غادة رشوان ترصد عادات المصريين الرمضانية في رسوم المستشرقين وصورهم

لوحات وصور تخلد ملامح رمضان كما عرفه المصريون في المدن والقرى.
الأحد 2025/03/16
الصلاة كما رآها الفنان المستشرق

تشتهر مصر، شأنها شأن بقية الأقطار العربية، بعادات مميزة في شهر رمضان، وتعود هذه العادات إلى تاريخ قديم تطورت خلاله وتغيرت، بعضها اضمحل وبقي ذكرى، وبعضها الآخر تغير واستمرت الأجيال في تناقله، وهذا ما رصده الكثير من الرسامين المستشرقين وحتى المصورين الفوتوغرافيين في وقت لاحق، مقدمين مادة تاريخية هامة عن ملامح رمضان في العهود السابقة.

لشهر رمضان أجواء وروح تختلف عن باقي أشهر العام، ولكل بلد في استقباله والاحتفال به خصوصيته التي تظهر عاداته وتقاليده، وقد سجل المستشرقون الذين زاروا مصر بالصورة والرسم جوانب عديدة من احتفالات المصريين بالشهر الكريم، حيث نقلت رسومهم وصورهم هذه العادات التي نرى الآن استمرارها في الشوارع والأزقة والحواري والقرى والنجوع، والتي تتلألأ بالزينة والفوانيس والمواقد التي تعلوها الصواني تنضح عليها الكنافة والقطائف.

"مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في مصر في ضوء رسوم وتصاوير بعض المستشرقين في عصر أسرة محمد علي" كانت عنوان دراسة د. غادة نبيل رشوان مدرسة الآثار الإسلامية بجامعة بني سويف، والتي كشفت خلالها المميزات الفنية لأسلوب الفنانين الأجانب ومقارنتها بأسلوب المصورين المسلمين في المخطوطات الإسلامية.

عادات القاهرة

احتفالات وعادات
احتفالات وعادات

أكدت رشوان أن الإرث الذي سجله مصورو ورسامو الاستشراق في عصر أسرة محمد علي، رصد لنا عادات وطبائع المصريين في شهر رمضان انطلاقا من استطلاع هلاله والاستعدادات التي تتم لاستقباله من رجال الدولة والجوامع وعامة الشعب، بالإضافة إلى الوقوف على أسلوب الحياة اليومية المتبعة على مدار كامل الشهر والفنون المرتبطة به.

وأشارت الباحثة إلى أن مصر تعتبر من أقدم البلاد التي احتفلت باستطلاع هلال شهر رمضان، وكان يشارك في هذا الحدث القضاة الأربعة وبعض الفقهاء وأرباب الحرف وبعض الدراويش، وهذا ما وضحه الفنان جان ليون جيرون في صورة حاول فيها التمييز بين رجال الدولة المتمثلين في رجال الدين بزيهم الأزهري، والمتمثل في القمصان والتي تعلوها الجباب التي يتمنطقون حولها بالشيلان، كما ارتدوا غطاء رأس موحد جاء عبارة عن الطواقي تلتف حولها العمائم، وبين رجال الجيش المتمثلين في الشخص الذي ارتدى نفس ملابسهم إلا أن صدره احتمى بدرع معدني، وصل إلى أعلى منطقة الخصر ومثبت به غمد سيفه.

وتلفت إلى أنه لم يغفل المصور الدراويش في رسم الشيخ المسن ذي اللحية البيضاء والذي ظهر وهو يؤدي إحدى حركات الصلاة المتمثلة في الركوع، وأكد المصور أن الصلاة التي يؤديها الأشخاص الموجودون بالصورة صلاة غير الفريضة، حيث نرى كلا من المصلين يؤدي حركة مختلفة، كما نجح في التعبير عن الصلاة من خلال حركات أيديهم جميعا التي تعبر عن وضعية الصلاة، وكذلك ظهور أقدام بعضهم خالية من الأحذية، وعدم دقة وقوفهم كصف متساو، واستخدام الظل والنور لتحديد توقيت لحظة ثبوت الهلال وقت صلاة المغرب، حيث ظهرت السماء في الفترة ما بين غروب الشمس وبدايات الظلام، وعبر الفنان عن الخلفية في هذه الصورة باستخدام عناصر معمارية مملوكية متمثلة في بعض المآذن المملوكية ذات القمة البصلية بالإضافة إلى ظهور الملاقف.

