عُمان تضغط الانفاق لتخفيف انعكاسات كورونا

عظم انتشار وباء كورونا من حجم التركة الاقتصادية الثقيلة التي تعانيها سلطنة عمان عمان في ظل أزمة مالية خانقة غذاها تراجع إيرادات النفط في ظل حرب الأسعار ما دفع البلد إلى الضغط على النفقات الحكومية.
مسقط - لجأت الحكومة العمانية إلى إقرار إجراءات تقشفية بتخفيض حجم النفقات الحكومية في محاولة منها لتخفيف آثار فايروس كورونا بفعل غياب موارد مالية احتياطية مما يجعل البلد حسب خبراء في صدارة المتضررين خصوصا مع تصنيفه في مستويات عالية المخاطر من طرف وكالات التصنيف الائتماني.
وأقرت وزارة المالية في السلطنة تقليص الموازنة المخصصة للوكالات الحكومية بنسبة خمسة في المئة في 2020.
ونسبت رويترز لمصدر بوزارة المالية قوله “إن القرار جاء استجابة للتحديات المالية التي تواجهها البلاد”.
ومن المتوقع أن تشهد سلطنة عمان عجزا متناميا هذا العام بسبب انخفاض أسعار النفط خاصة أنها منتج خليجي صغير للنفط مُصنفة عند مستوى عالي المخاطر من جانب وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية.
وجاء في منشور وزارة المالية الذي يرجع تاريخه إلى 12 مارس الماضي أنه استنادا لقرار الحكومة بخفض الميزانيات التي تم إقرارها للوكالات المدنية والعسكرية والأمنية لعام 2020 بنسبة 5 في المئة، فإن الوزارة تبلغ جميع الوكالات الحكومية بتنفيذ الخصم المذكور من الميزانية المعتمدة لكل جهاز.
وذكر المنشور أنه لن يتم توفير أي تمويل إضافي إذا لم تلتزم الوزارات بالميزانيات المعدلة.
وطلبت الحكومة من الوكالات الحكومية مراجعة جميع جوانب الإنفاق حيث هوت أسعار النفط، الأسبوع الماضي، بعد انهيار اتفاق قيود الإنتاج بين منتجي النفط من أعضاء أوبك ومن خارجها مما قاد إلى حرب أسعار بين السعودية وروسيا.
ويرزح اقتصاد عمان تحت عبء مستويات عالية من الدين وهو عرضة لخطر التأثر بتقلبات أسعار الخام تحديدا التي تُضاف حاليا إلى توقعات التباطؤ الاقتصادي إقليميا وعالميا بسبب تفشي فايروس كورونا.
وحسب أحدث بيانات وزارة الصحة العمانية فقد بلغت الإصابات بفايروس كورونا نحو 24 إصابة وهي أعداد تتوقع منظمة الصحة العالمية تطورها في كافة البلدان المسجلة لإصابات إن لم يقع اعتماد إجراءات وقائية كبيرة لمنع انتقال العدوى.
وخفضت وكالتا التصنيف موديز وفيتش في شهر مارس الجاري تصنيف عمان ليدخل بدرجة أكبر في نطاق عالي المخاطر، وأشارت إلى استمرار التآكل في الوضع المالي الداخلي والخارجي.
انتشار فايروس كورونا وتهاوي أسعار النفط يزيدان الضغط على الخزانة العامة مما دفع إلى وضع اجراءات تقشف
وفي الشهر الماضي، قال سلطان عمان هيثم بن طارق إن الحكومة ستعكف على خفض الدين العام وإعادة هيكلة المؤسسات والشركات العامة لدعم الاقتصاد.
وقالت فيتش، الشهر الماضي، “نعتقد أن هناك فرصة حقيقية لتسريع الإصلاح المالي تحت حكم العاهل العماني الجديد، السلطان هيثم بن طارق، الذي أعطى أولوية لتقليص الدين”.
وتوقعت عمان عجزا في الميزانية بنحو 2.5 مليار ريال عماني (6.50 مليار دولار) في عام 2020 وهذا يوازي عجزا ماليا بنحو 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني في تقرير إن عمان تخطط لتمويل حوالي 80 في المئة من العجز من خلال الاقتراض الخارجي والمحلي ولكن المشاكل الاقتصادية الناجمة عن تفشي فايروس كورونا قد تعقد هذه الخطط.
