غياب التوافق على آليات التعامل مع الحكومة يتسبب في تصدعات للمعارضة المصرية

تحالف سياسي جديد من أجل التصدي للتصورات "الخاطئة" للحكومة.
الجمعة 2024/08/16
ما الذي يمكن أن تقدمه التكتلات الجديدة في ظل الانغلاق السياسي القائم

تعاني الحركة المدنية الديمقراطية في مصر من تصدعات كثيرة، فاقمتها الخلافات حول آليات التعاطي مع الحكومة والقوى السياسية الموالية لها، ويشي الوضع الراهن بأن الحركة تتجه نحو الاضمحلال لاسيما مع توجه العديد من قواها إلى الانسحاب وتشكيل تحالفات جديدة.

القاهرة - تواجه المعارضة المصرية مأزقا بعد أن وجدت نفسها بين خيارات مُرة بشأن استكمال التنسيق والحوار مع الحكومة والأحزاب القريبة منها، والذي تسبب في خلق شرخ جديد أصاب هيكلها الرئيسي الذي تمثله الحركة المدنية الديمقراطية.

وهدد حزب الإصلاح والتنمية بالانسحاب من الحركة المدنية، فيما أعلنت ستة أحزاب تدشين تحالف جديد يتبنى مواقف أكثر حدة من الحكومة.

وشكّل معارضون محسوبون على تيار اليسار أخيراً جبهة شعبية تحمل اسم “الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية – حق الناس”، بمشاركة أحزاب: الاشتراكي المصري، والعربي الديمقراطي الناصري، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب الشيوعي المصري، والكرامة، والوفاق القومي الاجتماعي.

ووجه التحالف انتقادات للسلطة، معتبرا أن ما تعانيه البلاد ليس مجرد أزمة اقتصادية فحسب، وإنما هي أزمة لها تشابكات معقدة، رافضا الاعتراف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث يرى التحالف الوليد أن روشتة الصندوق وضعت البلاد على “طريق خاطئ”.

وجاء تدشين التحالف على غرار ما سبق قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي حينما أعلنت مجموعة أحزاب ليبرالية تأسيس “التيار الحر”، كنتيجة مباشرة لخلافات نشبت حول الموقف النهائي من المشاركة في الحوار الوطني، وتنسيق المواقف مع الحكومة قبل الإفراج عن محتجزين طالبت الحركة المدنية بإطلاق سراحهم ضمن ضوابط أو شروط وضعتها للمشاركة في الحوار.

محمد أنور السادات: من المرجح أن تظهر تحالفات جديدة خلال الأيام المقبلة
محمد أنور السادات: من المرجح أن تظهر تحالفات جديدة خلال الأيام المقبلة

ويشير ذلك إلى أن اتخاذ قرارات مرتبطة بالقطيعة مع الحكومة أو توطيدها محل خلاف بين أحزاب تتفق فيما بينها على معارضة السلطة وتختلف في آلياتها، بين معسكر لديه إصرار على مواقفه السياسية، وآخر يفكر ببراغماتية تساعده على اتخاذ مواقف تخدم حضوره السياسي من خلال مد جسور حكومية، وهو ما تحقق في السابق عبر دخول أحزاب الإصلاح والتنمية والعدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي تحالفات مع أحزاب الموالاة الحكومية لدخول البرلمان.

واتخذت الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم في عضويتها 12 حزبا وعددا من الشخصيات العامة، قراراً بعدم الدخول في تحالفات مفتوحة مع أحزاب موالية للحكومة في انتخابات البرلمان العام المقبل، وقررت خوض الانتخابات بقوائم موحدة لكافة الأحزاب المنضوية داخلها، لأن الحكومة لم تُدخل تعديلات بعد على النظام الانتخابي الحالي بالقائمة المطلقة مع توصيات الحوار الوطني بالدمج بينها وبين القائمة النسبية.

ويرى مراقبون أن العلاقة بين المعارضة والحكومة محل توجس داخل التكتلات التي ترى أن هناك أحزابا تستفيد من الانفتاح على حساب أخرى متباعدة مع الحكومة، ما يخلق تباينا في الآراء قد ينتهي بانسحاب أحزاب وتشكيل تحالفات، فتدور المعارضة في فلك كيفية جمع أوراقها لمواجهة أحزاب موالية لها قدرة على التنظيم بشكل أكبر.

ولا ينفصل تاريخ العمل السياسي المعارض في مصر عن التعاون والتنسيق مع الحكومة في انتخابات وأحداث ووقائع سياسية مختلفة، وأن الانفصال عنها لا يصب في صالح المعارضة التي تعاني من عدم قدرتها على حشد دعم شعبي يجعلها في موقف قوة، كما أن وضعيتها الراهنة مع حاجتها إلى ملء الفراغ الذي تعانيه الساحة السياسية وعدم قدرتها على الحركة بشكل طبيعي يجعلها بحاجة إلى السير في مسارات التهدئة بدلاً من الصدام الذي لن يجذب لها جمهورا جديدا مع تراكم الخلفيات التاريخية للأحزاب المدنية ووقوعها في أخطاء عدة، والنظر إليها على أنها مقار خاوية لا تؤثر في الأوضاع العامة.