وأوضحت رشوان أن تبليغ المصريين بثبوت الهلال في القاهرة في لوحة الرسام روبرت دولينج نرى فيها الخليفة في وسط الصورة ممتطيا صهوة جواد أبيض بزي عبارة عن جبة حمراء مطعمة بقماش أصفر اللون، وتعلو رأسه عمامة مصممة على غرار ألوان الجبة، يرافقه فتى صغير يبدو أنه ممتط صهوة جواد في محاذاة جواد الخليفة.

 ولم يظهر الفنان معالم له، فقد تشابهت ملابسه في التصميم مع الخليفة، قد يكون ولي العهد، ويحيط به رجال دولته المترجلون، بالإضافة إلى أهله من النساء والرجال والذين ظهروا فوق الجمال داخل شكل يشبه الصندوق مقسم لجزئين مرتبطين ببعض بالعوارض الخشبية، ويتقدم هذا الموكب حاملو المشاعل، والفرقة الموسيقية المكونة من عازفي المزمار وطارقي الطبول، ويشاهد الاحتفال أصحاب الحوانيت والباعة المتجولون وبعض المارة في الشوارع وأحيانا من برفقة أبنائهم. واستخدم الفنان الظل والنور للتعبير عن الوقت الذي خرج فيه الموكب، وهو وقت الغروب وظهر هذا واضحا في الخلفية المعمارية التي أبرز الفنان عناصرها المتمثلة في المشربيات والمداخل ذات العقد الثلاثي ومداميك المشهر في تزين الواجهة.

النقرزان والتراويح

الرسوم والصور نقلت لنا هذه العادات التي نرى الآن استمرارها في الشوارع والأزقة والحواري والقرى والنجوع
الرسوم والصور نقلت لنا هذه العادات التي نرى الآن استمرارها في الشوارع والأزقة والحواري والقرى والنجوع

أما تبليغ المصريين في الريف وصعيد مصر بقدوم شهر رمضان، وفقا لرشوان، فيختلف عن إبلاغ المواطنين في المدينة، فقد أوضحت إحدى اللوحات استخدام آلة موسيقية تسمى النقرزان إحدى الآلات الإيقاعية المميزة ويستخدم في التبليغ نقرزنان متوسطا الحجم أحدهما أكبر من الثاني ويمتطي العازف ظهر الجمل، كانت تستخدم للإعلان عن الأخبار، والقرارات المهمة للمواطنيين، ومع مرور الزمن تحولت إلى معرفة المواقيت في شهر رمضان على وجه الخصوص عند أهل الريف المصري، وصعيد مصر، حيث أصبحت آلة الوقت للتنبيه إلى السحور والإفطار، وكذلك الإمساك عن الطعام والشراب.

نرى في يمين هذه اللوحة قارع النقرزان ممتطيا ظهر جمل مثبت عليه طبلتين إحداهما أكبر من الأخرى، وفي حالة التأهب لقرع أحد الطبلتين باستخدام عصا صغيرة، وبجواره شخصان آخران ممتطيان جملان، أحدهما من قارعي الطبول ومثبت على جمله طبله من فصيلة السابقين، أما الشخص الثالث فيبدو من الأشخاص المشاركين في التبليغ ويخرج من الحزام الذي يتمنطق به شكل لأحد قرون “الفيلة”. ويمسك بيده اليسرى رمحا، ويشارك في هذه المسيرة عامة الشعب من أهل النوبة، اختلفت أعمارهم من الكبار والصغار، بالإضافة إلى أحد رجال الشرطة المرتدي ملابس رسمية.

ورأت رشوان أن صلاة التراويح من أهم الشعائر التي تقام في شهر رمضان ويعد الرسام الفرنسي ليون جيروم أهم المستشرقين الذين قدموا فنا يعبر عن عظمة التاريخ العربي والإسلامي خلال القرن الـ19، حيث جسد كل الشعائر الإسلامية في لوحاته التي مازالت حتى الآن منبعا لكل الفنانين التشكيليين ومصدرا لإلهامهم.

