غضب شعبي على الدبيبة بسبب قرار حلّ قوة الردع يقابل بتأييد المحكمة الجنائية الدولية

يخيّم الغضب الشعبي على المشهد السياسي والأمني في ليبيا، إثر قرار عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها حلّ جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، وسط تأييد المحكمة الجنائية الدولية للخطوة.
أثار قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة بحلّ جهاز قوّة الردع، غضبا شعبيا، باعتباره تسبب في اندلاع اشتباكات عنيفة بالعاصمة طرابلس، في المقابل، ساندت المحكمة الجنائية الدولية القرار، واصفة إياه بالمهم في هذه المرحلة. واعتبر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أن القرار الذي صدر عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بشأن حل جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، بالغ الأهمية خلال هذه المرحلة.
وأفاد خان في إحاطته نصف السنوية التي قدمها الخميس إلى مجلس الأمن الدولي حول عمل المحكمة الجنائية الدولية على الحالة في ليبيا “نشيد بقرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية بحل جهاز الردع ونعتبره بالغ الأهمية خلال هذه المرحلة.” وتسبب القرار الذي صدر خلال الأيام الماضية في اندلاع اشتباكات عنيفة بين المجموعات المسلحة في طرابلس ليل الثلاثاء – الأربعاء، بعدما رفض جهاز الردع تنفيذ القرار كونه تابعا للمجلس الرئاسي.
ودعا ناشطون محليون إلى الخروج في مظاهرات حاشدة والاحتجاج في الشوارع والميادين، إلى حين الإطاحة بالحكومة، فيما خاطب 38 عضوا من مجلس الدولة رئيسي مجلسي النواب والدولة بضرورة تجاوز حالة الجمود السياسي، وإنهاء الانقسام، وأكدوا أن استمرار انقسام السلطة التنفيذية يمثل عائقا أمام أيّ مسار نحو الاستقرار ويُبقي البلاد في حالة من التوتر والفوضى، داعين إلى التحرك العاجل لتشكيل حكومة موحدة تدير البلاد، وتهيئ الانتقال إلى مرحلة دائمة من الشرعية والاستقرار.
وطالب عمداء 52 بلدية بالمنطقة الغربية طالبوا بتسمية رئيس حكومة جديد، على أن تتولى الحكومة الجديدة زمام الأمور لإنقاذ البلاد من حالة الاقتتال التي تشهدها العاصمة طرابلس.
وقال عمداء البلديات في بيان مشترك، إن ما تتعرض له العاصمة طرابلس من غزو واستباحة وتعريض أمن مواطنيها وممتلكاتهم إلى النهب والسرقة، من قبل ميليشيات تتبع حكومة منتهية الولاية، هو جرس إنذار خطير، ويمثل تهديدا مباشرا لوحدة الوطن واستقراره، ودعوا جميع المكونات الاجتماعية والسياسية والشبابية إلى انتفاضة شعبية ضد حكومة الوحدة، التي استخفت بدماء أبناء العاصمة، وباعت تراب ليبيا للاحتلال الأجنبي، وجلبت المحتل إلى القواعد الليبية، التي أصبحت تحت وطأة المحتل الغازي.
◙ عمداء 52 بلدية بالمنطقة الغربية طالبوا بتسمية رئيس حكومة جديد، على أن تتولى الحكومة الجديدة زمام الأمور لإنقاذ البلاد
ويرى مراقبون أن المجلس الرئاسي رفع الغطاء السياسي عن حكومة الوحدة عندما قرر رئيسه محمد المنفي تجميد القرارات الصادرة عن الدبيبة المتعلقة بالأمور العسكرية والأمنية، والخاصة بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، أو تكليف أشخاص بمهام عسكرية، وفي مقدمتها حل جهازي دعم الاستقرار والردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ووجه المنفي في قراره بوقف إطلاق النار وقفا شاملا في جميع المناطق، على أن تلتزم جميع الوحدات العسكرية بالعودة إلى مقارها فورا دون قيد أو شرط، فيما تتولى رئاسة الأركان العامة مراقبة وتقييم الأوضاع والإبلاغ عن أي خروقات وتحديد المسؤوليات على من يخالف القرار.
وتنص المادة الثالثة من قرار المنفي على تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن الأحداث ابتداء من يوم الاثنين الماضي، وما ترتب عليها من أضرار بالملكية العامة والخاصة، وأسند رئاستها إلى رئيس الأركان الفريق محمد الحداد الذي نأى بنفسه عن الأحداث الأخيرة وتحاشى التورط فيها بسبب عدم موافقته عليها من الأول وفق ما أكدته مصادر قريبة منه.
واعتبر الدبلوماسي السابق محمد شعبان المرداس أن أهالي طرابلس قرروا العصيان المدني ولم يذهب أحد منهم إلى العمل رغم توسلات الحكومة، فيما أكد عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط أن حكومة الدبيبة فقدت شرعيتها القانونية والسياسية والأخلاقية بإشعالها حرب شوارع في العاصمة طرابلس، واحتجازها نحو 3 ملايين مواطن كرهائن في سبيل وهم “الخلود في السلطة.”