وذكرت مصادر هذا الشهر أن عمان تجري محادثات مع بنوك من أجل قرض بقيمة ملياري دولار وهي خطوة ربما تحميها جزئيا من تقلب أسواق السندات.
وزادت عائدات السندات الدولية لعمان المستحقة في 2048 بنحو أربع نقاط مئوية منذ انهيار محادثات أوبك. وضعف الريال العماني المرتبط بالدولار إلى مستويات تاريخية، الأسبوع الماضي، بعد تهاوي أسعار النفط.
ويرى محللون أن التوازنات المالية لعمان ستواجه صعوبات أكبر ضمن السياق الإقليمي المتوتر حيث كان شهد عام 2019 تباطؤا كبيرا في الاقتصاد العالمي تلاه اجتياح فايروس كورونا في العام الجاري وما عقب ذلك من أضرار كبيرة بنسق الإنتاج العالمي فيما يتوقع خبراء أن تواجه مسقط خيارات مالية صعبة في ظل وضعها المالي الحاد.
وتعاني السلطنة من ضائقة مالية، بطيئة في تنفيذ الإصلاحات بعد انحدار أسعار النفط في منتصف عام 2014. وتزايد إقبالها على الاقتراض خلال السنوات الأخيرة الماضية.
كما أعطتها وكالات التصنيف الائتماني نظرة مستقبلية سلبية بسبب استبعاد إمكانية تحسن التوازنات المالية، الأمر الذي يرفع تكلفة اقتراضها من أسواق المال العالمية ويقلص قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية.
وكانت سلطنة عُمان قد فاجأت الأوساط الاقتصادية، العام الماضي، بزيادة الإنفاق في الموازنة إلى مستوى أعلى غير مكترثة للعجز الكبير الذي سيتم تسجيله، متجاهلة كل تحذيرات وكالات التصنيف الدولية من مخاطر تعرض اقتصادها للمشاكل في طريق تنفيذ برنامجها الإصلاحي.
وتغطّي مسقط العجز، عادة، عن طريق السحب من الاحتياطيات المالية التي تنكمش.
ولكبح الخلل في التوازنات المالية حاولت السلطات تخفيف الضغوط بتعزيز الإيرادات غير النفطية، فيما تم فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة في أواخر العام 2019.
وتأجل فرض الضريبة لأسباب فنية ومخاوف من أن تضرّ بالنمو والاستثمار، ولكن ظلت أسعار النفط العامل الرئيسي الذي يؤثر على الإيرادات في جميع الأحوال.
والتحقت البحرين مع بداية العام الماضي بركب السعودية والإمارات اللتين حققتا مكاسب كبيرة في العام الأول من تطبيق الضريبة.
وسبق وعبرت الحكومة العمانية عن يأسها من الحصول على دعم خليجي لتخفيف أزماتها الاقتصادية، بتأكيد عدم وجود أي محادثات مع دول الخليج للحصول على مساعدات في ظل استمرار توقعات تراجع النمو الاقتصادي.
وتعاني السلطنة من دوامة أزمات اقتصادية وصعوبات في تنفيذ الإصلاحات في ظل تراجع مواردها المالية منذ منتصف عام 2014.
وتبدو الأزمات مرشحة للتفاقم في ظل وجود مؤشرات عن تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت مسقط قد اقترضت في وقت سابق من العام الماضي 3 مليارات دولار من خلال إصدار سندات سيادية، لكنها تعاني من ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وانعكس ارتفاع حجم الديون على ارتفاع أسعار الفائدة التي يطالب بها المقرضون الدوليون، والتي وصلت إلى مستويات حرجة.
وحاول الرئيس التنفيذي للبنك المركزي التقليل من حجم المخاوف بالقول إن العجز المالي يتراجع بفضل كبح الإنفاق.
وحاولت الحكومة سابقا الضغط على الإنفاق والحصول على بعض الأموال من الضرائب غير المباشرة.
وأكدت في محطات عديدة التزامها بربط الريال بالدولار، معتبرة أن ذلك يحقق الاستقرار حيث لا تعتزم إحداث خطط لتغيير السياسة النقدية في ما يتعلق بسعر الصرف.
ويقول محللون إن أسواق المال العالمية تخشى من تعرض سلطنة عمان لأزمة مشابهة للتي واجهتها البحرين في العام الماضي، حين ارتفعت تكلفة اقتراضها والمراهنات على فك ارتباط عملتها بالدولار.