"غصون في الوحل" شريط يومي عن حياة المرأة الخليجية العاملة

يقترح المسلسل الخليجي "غصون في الوحل" على مشاهديه قصة جديدة ومختلفة عن أثر القسوة والتربية السيئة في نفوس البعض، ما ينعكس على سلوكياتهم في المستقبل وتقبلهم لأنفسهم ولمن حولهم.
يطالعنا المخرج السعودي محمد دحام الشمري بأول أعماله الدرامية في العام 2019 من خلال مسلسله المعروض حاليا على قناة “إم. بي.سي”، والمعنون بـ”غصون في الوحل” للكاتبة منى النوفلي. وتشارك في المسلسل نخبة من نجوم ونجمات الخليج على رأسهم الفنانة العراقية هدى حسين، ومن البحرين تشارك كل من أميرة محمد وريم أرحمة ولطيفة المجرن، ومن الكويت يشارك الفنانون محمد الرشيد وفوز الشطي وعبدالله الطراروة وعبدالله السيف وعلي الحسيني وأحمد الهزيم والفنانة الشابة سارة القبندي.
امرأة تعيسة
الشخصية الرئيسية في مسلسل “غصون في الوحل”، هي شخصية غصون التي تجسدها الفنانة هدى حسين، وهي سيدة أربعينية فاتها قطار الزواج، تتسم غصون بشخصية غريبة الأطوار في مظهرها وسلوكها أيضا، هي امرأة لا تطيق رؤية السعادة في عيون الآخرين، ويحترق قلبها حين تطالع أي علاقة سوية بين زوجين فتسعى لتخريبها.
وتصف غصون حياتها في بداية المسلسل من خلال صوت الراوي بالتعيسة، وأنها مجرد غصن جاف في مهب الريح، فجميع أهلها قد رحلوا، وتعاني من الوحدة والتعاسة اللتين فُرضتا عليها نتيجة لهيئتها القبيحة. وتعمل غصون في إحدى المصالح الحكومية التي تصفها بأنها مركز للعوانس والزوجات التعيسات، وأنها أكبر تجمع نسائي للمحبطات على وجه الأرض.
غصون امرأة لا تطيق رؤية السعادة، ويحترق قلبها حين تطالع أي علاقة سوية بين زوجين فتسعى لتخريبها
وسرعان ما نعرف السر الذي ملأ قلب غصون بكل هذا الحقد والكره تجاه الناس حين نتعرف على خلفيتها الاجتماعية من خلال لقطات الفلاش باك التي يوظفها المخرج جيدا عبر الحلقات، رابطا في ما بينها وبين عدد من التفاصيل والأحداث الآنية.
وتساعدنا مشاهد الفلاش باك للتعرف على الدوافع الحقيقية التي حولت غصون إلى هذا الكائن المشوه الكاره للحياة والسعادة في عيون الناس، إذ أنها عانت كثيرا في طفولتها من قسوة والديها، ما حولها إلى كيان كاره للحياة وللناس وحتى لنفسه.
المسلسل من جهة أخرى يعد سيرة درامية لمعاناة المرأة العاملة، إذ تطالعنا مجموعة من نماذج المعاناة والتضحيات التي تتكبدها المرأة العاملة في سبيل الحفاظ على أسرتها والمشاركة في بناء مستقبلها.
وأقسى ما يمكن أن تواجهه المرأة العاملة حين تجد نفسها في مواجهة الحياة بمفردها دون عائل، أبرز النماذج على هذه المعاناة تتمثل في شخصية روان التي تؤديها الفنانة البحرينية ريم أرحمة، وهي امرأة تخلى عنها زوجها لأنها أنجبت له طفلا مصابا بمرض “أعراض داون”.
وتسلط شخصية روان الضوء على حقيقة تقبل المجتمع للأطفال المعاقين وضرورة الكشف المبكر عن الأمراض من هذا النوع، ويستعين المسلسل بطفل يعاني بالفعل من أعراض داون.
ومن أكثر المشاهد قسوة في المسلسل مشهد الأب وهو يشيح بناظريه متقززا عن الطفل قائلا لزوجته إنه ليس ولده، بل ابنها هي، معتبرا أنها قد أذنبت حين فضلت الاحتفاظ به رغم علمها بإمكانية إصابة جنينها بهذا المرض.