ورأى رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة لحكومة البرلمان محمد عمر بعيو أن الأحداث في طرابلس التي أعقبت “ليلة الغدر بعبدالغني الككلي” والانهيار “المفاجئ والمؤقت” لجهاز دعم الاستقرار، كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت نيران الغضب الشعبي وأنهت سيطرة الدبيبة. وأضاف بعيو أن من وصفهم باللصوص المسلحين الذين قاموا بأعمال النهب في “أبوسليم”، هم من أطلقوا “الرصاصات الأولى على صدر حكومة عائلة الدبيبة.” وتفاقم الوضع سوءا باقتحام معيتيقة وإنهاء جهازي الردع والشرطة القضائية، مردفا أن هذه القرارات الخاطئة أدت إلى “خسارة وهزيمة” حكم الدبيبة.
ودعا المحلل السياسي أحمد السوكني سكان طرابلس إلى ملاحقة الدبيبة أمام القضاء الدولي، وقال “على أهالي طرابلس الذين فقدوا أهاليهم جراء هذه الحرب القذرة تقديم دعوة جنائية ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع.” واعتبر محللون محليون أن أحداث طرابلس كشفت عن الوجه القبيح لميليشيات الحكومة التي استغلت حالة الفوضى لنهب الأملاك العامة والخاصة ومنها محلات الذهب والفضاءات التجارية ومعارض السيارات وغيرها، وأن الاعتداءات طالت كل شيء بما في ذلك حديقة الحيوانات في أبوسليم، بحيث تم التعامل مع كل ما هو موجود في الحي الشعبي الكبير وسط العاصمة على أنه غنيمة حرب بعد مقتل الككلي.
وأبرز نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق عبدالحفيظ غوقة أن ما حدث في طرابلس لا يمكن احتواؤه عبر ما وصفه بمعالجات الضحك على الذقون من بيانات وتجميد قرارات أو تشكيل لجان تحقيق، وشدد على أن الحل الوحيد لما جرى في العاصمة طرابلس هو رحيل الحكومة الفاشلة والفاسدة، على حد وصفه، ومحاسبة رئيسها جنائيا على الجرائم التي ارتكبت، مردفا “سيكون من العار استمرار رئيس هذه الحكومة في منصبه ولو ليوم واحد بعد ما حدث في طرابلس من قتل ودمار،” معتبرا أن استمرار حكومة الدبيبة يشكّل إهانة لدماء الضحايا والمواطنين.
واستنكرت بلدية جنزور أحداث طرابلس معربة عن تضامنها مع سكان البلدية المتضررين، ودعت الجهات المعنية إلى فتح تحقيق عاجل ومحاسبة المتورطين في زعزعة الأمن والاستقرار، مطالبة كافة الأطراف بتحكيم لغة العقل وتغليب مصلحة الوطن فوق أيّ اعتبار.
◙ أحداث طرابلس كشفت عن الوجه القبيح لميليشيات الحكومة التي استغلت حالة الفوضى لنهب الأملاك العامة والخاصة
وأدان مجلس حكماء وأعيان طرابلس المركز بشدة ما وصفه بالحرب العبثية في شوارع العاصمة، وحمّل المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة ورئاسة الأركان وجميع الأطراف المتصارعة مسؤولية حماية أرواح المدنيين، مشددا على سحب جميع التشكيلات المسلحة تحت أيّ مسمى خارج طرابلس، مناديا باتخاذ موقف حازم وواضح في رفض الحرب وإخراج التشكيلات المسلحة من وسط العاصمة
ورفضت مكونات من سوق الجمعة ما سمّوه بـ”العدوان الظالم” على طرابلس، وأكدت وقوفها ودعمها لقوة الردع والمساندين لها، مشيرة إلى أن تصرفات الحكومة “غير المسؤولة” خرقت السلم الاجتماعي، وأسقطت شرعية وجودها في السلطة، مطالبة بإسقاط الحكومة التي لم يعد لديها أيّ مبرر للاستمرار في تسيير أمور الدولة، بحسب وصف البيان.
وقال “حراك زليتن من أجل الوطن” إنه يتابع بقلق الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في طرابلس وما صاحبها من إزهاق للأرواح وترويع للمدنيين ودمار للممتلكات العامة والخاصة، وإنه يدين هذه الأعمال العبثية التي تغرق الوطن في المزيد من الفوضى، محملا حكومة الوحدة المسؤولية الكاملة تجاه ما يحدث نتيجة لفشلها في ضبط الأمن وفرض القانون.
وفي الأثناء لا تزال حادثة اغتيال قائد جهاز الردع عبدالغني الككلي تلقي بظلالها عل المشهد العام في ليبيا، وقال أهالي وأعيان ومشايخ مدينة ككلة في بيان إنه تم استدراج الضحية إلى مقر اللواء 444 تحت ذريعة اجتماع أمني بعلم الدبيبة والأجهزة الأمنية، وأضافوا “نحمّل عبدالحميد الدبيبة كامل المسؤولية عن مقتل عبدالغني الككلي ونطالبه بتوضيح الأمر للرأي العام،” مطالبين بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة للكشف عن الحقائق والمتورطين في هذه الجريمة.
كما توعد جهاز دعم الاستقرار بملاحقة قاتلي قائده عبدالغني الككلي ورفاقه، معتبرا أن ما حدث يمثل “انتهاكا صارخا لكل القيم الإنسانية والوطنية،” وشدد في بيان على أن هذا “العمل لن يزيده إلا إصرارا على ملاحقة المتورطين فيه، أينما وجدوا، ودون هوادة،” مضيفا أن الجريمة كشفت “المعدن الحقيقي لمن يقفون خلفها ونواياهم العدائية تجاه الوطن وأبنائه.”