غارات أميركية تثير جدلا في ليبيا: من تدعم واشنطن حفتر أم السراج

تونس - أثارت غارات جوية غامضة في منطقة أوباري بجنوب ليبيا، تساؤلات حول دلالاتها السياسية، لاسيما في هذا التوقيت الذي فرضت فيه العمليات العسكرية للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر معادلات جديدة في جنوب البلاد.
وأعطت تلك التساؤلات سياقا مُختلفا عن السياقات السابقة في علاقة بالمقاربة الأميركية للأوضاع في ليبيا، عكسته التباينات الحادة في توصيف الأبعاد الكامنة وراء ذلك التحرك العسكري، وتأثيراته على موازين القوى بين فرقاء الصراع الليبي في شرق وغرب البلاد.
وتعرضت ضواحي أوباري بجنوب ليبيا، مساء الأربعاء، لقصف جوي استهدف مواقع يتمركز فيها عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويُعتقد أن مُقاتلات تابعة لقوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، المعروفة اختصارا باسم “أفريكوم”، قد نفذته.
وقالت مصادر إعلامية ليبية محلية إن الغارة الجوية استهدفت “مُسلحين من تنظيم القاعدة، بينهم عدد من الأجانب، كانوا قد فروا منذ نحو أسبوع من حي ‘الشارب’ الواقع شمال مدينة أوباري، نحو الصحراء الجنوبية حيث توجد بعض المسالك التي تؤدي إلى النيجر والجزائر”.
ورغم نفي قيادة أفريكوم أن تكون مُقاتلاتها قد شنت غارة جوية في جنوب ليبيا، سارع محمد السلاك الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج، إلى القول إن القصف الجوي الأميركي لضواحي مدينة أوباري “يأتي في إطار التنسيق المستمر، والعلاقة الاستراتيجية بين ليبيا وأميركا في حربهما على الإرهاب”.
وتابع السلاك في تغريدة نشرها في حسابه بتويتر، قائلا، إن الغارة “تأتي بعد لقاء وزير الخارجية بحكومة الوفاق محمد سيالة، ونظيره الأميركي مايك بومبيو، خلال الاجتماع الدولي لمكافحة تنظيم داعش الذي عُقد الأسبوع الماضي، والذي أكد فيه الطرفان على استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف”.

ورغم التناقض الحاد لمضمون هذه التدوينة مع الموقف الرسمي لحكومة الوفاق الرافض لأي شكل من الأعمال العسكرية في جنوب البلاد، الذي أعلنته في وقت سابق، سعى السلاك إلى تبرير هذا التناقض في تدوينة أخرى تضمنت إشارات ضمنية إلى أن ذلك القصف الجوي يصب في مصلحة حكومة الوفاق.
وكان لافتا أن تلك الإشارات استندت إلى توقيت هذه الغارة الجوية التي جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الليبي سيطرته واستلامه المؤسسات والمنشآت والمواقع الرئيسية في أوباري، وذلك في إطار العمليات العسكرية التي أطلقها منذ منتصف يناير الماضي في الجنوب لتطهيره من إرهاب العصابات المُسلحة، ومن جماعة الإخوان المُسلمين، وكل من والاها ويدعمها من الميليشيات.
وحرّك هذا التوقيت الجدل المُصاحب للتطورات العسكرية في جنوب البلاد، كما أظهر من جديد الخلافات بين المجلس الرئاسي، وقيادة الجيش حول عملياتها التي مكنت من السيطرة على أكثر من 80 بالمئة من الجنوب، الأمر الذي جعل حكومة السراج في مأزق حقيقي.
ويرى مراقبون أن ما ذهب إليه السلاك ليس سوى مُحاولة مكشوفة لاستثمار تحرك عسكري أميركي لا يمكن فصله عن السياق العام للأولويات الأميركية في ليبيا، أي مكافحة الإرهاب.
واعتبر الناشط السياسي الليبي كمال المرعاش في اتصال هاتفي مع “العرب”، أن القراءة الصحيحة للغارة الأميركية في ضواحي أوباري، تعكس “تأييدا ولو ضمنيا للجيش الليبي، وليس لحكومة الوفاق، باعتبار أن الهدف الأساس من عمليات الجيش الليبي هو القضاء على الإرهابيين في جنوب البلاد”.
وأضاف أن الغارة الأميركية التي استهدفت مواقع لإرهابيين في أوباري، “تخدم في توقيتها الجيش الليبي، وليس حكومة الوفاق، وهي بذلك شكل آخر من التفهم الذي تُبديه العديد من الأطراف الإقليمية والدولية لتحركات الجيش الليبي في الجنوب”.
وأكد في المقابل أن قيادة أفريكوم لها أولوياتها، وهي بذلك “لا تُنسق مع حكومة الوفاق، ولا تستشيرها أصلا أثناء القيام بغارات جوية في ليبيا، وهي غارات لم تتوقف منذ العام 2011. وبالتالي، فإن مقارنة هذه الغارة مع الضربات الجوية الأميركية في أطوارها السابقة، تبدو بمثابة الاعتراف الضمني بشرعية عمليات الجيش الليبي في جنوب البلاد”.
وكشف المرعاش لـ”العرب”، أن ما لم يذكره السلاك هو أن حكومة السراج سبق لها أن “طلبت من الإدارة الأميركية فرض حظر جوي على منطقة الجنوب الليبي، لمنع مُقاتلات الجيش من تعقب وضرب الإرهابيين في الجنوب، غير أن الجانب الأميركي لم يستجب لذلك بدليل أن الغارة الأخيرة استهدفت إرهابيين، وليس قوات الجيش المُتمركزة في أوباري”.
وتكاد مُختلف القوى السياسية الليبية، تُجمع على أن التنسيق بين حكومة الوفاق وأفريكوم شكلي للغاية، حيث أثبتت الغارات الماضية أن الحكومة الليبية لا تعلم بتفاصيلها، بمعنى متى وأين ستكون ومن تستهدف.
ونفذت قيادة أفريكوم الكثير من العمليات العسكرية في ليبيا، تحت عنوان استهداف مُسلحي التنظيمات الإرهابية منها القاعدة وداعش. وقد حملت تلك العمليات رسائل إلى الفرقاء الليبيين، وكذلك أيضا إلى بقية الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، مفادها أن أميركا معنية بالملف الليبي، وليست في وارد السماح لأي كان بتقويض مصالحها الاستراتيجية.