عيد سعيد لكل عمال العالم

نحتفل اليوم كأغلب الدول بعيد العمال. قد يكون هذا العيد خاصا بكل العمال في كل المجالات، لكنه عيد يحتاجه بدرجة أكبر الكادحون من العمال، من لا تثنيهم الأعياد على مواصلة أشغالهم، ويعملون حتى في يوم عيدهم، ويحتاجون كلمة ثناء على كل جهودهم.
الكادحون الثائرون هم من كانوا سببا في إعلان الأول من مايو عيدا للعمال، بدايته كانت عام 1889 حين حدد الاتحاد الدولي للجماعات الاشتراكية والنقابات العمالية مطلع مايو يومًا لدعم العمال إحياءً لذكرى هايماركت ريوت في شيكاغو وهو إضراب عمالي كبير تحول إلى فوضى أسقطت الكثير من الضحايا عام 1886.
بعد خمس سنوات وقّع رئيس الولايات المتحدة غروفر كليفلاند تشريعًا لجعل عيد العمال عطلة رسمية تكريما للعمال، ثم اعتمدته كندا وبعدها دول أخرى حتى صار عطلة رسمية في 110 دولة تمثل ما لا يقل عن 70 في المئة من سكان العالم.
إنه إذن عيد الكادحين فعلا، عيد المرهقين من أشغالهم التي لا تنتهي، من حقوقهم المسلوبة ومن مطالبهم التي لا تتحقق، ومن الالتزامات الحياتية التي تنتظرهم. والكادحون ستجدهم في كل المهن والأشغال والوظائف، “سيماهم في وجوههم”.
ليس هناك عمل أهم من عمل، هذا ما أؤمن به على الأقل، فالسباك والنجار والحداد والمدرس والمحامي ورجل الأمن والصحافي والطبيب وغيرهم، كلها مهن تتكامل وتتكاتف لصنع مجتمع يطيب فيه العيش.
لكننا في عصر السوشيال ميديا، اختلفت موازيننا، لم يعد الشاب يرضى بعمله، ولا بالـ”كونفورت زون” (مساحة الراحة) الخاصة به وإنما هو مدفوع بضغط أحلامه وأمنيات والديه وطلبات حبيبته وتوجيهات الـ”لايف كوتشز” (مدربي الحياة) المنتشرين بفيديوهاتهم التحفيزية في كل مكان، لترك عمله والتمرد على أوضاعه، وحيثما ولّى وجهه ليرتاح قليلا وجدهم يطالبونه بكسر القيود واتباع شغفه وتحقيق الثراء الفاحش وأقنعوه أن بذل الجهد من أجل العمل لا يثمر ولا يمنح حياة كريمة.
حتى المثل القائل “الراحة في القبر” لعبوا فيه وقالوا له “لا يجوز أن تردده وأن تحكم على الله بأنه سيريحك في قبرك”، والعجيب أنهم يرفضون أن نظن خيرا بالله، ويتمسكون بأن القبر ليس دار راحة وإنما حفرة عذاب وعقاب.
بعض بياعي الكلام هؤلاء، كان عاملا بسيطا لكنه خطط ونفذ فنجح مشروعه واستقل عن “مخدر” الراتب الشهري، لذا حين يوجه نصيحة تجده يقدمها مدروسة وعقلانية، لكن الغالبية منهم حققوا ثراءهم من الكلمات التي يبيعونها لمن يستمع، وكلما ارتفعت نسب المشاهدات ارتفع الإقبال عليهم واعتمدوا كخبراء ومتحدثين محفزين وجنوا المال ببيع الوهم. إنهم كما نقول في تونس “يبيعون القرد ويضحكون على من يشتريه”.
ونحن بالفعل في “عصر القرود”- كما وصفه المفكر المصري مصطفى محمود – ورغم أن أغلب المجتمعات تحولت إلى قردة تقلد بعضها البعض بوعي أو عن غير وعي، في سلوكيات كبيرة أو صغيرة، ولن ينجح هوس التقليد إلا في تحطيم نفسية البشر، وزيادة شعورهم بعدم الرضا، وجرهم نحو مستنقع التفاهة بسرعة. لن يصبح الجميع قادة وأصحاب مشاريع، بل اختار أغلبهم أن يوجه النصائح هو الآخر ويسير في طريق الربح السريع.
في هذا العصر المنفتح على كل شيء، علينا التحلي بالرضا، أن يدرك كل امرئ مكانه من الحياة، هدفه فيها أن يعمل على تطوير نفسه وظروفه وحياته تدريجيا، وفق خطة واضحة، فيطوّر مهاراته وخبرته التي ستؤهله يوما لمراكز أكبر وأهم ولما لا تمنحه عائدا ماليا أفضل.
لا مانع من أن نحلم ونسعى لتحقيق أحلامنا المهنية، لكننا، كل العمال على حد السواء، نحتاج بعيدا عن شعارات المسؤولين الرنانة، كلمات الشكر والتحفيز. فلكل عامل يعمل في يوم عيده، كل عام وأنت بخير.