 وتعد صورة التراويح التي رسمها والتي تمثل المصلين وهم يقومون بالدعاء أثناء صلاة التراويح داخل أروقة عمرو بن العاص، وجاءت ملابس المصلين في هذه الصورة متمثلة في الجلباب العربي ذي الأكمام الواسعة وتعلو رؤوسهم الطاقية التي تلتف حولها العمامة بالإضافة إلى ملابس أحد رجال الجيش والمتمثلة في القميص الذي يعلو الجبة، واحتمى صدره بدرع مثبت به غمد السيف، ويتشابه غطاء رأسه مع باقي المصلين، وخلفه اثنان من رجاله جاءت ملابسهما عبارة عن قميص قصير يعلوه درع وأسفله سروال، ويتمنطق أحدهما حوله وسطه بحزام عريض من الجلد مثبت به غمد السيف ويعلو رأسهما الشال.

الزخرفة والفوانيس

صناعة الكنافة مهنة متواصلة
صناعة الكنافة مهنة متواصلة

أوضحت الصور محل الدراسة اهتمام المصريين بالزخرفة الفنية على الورق التي استخدمت في زينة رمضان، كما رسمها الفنان والترفريديك روف تيندال بريشته في لوحة، حيث كانت هذه الزينة تنفذ على شكل حلقات أو مثلثات أو أي أشكال هندسية أخرى، ويتم لصقها بالنشا أو الدقيق، ويتم ضمها مع بعضها البعض وتعليقها على واجهات البيوت والمساجد كما ظهر في اللوحة أمام مسجد محمد بك أبوالدهب، والتي نفذت على شكل مربع يحمل شعار الدولة المصرية المتمثل في الهلال وثلاثة نجوم.

وأضافت رشوان أن الكنافة تعد من أشهر الحلويات التي ارتبط ظهورها بالشهر الكريم، فلا يرد اسم رمضان أمام المصريين مثلا إلا وتمثلت في مخيلاتهم الكنافة، وإذا أقيمت وليمة في الشهر المبارك فإن الكنافة من غير شك تحتل مكان الصدارة على المائدة، وقدم لنا العالم كونتيه رسما دقيقا لصانع الكنافة.

الصور محل الدراسة أوضحت اهتمام المصريين بالزخرفة الفنية على الورق في زينة رمضان والاحتفالات بهذا الشهر

جاء الرسم في لوحة تمثل أحد كبار الصنعة وهو يمسك كوبا قاعدته مجموعة من الثقوب ممتلئا بسائل من خليط الدقيق والماء والبيض، وعن طريق حركة دائرية يقوم بها بيده التي بها الكوب ينزل السائل متسربا من الثقوب على سطح صنية محماة تنضج في وقت قصير، ويعاونه شخصان يبدو أحدهما يحمل السائل، ويقوم بملء الكوب للمعلم قبل وضعه على الموقد، أما الثاني فظهر جاثيا على ركبتيه ويستخدم الجريد لإشعال الموقد، بالإضافة إلى سيدة في مؤخرة الصورة تساعدهم في إتمام عملية الصناعة ظهرت مرتدية ملابس فضفاضة وجاء غطاء رأسها عبارة عن طرحة منسدلة إلى الخلف وبرقع يغطي وجهها.

وأشارت د. غادة نبيل رشوان إلى أن الفانوس يعتبر من أهم العادات المصرية التاريخية، وهو يعد وحدة للإنارة التي تصنع بالعديد من الخامات كالمعدن والزجاج الملون. وقد رصد الفنان الفرنسي هنري بيشارتم بكاميرته صورة تمثل صناعة وبيع الفوانيس في مصر ودليلا على أهمية ورواج هذه الصناعة في رمضان في لوحة ظهرت فيها أشكال مختلفة من الفوانيس، حيث نرى بداخل المحل أشكالا من الصفيح، ويبدو أن الأمر تطور حتى أصبحت صناعة الفانوس فنا حرفيا يبدع فيه القائمون على صناعته بالزخارف اليدوية، وهذا ما نلاحظه في تنوع أشكال الفوانيس المعروضة على وجهة الدكان، فوقع اختيار الفنان على النحاس والزجاج مع قاعدة خشبية توضع فيها الشمعة للإنارة.

 وتغيرت بعد ذلك أحجام الفوانيس وأصبحت تضاء بالفتيل والزيت بدلا من الشموع، ووضعت في الصورة أيضا ملابس الأشخاص السائدة المتمثلة في الجلباب العربي الواسع ذي الأكمام الواسعة، وتعلو رؤوسهم الطاقية التي تلتف حولها العمامة، في حين تعلو رأس الطفل الجالس على يسار المحل طاقية.

11