تعاني بقية الشخصيات في المسلسل من تسلط غصون، وهي رئيستهم في العمل، والتي لا تترك فرصة لإلحاق الأذى بإحداهن إلاّ وأقدمت عليها.
الفنانة لطيفة المجرن تؤدي هنا دور شريفة وهي أقدم الموظفات في المكتب، وهي امرأة في الستين ومتزوجة من أبوعبدالله (أحمد الهزيم) وهما يعيشان معا في انسجام وتوافق حتى تتدخل غصون للوقيعة بينهما. أما ابتسام التي تؤدي دورها الفنانة أميرة محمد فهي فتاة تجتر ذكريات حبها لجارها فارس الذي انفصل عنها لأسباب غير معروفة وتزوج بأخرى.

شخصيات مأزومة
تعاني ابتسام من آلام مزمنة في الظهر ما يدفعها إلى مداومة الانقطاع عن العمل، وهو ما دفع غصون إلى الوقيعة بها عند رؤسائها وتتمكن في النهاية من إقالتها.
وتتفرغ ابتسام في ما بعد للعمل في مشروعها الخاص بمساعدة فارس، ويتقدم للعمل معها فهد (عبدالله الطراروة) وهو شاب كويتي يقبل العمل مقابل أجر بسيط نظرا لصعوبة أحواله المعيشية كما يخبرها.
مع الوقت تتعلق ابتسام بهذا الشاب حتى تكتشف في ما بعد مفاجأة تغير من حساباتها تجاهه، فالشاب لم يكن فقيرا كما أخبرها، بل هو شاب ميسور الحال لكنه يعاني من اكتئاب مزمن، وقد لجأ للعمل في هذه الوظيفة عملا بنصيحة طبيبه النفسي، وتتعقد الأمور حين تقع شقيقة ابتسام (سارة القبندي) في حب فهد.
أما أكثر الموظفات تعرضا للأذى على يد غصون فهي بدرية (فوز الشطي)، فحين تعلم غصون بخلافها مع زوجها تستغل ذلك أسوأ استغلال وتوهم زوج بدرية بخيانة زوجته حتى يطلقها في النهاية ويحرمها من أبنائها الصغار.
وتدخل على خط الأحداث هنا شخصية جديدة، وهي شخصية خالد الموظف الجديد التي يؤديها الفنان محمد الرشيد، وهو في نفس الوقت على معرفة قديمة بغصون، تحاول غصون استمالة خالد إليها، فتغير من مظهرها وسلوكها مع الموظفات، ما يؤدي إلى مجموعة من المفارقات الطريفة، لكن سرعان ما تعود غصون إلى طبيعتها الشريرة مرة أخرى حين تكتشف العلاقة التي بدأت تتشكل بين خالد وبدرية.
الأدوار جميعها اتسمت بالاتزان، حتى هذه المبالغات القاسية التي اتسم بها دور هدى حسين كانت متسقة مع طبيعة الشخصية غير السوية التي تؤديها، وهي شخصية ذات ملامح خاصة استطاعت حسين تقمصها ببراعة، ويحسب لها أنها خاضت تلك التجربة من دون ماكياج تقريبا طوال الحلقات التي تم عرضها حتى الآن.
ومن بين الأدوار تميز دور ريم أرحمة على نحو خاص، كما شهد المسلسل عودة الفنان محمد الرشيد بعد غياب سنوات عن الدراما التلفزيونية.
أحداث المسلسل مرشحة للكثير من المفاجآت والتصاعد وهو ما سيتضح خلال الحلقات المتبقية منه، ومع ذلك لا يخلو مسلسل “غصون في الوحل” من الافتعال الزائد في بعض المواقف والأحداث، كهذه العلاقة السريعة التي نشأت بين إلهام وفهد من دون مبرر مقنع.
مسلسل “غصون في الوحل” هو أحد الأعمال الدرامية التي تستحق المشاهدة، ونأمل أن تستمر بقية حلقاته على هذا النحو من الآداء.