وقال رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات لـ”العرب” إن “عدم التوافق على التعاون مع الحكومة أو مقاطعتها أمر طبيعي في ظل عدم وجود ممارسة جادة للحقوق المدنية والسياسية، وإن التحالف الواحد يشهد اختلافات في وجهات النظر بشأن كيفية التعامل مع الاستحقاقات القادمة، أو فيما يخص العلاقة والتواجد في الحوار الوطني، ويعد ذلك أمرا طبيعيا مع اختلاف توجهات الأحزاب داخل الحركة المدنية، لكن في النهاية هناك رغبة في أن تبقى مظلة جامعة للمعارضة يمكن أن تخلق حواراً داخلها”.

محمد سامي: القطيعة مع الحكومة لا تخدم أحزاب المعارضة
محمد سامي: القطيعة مع الحكومة لا تخدم أحزاب المعارضة

وكان السادات طالب في بيان أصدره قبل أيام بأن يتم ترك الفرصة لأعضاء حزبه لتقرير القبول بالمشاركة في تحالف موحد بين أحزاب الحركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة أو التحالف مع أحزاب موالية للحكومة مثلما هو الوضع في انتخابات عام 2021 التي حصد فيها الحزب 9 مقاعد عبر تحالفه مع القائمة الوطنية التي ضمت عددا من أحزاب الموالاة، على رأسها حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية.

وأوضح السادات أن موقف حزبه الخاص بالمشاركة في الانتخابات بمثابة جرس إنذار للحركة كي تراجع مواقفها وسياساتها والبناء على المكاسب التي تحققت في السابق عبر الشراكة مع الحكومة في تحالفات انتخابية سابقة، وأن ذلك لا يعني أن الحزب أنهى علاقته بالحركة “والود مازال موجودا”.

وأكد السادات لـ”العرب” أن “تحقيق نتائج إيجابية عبر تشكيل تحالف موحد للمعارضة بحاجة إلى جهد كبير، وأمر يصعب حسمه في الوقت الحالي قبل ظهور قانون الانتخابات الجديد، والتعرف على تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد ماهية ضمانات نزاهة الانتخابات، وهي اعتبارات تساهم في تحديد شكل المشاركة”.

وتوقع أن تظهر تحالفات سياسية جديدة على الساحة خلال الأيام المقبلة قد لا تضم بالكامل أحزابا معارضة أو موالاة، وأن تأسيس أحزاب جديدة بتوجهات مختلفة يجري التنسيق له حاليا، ومن هنا قد تجد المعارضة سبيلاً أفضل للتحالف مع قوى تفصلها عن أحزاب الموالاة الرئيسية مسافات أكبر.

ويرجح متابعون أن تذهب الأحزاب التي أنهت علاقتها بالحركة المدنية الديمقراطية عقب انتخابات الرئاسة الماضية، وهي العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي وقد يكون معهما حزب الإصلاح والتنمية، إلى تشكيل تحالف جديد خاص بها مع أخرى على مسافة قريبة من الحكومة، ما يخلق وزنا سياسيا معارضا في منطقة وسط بين الحكومة والمعارضة التي تضغط عليها أحزاب اليسار.

وذكر الرئيس الشرفي لحزب الكرامة محمد سامي أن القطيعة مع الحكومة لا تخدم أحزاب المعارضة، ومن الطبيعي أن تحافظ على شعرة يمكن أن تساهم في إعادة التنسيق بشأن ملفات مجتمعية وسياسية واقتصادية، وليكن ذلك عبر التواصل المحدود، مشيرا إلى أن المعارضة قدمت العديد من المبادرات للتعاون مع الحكومة، بل إن هناك أحزابا عملت على أن تكون جزءاً منها في الانتخابات الماضية، وأن المبادرة الوحيدة التي جاءت من الحكومة تمثلت في الحوار الوطني الذي لم يصل إلى نتائج تشير إلى حرصها على عدم القطيعة مع المعارضة.

وأوضح سامي في تصريح لـ”العرب” أن “آمال المعارضة تراجعت بشأن الوصول إلى مرحلة الانفتاح السياسي الكامل عبر الحوار الوطني بعد ثلاث سنوات من انطلاقه، وهناك قناعة لدى أحزاب معارضة بأن الحكومة تعمل على ملاحقتها وتحجيمها بشكل مستمر”.

وأشار إلى أن حديث دوائر حكومية بشكل مستمر عن أهمية التنسيق مع المعارضة هو أمر إيجابي، بحاجة إلى إنجازات ملموسة على الأرض، لافتا إلى أن أحزاب المعارضة ليس لديها ما تخسره، وأن صيغ التعاون التي عُرضت بشأن التحالف مع أحزاب الموالاة في الانتخابات المقبلة “معيبة وانتقائية”، وحال حدوث تعديل إيجابي في قانون الانتخابات يمكن حينها فتح الباب للتشاور مجدداً حول المشاركة معها في قوائم انتخابية مفتوحة.

2