غازي الشواشي: حكومة المشيشي مهددة بمصير سابقتها

من المقرر أن يختار حزب التيار الديمقراطي أحد أبرز الأحزاب في تونس، والذي يتمتع بقاعدة شعبية جيدة منذ تأسيسه أعقاب ثورة يناير 2011، في أكتوبر الجاري خليفة لأمينه العام المستقيل محمد عبو وأن يعيد ترتيب أوراقه بعد تجربته الأخيرة في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة، وفي حواره مع “العرب” أكد غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية في الحكومة السابقة وأحد أبرز الوجوه المرشحة لخلافة عبو أن حزبه سيواصل محاربة الفساد وإثارة القضايا التي سبق وأن أثارها الأمين العام المستقيل، متوقعا مصيرا مشابها لحكومة هشام المشيشي في ظل انتهاج حركة النهضة وحلفائها في الحكم سياسة الابتزاز: إما حكومة على المقاس أو التلويح بإسقاطها.
تونس – يعيد حزب التيار الديمقراطي ترتيب بيته منذ إعلان أمينه العام محمد عبّو الاستقالة. ويتجه الحزب لعقد اجتماع موسّع خلال شهر أكتوبر بهدف اختيار خليفة عبّو، وتقييم تجربة الحزب بعد المشاركة في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة، حيث شغل عبّو منصب وزير الدولة للوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، كما شغل غازي الشواشي، أكثر المرشحين لمنصب الأمين العام للحزب، منصب وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية في حكومة الفخفاخ.
التقت “العرب” غازي الشواشي، الذي شغل منصب الأمانة العامة لمدة ثلاث سنوات (2016 – 2019) للحديث عن مستقبل الحزب وعودته إلى مربع المعارضة، وكيف سيتعامل بشكل خاص مع قضايا الفساد التي سبق وأعلن عنها محمد عبّو واتهامه لحركة النهضة بـ”تبييض الأموال”.
ويؤكد الشواشي أن حزبه سيواصل محاربة الفساد وإثارة القضايا التي سبق أن أثارها الأمين العام المستقيل وهو ملتزم بتبني هذه القضية، وهي في تقديره أحد شروط الدولة القوية والعادلة.
ويرى أن الفساد هو عنوان يجب على كل طرف أن يتبناه (رئاسة الجمهورية والبرلمان والأحزاب).
ويعتقد أن “الجميع يجب أن يساهم في هذه الحرب، وعلينا الاعتراف أنها حرب طويلة الأمد”. ويتابع “لا نريد أن يتحول هذا الشعار (الحرب على الفساد) إلى أصل تجاري لدى حزب التيار، بل نريده أصلا تجاريا لدى الحكومات ولدى الشعب.. الجميع يتبنى هذا العنوان حتى نرسخه كثقافة لدى المواطن”.
وفي معرض رده عمّا إذا كانت حكومة الفخفاخ قد وضعت أرضية للحرب على الفساد، خاصة في القطاعات الحيوية مثل وزارة أملاك الدولة التي كان على رأسها، يؤكد الشواشي أن “الإرادة والرؤية كانتا موجودتين حتى نقوم بالإصلاحات الكبرى ومن ضمنها محاربة الفساد”.
ويتابع “قررنا أن نحارب الفساد بما يليق بدولة ديمقراطية متطورة وقدمنا مشاريع قوانين وصادقنا على مراسيم لإضفاء شفافية أكثر على المعاملات والمحاكمات وضمن عديد القطاعات، كما اقترحنا الترفيع في العقوبة على كل من يخالف القوانين”.
وبخصوص تجربته على رأس وزارة أملاك الدولة قال الشواشي “أصدرنا أوامر حكومية في هذا الاتجاه وفتحنا العديد من الملفات في اتجاه محاربة الفساد والتأسيس لحكومة رشيدة وتكريس الشفافية”، مستدركا “لكن المدة كانت قصيرة جدا والتي تزامنت مع أزمة الوباء وأزمة الحكومة، وهو ما كان عائقا أمام مواصلة جهودنا”.
ويلفت إلى أن “مهمة الوزير ليست التسيير فقط، بل إضفاء نقلة نوعية تتجسد في الإصلاح والمراجعة الهيكلية وحسن توزيع المهام والتعيينات”، وهي برأيه “مهمة الشخصيات السياسية التي حظيت بثقة صناديق الاقتراع. وهم من بوسعهم القيام بذلك وهم يقودون بالفعل معارك الإصلاح، وليس التكنوقراط”، على حد وصفه.
من جهة أخرى، يرى الشواشي أن مصير حكومة المشيشي لن يكون أفضل من مصير سابقتها إذا خضعت لشروط حركة النهضة وحلفائها. ويقول عن ذلك “النهضة مارست لعبة خبيثة جدا للحفاظ على مصالحها، وهو ما عطل سير عمل حكومة الفخفاخ، ولم تسمح لها بالعمل بأريحية رغم الثقة التي تحصلت عليها”.
