غضب في يافا: صراع عقاري أم تهجير جديد

تل أبيب- تثير التحركات الإسرائيلية لبيع عقارات قديمة تعود لفلسطينيين هاجروا من منازلهم في عام 1948 وعمليات تجديد للأبنية واسعة النطاق في مدينة يافا حالة من الغضب بين السكان العرب.
ويتهم السكان العرب في حي العجمي، وهو أشهر وأقدم الأحياء التاريخية في مدينة يافا، الحكومة الإسرائيلية بالعمل على دفعهم لترك منازلهم لإفساح المجال لإسرائيليين للسكن في أماكنهم ضمن خطط معلنة تهدف إلى جعل المدينة منطقة للأثرياء فقط.
واندلعت توترات الأسبوع الماضي في يافا على خلفية تحركات إسرائيلية لبيع أملاك الغائبين، واتهم السكان العرب السلطات المحلية بإذكاء الصراع القومي عبر طرح مناقصات لبيع تلك المنازل.

تحركات إسرائيلية لبيع أملاك الغائبين
وتعرض حاخام مدرسة دينية في حي العجمي ذي الأغلبية العربية لاعتداء من قبل اثنين من السكان العرب أثناء زيارته لشقة للبيع.
وقالت شركة عميدار، وهي شركة إسكان عامة تدير المباني المستهدفة بالبيع، إنه لا توجد نية لطرد الناس. وأضافت أن “العقارات معروضة للبيع أولا للمستأجرين بخصم كبير وبتوجيهات مهنية” ومعظمها يشتريها السكان.
وقبل قيام إسرائيل في العام 1948، كانت يافا مدينة ذات أغلبية عربية يسكنها حوالي 100 ألف نسمة. وخلال الحرب المحيطة بإقامة إسرائيل، فر عشرات الآلاف من السكان الفلسطينيين أو أجبروا على ترك منازلهم.
وبموجب قانون أملاك الغائبين لعام 1950، صادرت الحكومة الإسرائيلية الجديدة الآلاف من الممتلكات الفارغة وسلمتها لشركات الإسكان العامة التي تديرها الدولة. وانتهى المطاف بالعديد من الفلسطينيين الذين بقوا في يافا في هذه الممتلكات.
ومنذ عام 2011، دفعت الحكومة الإسرائيلية لبيع هذه العقارات لتطوير المزيد من المساكن. وعلى الرغم من منح شاغليها فرصة لشراء هذه المنازل، إلا أن الأسعار غالبا ما تكون مرتفعة للغاية، مما يجبر العديد من السكان القدامى على المغادرة.
ولا يستطيع العديد من السكان ذوي الدخل المنخفض شراء منازلهم. وقد تم شراء العديد من العقارات من قبل المطورين، مما أدى إلى إجبار السكان العرب من ذوي الدخل المنخفض على المغادرة.
وقال إبراهيم الترتير، أحد سكان يافا “تسعون في المئة من الناس هنا بالكاد يكسبون لقمة العيش، ليس لديهم ما يكفي من الطعام. وبالنسبة إلى الشاب الذي يتطلع إلى الزواج، فإن الإيجار يبلغ 5 أو 6 آلاف شيكل (1800 دولار)، لا يشمل الماء والكهرباء والباقي. وكم يتقاضى هو في الشهر؟ 6 آلاف في الشهر. كيف يمكن أن يعيش إذن؟”.
الشباب العرب في يافا ليس لديهم مكان يذهبون إليه، ويواجهون التمييز في المدن المجاورة التي تقطنها أغلبية من اليهود
وخضعت منطقة الميناء التاريخي في يافا، وهي موطن لحوالي 20 ألفا من السكان العرب، من السكان الفلسطينيين الذين عاشوا في منازلهم قبل إنشاء إسرائيل في العام 1948، لعملية تجديد واسعة النطاق في العقود الأخيرة بتشجيع من الحكومة.
وتسارعت الخطط الحكومية في السنوات الماضية في يافا حيث ارتفعت أسعار العقارات وسط زيادة الطلب. ومع انتقال الأثرياء الإسرائيليين والأجانب من مناطق أخرى من تل أبيب إلى يافا، تم طرد سكانها العرب من الطبقة العاملة. وقد أدى ذلك إلى إضافة توترات عرقية إلى ظاهرة اقتصادية مألوفة في مدن أخرى حول العالم.
وقال يوسف مشهراوي، وهو من سكان يافا وأستاذ العلاج الطبيعي في جامعة تل أبيب “لقد وصلنا إلى نقطة حيث لا يستطيع العرب شراء منازل إلا إذا كانوا أثرياء للغاية”.
وأضاف أن الشباب العرب في يافا ليس لديهم مكان يذهبون إليه، وغير قادرين على تكوين أسر في مسقط رأسهم ويواجهون التمييز في المدن الإسرائيلية المجاورة التي تقطنها أغلبية كبيرة من اليهود.
وتقول وكالة أسوشيتد برس في تقرير مطول حول الحادثة إن التوتر بدأ يصل إلى نقطة الانهيار في مدينة يافا بعد الأحداث الأخيرة التي أصيب فيها الحاخام موشيه شندوفيتش مدير مدرسة ميريم بيافو وهو مستوطن سابق في الضفة الغربية وكان مرتبطا رسميا بعطيرت كوهانيم وهي مجموعة تستولي على ممتلكات عربية في القدس لإسكان المستوطنين اليهود.

السكان العرب يتهمون السلطات المحلية بإذكاء الصراع القومي عبر طرح مناقصات لبيع تلك المنازل
وأشعل الحادث الأخير الكثير من الغضب في المدينة حيث واجه السكان العرب والمؤيدون اليهود المتظاهرين اليهود القوميين، وتحولت المظاهرات إلى اشتباكات مع الشرطة.
وأدان رئيس بلدية تل أبيب، يافا رون هولداي العنف، لكنه أصر على أن “ما نراه ليس صراعا قوميا بين اليهود والعرب”. وأضاف “أنه نتاج إحباط مستمر لجيل كامل من يافا لا يستطيع الاستمرار في العيش هناك”.
وقال عبد أبوشحادة عضو مجلس مدينة تل أبيب من يافا، إنه في حين أن هذا هو الحال في جميع أنحاء البلاد، فإن التطوير السريع في يافا ليس مجرد قضية ثري ضد فقير، مؤكدا أن “وراءها خلفية وطنية وهي جزء من الصراع”.
وبينما يحاول البعض نزع الطابع السياسي عن القضية، قال “إنها أكثر من مجرد حرب طبقية. هناك توتر سياسي عميق الجذور يحدث في نفس الوقت، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حل عادل ومتساو”.
وكتب منظمو الاحتجاج الأخير على فيسبوك أن “الطرد الاقتصادي والترميم الذي يدفع الجالية العربية، وكذلك السكان اليهود الفقراء، خارج المدينة من أجل صفقات عقارية يستمر في ما بدأ في عام 1948”. كتب على جدران المدينة بالعبرية والعربية “يافا ليست للبيع”.
ودعا مشهراوي، الأستاذ المولود في يافا، إلى بناء مساكن ميسورة التكلفة للشباب العرب في يافا. وقال إنه عازم على الصمود في وجه موجة التغيير المتصاعدة، مؤكدا في الوقت نفسه أنه لن يغادر المدينة “حتى لو سأموت في نهاية المطاف داخل غرفة صغيرة. هذا بيتي وهذه طريقتي في الحياة”.