عودة قيادي إسلامي بارز تحيي الجدل بشأن انتقائية التعاطي مع تركة جبهة الإنقاذ المحظور في الجزائر

قانون لمّ الشمل يوفر غطاء سياسيا لعودة أنور هدام، لكنه لا ينهي امتداد الحزب.
الثلاثاء 2025/03/04
محاولات لإعادة التموقع في المشهد

الجزائر - ظهر القيادي السابق في حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة بالجزائر أنور هدام في صورة حديثة مع الناشط الإسلامي محمد بوفراش، لتتأكد بذلك المعلومات التي تحدثت عن عودته إلى الجزائر بعد 32 عاما من المنفى في الولايات المتحدة، ورغم التكتم الذي يلف الخطوة إلا أن الاستنتاجات الأولية تذهب إلى تفعيل قانون لم الشمل الذي أطلقه الرئيس عبدالمجيد تبون خلال السنوات الأخيرة، كطبعة منقحة من المصالحة الوطنية، هو الذي يكفل للرجل الحماية من تداعيات مواقف سابقة له تبنى فيها أعمالا إرهابية.

وتتجه الأنظار إلى سيناريو تفعيل قانون لم الشمل، لكنه ظل غامضا، قياسا بآليات تطبيقه وقياساته، ومع ذلك يبقى الإطار الوحيد الذي بإمكانه تبرير عودة الرجل إلى أرض وطنه بعد أكثر من 30 عاما من المنفى، لاسيما أنه تبنى مواقف أكثر راديكالية ودموية خلال ذروة نشاط العمل الإسلامي المسلح، حيث تبنى عمليات مسلحة بعينها، كما حدث مع تفجير مبنى الأمن الوطني في العاصمة عام 1993.

وتوحي الإشارات الأولية إلى أن عودة القيادي السابق في حزب جبهة الإنقاذ المحظورة بقرار قضائي صادر في مطلع تسعينات القرن الماضي، تمت بشكل يوحي بأنه استفاد من إجراءات عفو معينة يوفرها قانون لم الشمل، وتنطوي على معاملة انتقائية للسلطة مع تركة الحزب المنحل.

وكانت عودة أنور هدام (71 عاما) إلى بلاده قد تأجلت عدة مرات، منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، بسبب خلافات بينه وبين الجهات الرسمية المخولة بتأمين العودة، وبينه وبين قياديين آخرين في الحزب المذكور، رغم أنه لا علاقة تنظيمية وهيكلية تربطه بهم، منذ أن أسس الحركة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة.

عودة القيادي السابق أنور هدام إلى الجزائر كانت قد تأجلت عدة مرات، منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة

ولا يزال الغموض يكتنف ظروف وشروط عودة الرجل الى البلاد، ويبدو أن الخطوة تبلورت بعيدا عن الأضواء الإعلامية والسياسية، تفاديا للتأويلات المحتملة، خاصة موقف السلطة من فلول الحزب المحظور، ففيما جرت اتصالات مع بعض الوجوه القيادية في السابق من أجل الانخراط في مشروع لم الشمل، تتواصل القبضة الحديدية ضد رموزه في الداخل، حيث يعاني الرجل الثاني في الحزب من قيود إقامة جبرية صارمة، في حين تم توقيف نحو 20 قياديا، بعدما أصدروا بيانا سياسيا عام 2023 انتقدوا فيه إدارة السلطة للأزمة السياسية في البلاد، وعبروا عن استعدادهم للمساهمة في بلورة مقاربة تجمع كل الأطياف السياسية في البلاد.

ونفى مقربون من الجناح الراديكالي في جبهة الإنقاذ المنحلة أن تكون عودة أنور هدام قد تمت بعلم أو رأي قيادة جبهة الإنقاذ، فرغم الانتماء إلى نفس المدرسة السياسية إلا أن الاتصالات أو التشاور انقطعا منذ عدة سنوات، خاصة بعدما أسس الرجل حركته السياسية في الولايات المتحدة، ما يوحي بتنصله من رصيده النضالي والسياسي.

ويستبعد هؤلاء أن يكون قرار عودة هدام إلى الجزائر قد تم وفق مقاربة تتضمن شروطا أو تنازلات من الطرفين، تضع وضع الرفاق السابقين بعين الاعتبار، بدليل أنه تم تأجيل النظر في ملف القادة المحبوسين من طرف المحكمة المختصة بالعاصمة، وأن التهم التي كيفت لهم تندرج في إطار البند 87 مكرر من قانون العقوبات والذي يعالج قضايا الإرهاب، وهو ما يوحي بأن السلطة ما زالت تتبنى موقفا متشددا ضد بقايا جبهة الإنقاذ.

ويعد أنور هدام من أوائل كوادر جبهة الإنقاذ الذين اضطلعوا بمهمة رئاسة الهيئة السياسية والبرلمانية في أوروبا والولايات المتحدة من أجل الدفاع عن المسار الانتخابي الموقوف، وأقام في واشنطن أين تعرض لعدة مضايقات وتحقيقات لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ومع تلاشي النشاط السياسي والإعلامي لكوادر الإنقاذ في الخارج، تحت تأثير استعادة السلطة لزمام المبادرة، دب الفتور بين أفرادها، خاصة بعد إطلاق الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة لقانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية في 1999 و2005.

ورغم عدم الجهر بخلافات سياسية بين قيادات الهيئة السياسية، والقيادات التاريخية لجبهة الإنقاذ، فإن إعلان أنور هدام عن تأسيس حركة الحرية والعدالة الاجتماعية اعتبر بمثابة الانشقاق الذي لا رجعة فيه.

وأطلقت الجزائر في السنوات الأخيرة مشروعا للم الشمل يستهدف استقطاب وجوه سياسية معارضة، خاصة تلك الناشطة في الخارج، ليكون طبعة منقحة من قانون المصالحة الوطنية، لكنه بقي غامضا وغير مقنع للعديد من الوجوه المستهدفة، ولم يتم الترويج السياسي أو الإعلامي له، خاصة بعد الافتقاد للصدى المنشود، مع بعض الوجوه العائدة من حركة “رشاد” الإسلامية المصنفة ضمن الكيانات الإرهابية في الجزائر منذ عام 2021.

4