عون: من حق باسيل المشاركة في تشكيل الحكومة

الرئيس اللبناني ميشال عون يصوّب على الحريري بعد قراره تصدر جبهة المواجهة مع العهد.
الخميس 2019/12/26
عون يتضرع لتشكيل حكومة قبل رأس السنة

تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون الأخيرة كرست القطيعة بينه وبين رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري الذي قرر الانتقال إلى خندق المواجهة مع العهد، على خلفية مواقف مؤثثيه وخاصة صهر الرئيس جبران باسيل.

بيروت – أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، الأربعاء، أن الحكومة المقبلة لن تكون تكنوسياسية “بل حكومة اختصاصيين”، متمنيا أن يخرج لبنان من أزمته وأن تكون الحكومة هدية رأس السنة، في نبرة بدت متفائلة، وإن كانت لا تعكس الأجواء المحيطة بعملية التأليف، في ظل غياب الميثاقية، التي هي عبارة عن عرف في لبنان يفترض أن يتم اختيار رئيس الحكومة على أساس تمتعه بحيثية شعبية كبيرة ووازنة داخل الطائفة السنية، وهو ما لا يتوفر لدى المكلف حسان دياب.

ونفى عون قبيل مشاركته بقداس الميلاد في بكركي، ما جاء على لسان رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري من أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل هو من يتولى عملية تشكيل الحكومة الجديدة، قائلا “ليس الوزير باسيل من يؤلف الحكومة، ولكن من حقه المشاركة في التأليف، لأنه رئيس أكبر كتلة نيابية، وحتى الآن لم نتحدث عن شكل الحكومة”.

وأضاف الرئيس اللبناني “لون الحكومة لا يظهر بالتكليف بل بالتأليف وهي حكومة كل اللبنانيين بمن فيهم حزب الله”، مشيرا إلى أن ما يقال عن أن الميثاقية في خطر غير صحيح، وتساءل “كيف يقولون إنني لم أكن أريد الحريري فيما نحن انتظرناه 100 يوم”، مضيفا “تشكيل الحكومة لا يكون كمن يلعب بأوراق زهرة المارغريت ‘بدي (أريد) وما بدي (لا أريد)”.

وسبق للرئيس عون أن انتقد، بداية الأسبوع، الحريري وتردده قبل أن يعلن رفضه تشكيل الحكومة وانضم رئيس مجلس النواب نبيه بري لعون في مهاجمة رئيس الوزراء المستقيل الممثل الأبرز للتيار السني في لبنان قائلا “لم يكن ينقص سوى تقبيل يده ليقبل تكليفه”. ليرد الحريري على ذلك بمهاجمة صهر الرئيس باسيل الذي حمله مسؤولية الانسداد الذي حصل.

واعتبرت المواقف التي أطلقها الحريري خروجا عن صمت ملتبس منذ إعلانه الاعتذار عن تشكيل الحكومة، الأسبوع الماضي، قبل ساعات من إجراء الاستشارات النيابية الملزمة، والتي أفضت إلى تصويت 69 نائبا لصالح تكليف حسان دياب بمهمة تأليف الحكومة.

وهاجم الحريري وزير الخارجية جبران باسيل مؤكدا أن حكومة دياب المقبلة هي “حكومة باسيل”، ومشددا على رفضه ترؤس أي حكومة يكون فيها باسيل، مطالبا إياه ورئيس الجمهورية ميشال عون بالاعتدال.

الموقف الجديد للحريري عزز إجماع السنّة في لبنان على رفض حكومة دياب، لاسيما لجهة اعتبارها حكومة باسيل، ما قد يحرم دياب من أي إمكانية لتشكيل حكومته

ورأى مراقبون أن الحريري اضطر إلى توضيح موقفه وموقف تيار المستقبل الذي يتزعمه بعد سلسلة انتقادات اعتبرت أن سلوك تيار المستقبل غامض وقد يفهم منه وجود صفقة ما بين الحريري والثنائي الشيعي مررت تسمية دياب.

وكان وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، وبعد زيارة قام بها إلى دار الفتوى، قد هاجم الطريقة التي تم بها اختيار دياب، من حيث أنها لم تحترم الميثاقية في تجاهلها لإرادة الطائفة السنية، وطالب الحريري بتوضيح موقفه مما يحصل، خصوصا وأن “الشارع السني” قد خرج غاضبا مقفلا الطرقات في المناطق ذات الأغلبية السنية في بيروت والناعمة والشمال والبقاع.

وقالت أوساط سياسية إن تصريحات الحريري رفعت أي لبس عن موقف تيار المستقبل لجهة عدم إعطاء أي غطاء للرئيس المكلف، كما أن الموقف الجديد عزز إجماع السنة في لبنان على رفض حكومة دياب، لاسيما لجهة اعتبارها حكومة باسيل، ما قد يحرم دياب من أي إمكانية لتشكيل حكومته.