وأبدى الشواشي شكوكه في نجاح حكومة المشيشي “التي قد يسرّع أداؤها المرتجل بسقوطها”، فهي “دون رؤية أو مشروع وبتركيبة مخضرمة وقع التصويت لها من قبل الأحزاب دون قناعة لابتزازها في مرحلة قادمة وفي إطار تصفية حسابات بين الرئاسة والبرلمان”.
ويرى أن تجربة التيار الديمقراطي مع الحكومة كانت مفيدة وإن كانت لفترة قصيرة. وتحدّث عن تعمّد أطراف سياسية (حركة النهضة وحلفاؤها) تعطيل عمل الحكومة لفرض أجندتها في الحكم. ولم يستبعد تعرض المشيشي إلى سيناريو الابتزاز في حال لم يرضخ لشروط الأغلبية الحاكمة (حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس).
وفي ظل تواصل المناكفات السياسية لا يتوقع الشواشي نجاح الحكومة، وهو ما ينذر بأزمة سياسية جديدة في خضم واقع سياسي واقتصادي صعب، ويزيد من تعقيده تفشي فايروس كورونا.
من الحكم إلى المعارضة
مع تمسك أمينه العام محمد عبّو بالاستقالة، سيعقد التيار الديمقراطي خلال أكتوبر الجاري اجتماعا لانتخاب أمين عام جديد إلى حين انعقاد المؤتمر الثالث للحزب السنة المقبلة.
وعن إمكانية ترشحه لرئاسة الحزب، أشار الشواشي إلى أن ذلك مطروح غير أنه لم يتخذ القرار بعد. وبرأيه، يجب أن يتوفر مناخ ملائم يسمح له بتقديم الإضافة في حال قرر مرة أخرى قيادة الحزب، لافتا إلى أن هناك شخصيات أخرى عبرت عن استعدادها للترشح وتحظى بدورها بالقبول وسط الحزب.
وعن تجربة الحزب في حكومة الفخفاخ، وما إذا كانت قد أثرت على شعبيته، يرى الشواشي أنه على العكس من ذلك فقد خرج حزبه من التجربة أكثر قوة رغم الفترة القصيرة التي شارك فيها في العمل الحكومي، والتي برأيه غير كافية للقيام بالإصلاحات التي لطالما دعا إليها خاصة في ما يتعلق بمكافحة الفساد.
ويقول “لم نندم على قرار المشاركة في حكومة الفخفاخ التي لم يكن لإسقاطها علاقة بوزراء التيار أو غيرهم، وإنما لشبهة تضارب مصالح منسوبة لرئيس الحكومة”.
ويعتقد الشواشي أن خصوم الفخفاخ وجدوا في هذه التهمة الحجة المناسبة لتنحيته، لافتا إلى أن حركة النهضة كانت وراء هذه الحجة لإسقاط حكومة الفخفاخ بعد أن طالبته بتوسيع الحزام السياسي وإدماج قلب تونس في الحكومة، لكنه كان مصرا على الرفض.
ويلفت إلى أن الحزب سيوظف هذا النضج في المرحلة القادمة حتى يلعب دورا أكثر فاعلية وأنه سيعمل على تطوير خطابه حتى يكون خطابا عقلانيا وموضوعيا وملتصقا بهموم الشعب ويدعم دولة القانون والمؤسسات ومساهما في المرحلة الانتقالية.
ويقول “اليوم، سنلعب دورنا كمعارضة بناءة، لكن أيضا سنسعى لأن نعود للحكم في مراحل مقبلة في إطار حكومة تكون أكثر انسجاما وبحزام سياسي أقوى وبأغلبية متماسكة داخل البرلمان”.
ويحمل الشواشي حركة النهضة وحلفاءها مسؤولية تعطيل مسار العمل الحكومي، حيث صادقت على حكومة الفخفاخ دون قناعة وكانت رافضة لمشاركة التيار وحركة الشعب، وضغطت بهدف توسيع الحزام الحكومي وإشراك قلب تونس وائتلاف الكرامة في الحكومة، وهو ما لم يقبل به الفخفاخ وأيضا حزب التيار الديمقراطي، “فتمت إزاحة الفخفاخ عبر ظهور ملف تضارب المصالح”.
ويرى الشواشي أن حكومة الفخفاخ ظُلمت رغم أنها نجحت في فترة قصيرة في إعداد مشاريع قوانين تستهدف إصلاح أوضاع البلاد، كما نجحت في إدارة الأزمة الصحية عقب ظهور الوباء.
حكومة المشيشي
وجّه التيار الديمقراطي انتقادات لحكومة المشيشي، حديثة العهد، بسبب أدائها وانتهاجها سياسة الترضيات في اختيار أعضائها، لافتا إلى أن “حكومة المشيشي في ظاهرها مستقلة، لكن في الحقيقة هي مدعومة من أحزاب وأطراف سياسية ولولا هذا الدعم لما حصلت على الثقة”.
ويعتقد أن “عمر حكومة المشيشي لن يتجاوز شهر يناير أو فبراير في حال لم يخضع لشروطهم”.
