل بحق أقرانهم.

وقد تشاجر طالبان في المرحلة الابتدائية بسبب ما جرى وصفه في ذلك الحين بـ”الصراع على المقعد الأول داخل الفصل”، حيث أثارت رغبة طالب في الجلوس بالصف الأول في الفصل غضب زملائه وتم الاعتداء عليه بالضرب وسقط مغشيا عليه مصابا بنزيف توقفت على إثره خلايا المخ وعضلة القلب.

ولقي طالب آخر مصرعه إثر شجار بين طالب وزميله مع بداية اليوم الدراسي، وانتهى بعد أن أقدم طالب بالصف السادس الابتدائي على ضرب زميله في أثناء تناوله وجبة الإفطار فاختنق ولفظ أنفاسه داخل الفصل الدراسي فى غياب المُعلمين.

وفقد الطالب إبراهيم عطية البالغ من العمر 18 عاماً حياته بإحدى المدارس الثانوية على يد زملاء له بعد تنمرهم عليه والشجار معه، وتعرض الطالب إلى إصابة بجرح قطعي في الرقبة على يد ثلاثة من زملائه، وحاول الضحية الدفاع عن نفسه إلا أن أحد الطلاب طعنه في الرقبة وسقط بعد أقل من 10 أمتار غارقاً في دمائه.

الطلاب الذين يعانون من مشكلات أسرية نتيجة انفصال الأبوين أو عدم تنشئتهم بالشكل السليم هم الأكثر عنفًا

ويعد الطلاب الذين يعانون من مشكلات أسرية نتيجة انفصال الأب أو الأم أو عدم تفرغهم للتعرف على تفاصيل حياتهم وتنشئهم بالشكل السليم الأكثر عنفًا داخل المدرسة، ولدى هؤلاء سلوكيات عدوانية مع أقرانهم خارج أسوار المدرسة، وفي بعض الأحيان تكون وسيلة التعامل معهم منعهم من دخول المدرسة، ما يتسبب في تفريغ طاقتهم السلبية بارتكاب جرائم عنف.

ومع انطلاق كل عام دراسي يطالب معلمون بضرورة متابعة سلوكيات الطلاب وتخصيص شهادة سلوكية بجانب التعليمية، ويكون لهم دور في تحديد مستقبل الطالب العلمي لتحفيزه على تقويم سلوكه، وضم عدد من التربويين وأساتذة علم النفس إلى لجان الرقابة على المحتوى الفني والإعلامي لقياس نواتج التعلم التي تؤثر على الطلبة.

وتغيب دراسة البيئة المحيطة بالمدرسة عن أدوات تقييم سلوكيات الطلاب، ويصطدم المجتمع المدرسي بارتكاب جرائم غير متوقعة في ظل غياب طرق تقويم تتماشى مع السلوك القويم، لأن بعض الحالات لا يكفي التعامل معها عبر الأخصائي النفسي أو الاجتماعي وتتطلب إعادة هيبة المعلم والمدرسة لتقويم سلوك الطلاب.

وأشار تقرير حقوقي أصدره ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان في القاهرة خلال سبتمبر الماضي إلى أن العنف المدرسي يهدد استقرار العملية التعليمية ومن أكبر المشاكل التي تواجه المجتمع، ما يتطلب اهتمام مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني والأسرة.

وأكد التقرير أن الظاهرة تتدخل فيها عدة أطراف، بدءا من سوء التربية داخل الأسرة والبيئة التي نشأ فيها الطالب وأساليب العنف التي يتبعها الآباء في حل أبسط المشكلات والقصور في العملية التعليمية لاكتساب أساليب الحوار ونبذ العنف، إلى عدم وجود رقابة من قبل الأسرة والمدرسة، فالمجتمع المدرسي أصبح مسرحا تمارس فيه السلوكيات العنيفة ويتعلم فيه الأفراد أنماطا مختلفة من هذا السلوك.

17