ورأت هذه الأوساط أن الحريري كسر محرمات كثيرة من خلال التصويب على باسيل وعون، على نحو يمكن أن تنتهي معه الصفقة الرئاسية بين الحريري وعون والتي أتت بالأخير رئيسا للجمهورية.

وغردت النائب عن تيار المستقبل رولا الطبش متوجهة إلى الرئيس عون قائلة “هل سألت نفسك يوما عن الجدوى من تقديم مصلحة الصهر على مصلحة البلد؟ وهل أن الدستور ينص على ربط تأخير تشكيل الحكومات بصهر الجنرال؟ وهل أن إصرارك على حكومة تكنوسياسية بوجود جبران هو الذي عطل الاستشارات أم إصرار الرئيس الحريري على تشكيل حكومة اختصاصيين؟ الدستور ليس زهرة مارغريت يا فخامة الرئيس، ورقة لجبران وورقة لجريصاتي”.

ورأت مصادر برلمانية أن الحريري اختار الإفراج عن موقفه الجديد من خلال دردشة مع عدد من الإعلاميين وليس من خلال مؤتمر صحافي، كما أنه اختار توقيت الأمر بعد انتهاء دياب من إجراء مشاوراته وفي اليوم الذي قام به بزيارة رئيس الجمهورية في بعبدا، بما فهم أنه قلب للطاولة بما عليها من ترتيبات خيّل للتيار العوني أنها باتت متاحة.

ولفتت هذه المصادر إلى أن رسائل الحريري كانت واضحة وحاسمة وحادة ضد رئيس الجمهورية وصهره باسيل، بما أتاح لمسؤولي ونواب تيار المستقبل تشديد خطابهم ضد التيار العوني ورموزه.

رسائل الحريري حاسمة وحادة ضد عون وصهره باسيل
رسائل الحريري حاسمة وحادة ضد عون وصهره باسيل

ولفتت أيضا إلى أن هذه الرسائل لم تصوّب باتجاه حركة أمل وحزب الله، وأن رد الحريري على رئيس مجلس النواب نبيه بري في تأكيد الحريري أنه رجل إطفاء وليس رجل إشعال الحرائق جاء وديا.

وخلصت المصادر في الدعوة إلى قراءة مواقف الحريري من ضمن مشهد أوسع يتضمن، خصوصا، موقف زعيم تيار المردة، سليمان فرنجية، الذي اعتبر في تغريدة له أن الحكومة المقبلة ظاهرها من التكنوقراط وباطنها مرتبط بباسيل.

وقالت بعض المصادر إن فرنجية الذي يعد حليفا لبري وحليفا لحزب الله، من الصعب تصور أن يطلق تصريحات ضد حكومة دياب، دون تنسيق مسبق مع بري وحزب الله.

ولفتت هذه المصادر إلى أن عودة الحريري للتذكير بأن خياره الأصلي لرئاسة الجمهورية كان لصالح فرنجية وليس لصالح عون، يعزز إعادة اللحمة بين الحريري وفرنجية في هذه المرحلة ضد محاولات الهيمنة التي يسعى إليها باسيل إلى درجة أن تخرج حكومة دياب العتيدة من أدراجه.

ولا تستبعد مصادر دبلوماسية اتضاح مواقف عواصم دولية، لاسيما واشنطن وباريس، حيال الأزمة الحكومية في لبنان، بما شجع الحريري على تعديل موقفه وفق تموضع جديد يضعه في مواجهة مع العهد.

ورأت هذه المصادر أن الإشارات التي صدرت عن الخارج توحي بأن “حكومة باسيل” لن تحظى بالدعم المالي المطلوب والعاجل، وأن لا مصلحة لحزب الله وحركة أمل في التعويل على دعم حكومة لن تستطيع إنقاذ الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعاني منه البلاد.

وترى مصادر مراقبة أن إعادة التموضع الجديدة للحريري ستسهل إعادة تطبيع علاقات تيار المستقبل مع حلفائه التقليديين، لاسيما حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وحزب الكتائب بزعامة سامي الجميل، دون أن يعني ذلك استعادة مشتركة لتحالف 14 آذار.

وتضيف المصادر أن موقف الحريري سيعزز قوة الحراك المدني الذي ارتبك في الأيام الأخيرة داخل جدل إعطاء أو عدم إعطاء حكومة دياب فرصة، وأن هذا الحراك سيجد مفاعيل جديدة، لصالح تشكيل حكومة تكنوقراط تحظى باستقلال حقيقي عن الطبقة السياسية، طالما أن الثنائية الشيعية اقتربت من هذا المبدأ من خلال سكوتها عن تكرار دياب وتأكيده أن حكومته ستكون كذلك، قبل أن يأتي موقف الحريري وفرنجية متناغما في الكشف عن أن تلك الحكومة ستكون حكومة باسيل.

2