ويستبعد في ظل هذه الظروف والتكتيكات الحزبية صناعة حكومة قوية، ما يعمق الأزمة السياسية أكثر فأكثر، حاثا على ضرورة تدخل رئيس البلاد قيس سعيد في المشهد بصفة أكبر وممارسة صلاحياته ودوره بشكل أكثر فاعلية حيث حانت “مرحلة ترجمة الخطب والأقوال إلى ممارسة وأفعال”.
ويتفق رأي الشواشي مع رأي المتابعين الذين يشيرون إلى تداعيات الصراع على الصلاحيات بين الرئاسة والبرلمان، وفي ظل إصرار النهضة على التحكم بالمشهد السياسي دون اكتراث لعواقب هذه السياسة البراغماتية على مستقبل البلاد.
ويضيف “حكومة المشيشي هناك من دعمها لأجل ابتزازها في ما بعد، وهناك من دعمها خوفا من حل البرلمان، وهناك من دعمها تقربا للسلطة، لكن لم نجد من ساندها اقتناعا ببرنامجها أو تركيبتها”، ونتيجة لذلك “لن يثمر هذا الابتزاز نتائج إيجابية، وعلى العكس ستخيّب النخب السياسية آمال الشارع أكثر”.
ويضيف “كان موقفنا من الأول واضحا، وقلنا إن حكومة التكنوقراط بدعة في الديمقراطيات وفي الأنظمة البرلمانية”.
ومع ذلك تحتم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد مساندة الحكومة في كل إجراء يراه الحزب قادرا على تحسين الأوضاع، لكن سيتصدى في المقابل وبقوة لكل إجراءاتها الشعبوية المضرة التي تعمق الأزمة، و”سنتصدى لعمليات الابتزاز التي ستمارسها بعض الأطراف ولمساعي تعطيل المسار الديمقراطي”.
وأعرب عن أمله في قيام “العقلاء بدورهم في تقريب وجهات النظر ولمنح البلاد هدنة اجتماعية وسياسية نحن في حاجة ملحة إليها” حيث الشارع بحاجة إلى رسائل أمل جديدة.
ويحذر من أن التجربة التونسية مهددة بتعطل المسار الانتقالي ونكسة إلى الوراء و”في حال لم نشعر بهذا الخطر الداهم ونقوم بهدنة ولو وجيزة لمدة سنتين لتجاوز هذه الأزمة، ثم العودة إلى المنافسة في إطار القانون، فإن البلاد ستبقى في حالة ضعف ووهن وتجاذبات مستمرة”.
منذ إعلان صعود قيس سعيّد للدور الثاني في السباق الرئاسي الماضي، أبدى حزب التيار الديمقراطي دعمه له في مواجهة خصمه نبيل القروي، كما ساهم في الحملة الانتخابية لفائدته. وهو ما استحضره الشواشي في تقييمه لأداء سعيّد بعد أن بات الشخصية الأولى في البلاد وصاحب الشعبية الواسعة.
ويرى الشواشي أن اختيار سعيّد جاء من خارج الدائرة التقليدية للحكم، لما يرمز له من نظافة يد واستقامة وكفاءة.
أداء الرئيس
مع اقتراب السنة الأولى من وصوله إلى سدة الرئاسة، يعتقد الشواشي أن “اليوم انتهت فترة الكلام، والمطلوب من رئيس الجمهورية تحويل كلامه وخطبه إلى أفعال”.
ودعا الرئيس سعيّد، الذي وصفه برمز وحدة التونسيين وعلى عاتقه مهمة التجميع، أن يتدخل بقوة في أزمات البلاد وأن يمارس صلاحياته وشرعيته بشكل أكبر خاصة وأنه يحظى بثقة شعبية واسعة.
وعلى رغم إقراره بأن الإرادة في أن يلعب دورا أكبر موجودة لدى الرئيس، لكن برأيه فإن “الكلام جميل لكنه غير كاف”.
ويضيف “نحن في حاجة إلى أفعال، وبالتالي على الرئيس تطبيق كلامه إذ بإمكانه تقديم مبادرات تشريعية على سبيل المثال، كما يستطيع أن يقرب وجهات النظر بين الأحزاب”.
وفي خضم الأزمة الخانقة، يرى أن الحل في الاحتماء بقوة الدولة وهي مسؤولية على عاتق الرئيس. ويشير إلى “الحاجة إلى أن تكون جميع السلطات موحدة وألا تغرق البلاد في الصراع بين قرطاج والقصبة”.
وأشار إلى أن أجندة حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس هي إضعاف رئيس الجمهورية. واستدرك “للأسف الشديد، كأن الرئيس قبل اللعبة وأصبح في خصومة معهم وهو ما تكشفه تصريحاته”.
وختم غازي الشواشي حواره مع “العرب” بالقول إن “الرئيس سعيّد ليس في حاجة إلى هذه الخصومة.. عليه أن يتعالى عن صراعات الأحزاب ويتسلح بالقانون لمحاسبة المخالفين”، محذرا من أن “حالة اللااستقرار السياسي من شأنها تعطيل مسار الإصلاحات ومسار دولة القانون والمؤسسات”.