غسان سلامة يرسم سكة السلامة

الغائب في خطاب سلامة، كان الفاعل الإقليمي والدولي الذي لم يشر إليه الوسيط الدولي واكتفى بخطوط عريضة للدور الوظيفي لاجتماع باليرمو في إيطاليا.
الاثنين 2018/11/12
صورة قاتمة للمشهد في ليبيا

رسمت إحاطة المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة، حول الأوضاع في البلاد والتي قدمها نهاية الأسبوع الماضي، رسمت صورة قاتمة للمشهد الليبي ولأفق السلام الذي يبدو اليوم أبعد ما يكون عن التحقق عسكريا أو سياسيا، رغم كثرة اللقاءات والاجتماعات الإقليمية والدولية.

ولن نجانب الصواب إن قلنا إن مأسسة الحرب والفوضى وهامشية التسوية والسلام مثلت الخيط الناظم لكلمة سلامة التي ألقاها أمام أنظار مجلس الأمن الدولي.

فلا أفق لأن تضع الحرب أوزارها في ليبيا طالما أن الحرب على الموارد النفطية مستمرة بين أمراء الفوضى والميليشيات، وطالما أنّ في ليبيا من الغنائم ما يسيل لعاب العصابات المسلحة، وأي جهد إقليمي أو دولي لا يركّز على إنهاء حروب الميليشيات فهو جهد لا ثمار له ولا طائل منه.

ولا هدوء في ليبيا، جزئيا أو كليا، طالما أنّ العاصمة طرابلس لا تزال تعاني من حكم الميليشيات ومن هوان وضعف المجلس الرئاسي، والذي يبدو دون آمال الليبيين في الحكم والحوكمة والتحكيم.

خلال كلمته التي انتظرها الكثير من الرأي العام المتابع للشأن الليبي، أصاب سلامة في العديد من النقاط وأخطأ في الكثير منها أيضا. فإلقاء المسؤولية على مجلس النواب في عدم الإيفاء بتعهداته دونه العديد من الدقة، لا فقط لأنّ المسؤولية السياسية والاعتبارية والقانونية يتحملها سوية مجلس النواب والمجلس الرئاسي المعترف به دوليا، بل أيضا لأنّ الاستقالات والغيابات التي يعرفها المجلس من الأعضاء القريبين من الرئاسي جعلته عاجزا عن تأمين وظائفه التشريعية.

ليس في الأمر دفاع عن مجلس النواب الذي يعاني من هوان هيكلي وبنيوي وضعف في مستوى الأداء لا يخطئه مراقب، ولكن الحقيقة أنّ حالة الاستعصاء التي يعرفها المشهد الليبي حاليا تتقاسم مسؤوليته كافة الأطراف الليبية دون استثناء.

الغائب في خطاب سلامة، كان الفاعل الإقليمي والدولي الذي لم يشر إليه الوسيط الدولي واكتفى بخطوط عريضة للدور الوظيفي لاجتماع باليرمو في إيطاليا.

وكم وددنا أن يضع سلامة إصبعه على الدور الأجنبي المخرب في ليبيا، وأن يكشف حقيقة الإسهام السلبي للكثير من العواصم الإقليمية وعلى رأسها باريس وروما حيث تخوض العاصمتان مكاسرة سياسية وعسكرية واقتصادية على أرض ليبيا، وما كان للميليشيات أن تستقوي على السلطات المحلية أو أن ترسي حكمها دون إسناد من الكثير من الدول الإقليمية التي تقاسم العصابات خراج النفط ومخرجات النفوذ.

القارئ لخطاب سلامة يلاحظ أنّ السفير سئم من الاجتماعات الإقليمية والدولية ومن مسلسل العلاقات العامة الذي لا ينتهي، ومن النفاق الذي تبديه الكثير من العواصم الغربية المتدخلة في الشأن الليبي فيما فرص السلام والتسوية تُهدر بشكل يومي على أنقاض أشلاء الليبيين الذين يذهبون يوميا ضحية لاحتراب الميليشيات ولفوضى السلاح.

وضع سلامة لاجتماع باليرمو سقفا وإطارا. فأما السقف فهو التفاهم لتنفيذ خارطة الطريق المتمثلة في اجتماع المؤتمر الوطني الليبي بداية العام القادم وإجراء انتخابات عامة في ربيع 2019. وأما الإطار فهو ضرورة التوصل إلى حل عسكري يعيد تأميم وتعميم الثورات الباطنية على الشعب الليبي وإبعاد أمراء الحرب عن مصادر المال والطاقة.

بهذه المسلكية يكون سلامة قد حدد لاجتماع صقلية إطار العمل وسقف المُخرجات، رافعا الفيتو الأممي عن أي مشاريع حلول أخرى تُعطل الانتخابات أو تُرحلها إلى المجهول في الزمان والمكان. ويبدو أنّ الرجل لم يعد يثق في الفاعلين السياسيين والعسكريين في ليبيا، ولا في رغبتهم في إجراء انتخابات عامة تعيد توزيع الشرعية للطبقة السياسية في ليبيا وتعيد تذكيرهم بوحدة الأرض والسيادة.

يظنّ سلامة أنّ ليبيا لا تحتاج إلى مشاريع سلام بقدر ما هي في حاجة إلى إلزام كافة الفرقاء بخارطة السلام المرسومة وبدفعهم دفعا إلى الانخراط فيها دون أي تأخير قد تكون تكلفته باهظة على مستقبل العباد والبلاد.

هنا يتقاطع الوسيط الدولي مع المقاربة التونسية التي كثيرا ما عبرت عن امتعاضها من التسويف الحاصل من قبل كافة الفرقاء، ومن قبولهم بمبدأ تقاسم الغنائم وتقسيم الجغرافيا على الاحتكام إلى الشرعية الانتخابية وصوت الصندوق.

9