عودة المدارس تنقذ الأطفال الفقراء من سوق العمل

أربك تفشي وباء كورونا سير الدراسة في العالم، وخاصة في الدول الفقيرة العاجزة عن توفير تقنيات التعليم عن بعد. وفي الأردن لجأ الأطفال الفقراء إلى العمل أثناء العطلة المطولة لمساعدة عائلاتهم المعوزة، لكنهم يعودون إلى الدراسة ومعانقة أحلامهم مع بداية الأسبوع وسط الإجراءات الوقائية الضرورية.
عمان - توجه عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات الأردنيين إلى مدارسهم صباح الأحد، بعد عام تقريبا على إغلاقها، في إطار خطة كانت وزارة التربية قد وضعتها لإعادة أكثر من مليوني طالب تدريجيا بعد انخفاض عدد الإصابات بفايروس كورونا.
وجاءت عودة المدارس بارقة أمل للطلبة الفقراء الذين كانوا عاجزين عن متابعة دروسهم عن بعد، كما ستساهم في عودة بعض الذين أثقل كاهلهم العمل لمساعدة عائلاتهم أثناء الانقطاع المدرسي الذي فرضته الجائحة.
وأدى توقف التدريس منذ منتصف مارس 2020 إلى التحاق الآلاف من الأطفال بسوق العمل، خصوصا مع فقدان الكثير من الأسر مصادر دخلها المعتادة بسبب تداعيات تدابير الإغلاق على وضعها الاقتصادي.
ونزع عمر ذو الأربعة عشر عاما ثياب العمل ولبس ميدعة المدرسة ليعانق حلمه من جديد بأن يصبح طيارا، ويعود إلى مدرسته التي كانت مغلقة بعد أن كان يمر عليها متحسرا وهو في طريقه إلى عمله.
وعمل عمر في محل لإصلاح مدافئ الكاز والغاز في منطقة الأشرفية الشعبية في عمّان الشرقية منذ نحو أربعة أشهر قرابة 12 ساعة يوميا.
وقال الفتى الذي كان يعمل لمساعدة أهله “لكم تمنيت أن تنتهي هذه الجائحة لأعود إلى دراستي وتحقيق حلمي كي أصبح طيارا أجوب العالم”.
وضع عمالة الأطفال المعطلين عن الدراسة بسبب وباء كورونا صار مقلقا، خصوصا مع عدم كفاءة نظام التعليم الإلكتروني
وقال الناطق باسم وزارة التربية والتعليم عبدالغفور القرعان إن “أكثر من 773 ألف طالب وطالبة خصوصا من الصفوف الثلاثة الأساسية الأولى ورياض الأطفال عادوا اعتبارا من الأحد بشكل وجاهي إلى مدارسهم الحكومية والخاصة”.
وأضاف أن حوالي 288 ألفا آخرين من الصفين العاشر والأول الثانوي سيلتحقون بمدارسهم في 21 فبراير الحالي، موضحا أن بقية الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة البالغ عددهم أكثر من مليون ومئة ألف طالب من الصف الرابع ولغاية الصف التاسع، سيعودون اعتبارا من السابع من مارس المقبل.
وعن تجربته في العمل، قال عمر إنه كره رائحته بسبب ملابسه التي تظل متسخة طوال اليوم وتفوح منها رائحة الكاز، مضيفا “عند عودتي إلى المنزل أغتسل وأستحم، لكن رغم ذلك تبقى رائحة الكاز تفوح من يدي”.
وكان عمر يحصل على ثلاثة دنانير يوميا تساعد أسرته في إيجار البيت البالغ 130 دينارا (نحو 183 دولارا)، خصوصا أن والده عامل مياوم لم يعد يجد فرص عمل مثل عشرات الآلاف غيره منذ تفشي فايروس كورونا.
وارتفع عدد الأطفال العاملين في الأردن من نحو 33 ألفا عام 2007 إلى قرابة 76 ألفا عام 2016، ويعمل نحو 45 ألفا منهم في أعمال تصنف خطرة، وفقا لبيانات رسمية.
وقالت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الأردن تانيا شابويزات “نشعر بالقلق من ارتفاع الأرقام (…) من المنطقي أن ترتفع لأننا نعلم أن معدلات الفقر في ارتفاع”.
وقال خضر أبوزيد (58 عاما) الذي يؤجر عشرات العربات يوميا منذ نحو 24 عاما في السوق الشعبي في منطقة الوحدات المكتظة بالسكان في عمّان، إنه منذ إغلاق المدارس “زاد عدد الأطفال الذين يستأجرون العربات”.
وأضاف “الآن، الذين يقومون بالتحميل في السوق هم صغار تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما”.
وبدل أن يصحو علي مصطفى (12 عاما) باكرا كل يوم ليستأجر عربة ينقل عليها البضائع في السوق، صحا يوم الأحد ليحمل محفظته إلى المدرسة، وقال “منذ أن تعطلت المدارس أعمل من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء تقريبا بشكل يومي، أنقل الخضار والدجاج في السوق”.
وكان مصطفى يجني يوميا نحو خمسة دنانير يدفع منها دينارا واحد إيجارا للعربة ويعطي النقود لأهله ليساعدهم، فشقيقاه ووالده عمّال مياومون لا يجدون عملا كل الوقت.
ولم يكن لهؤلاء الأطفال الفقراء حلول أخرى، فحتى الذين لم ينزلوا إلى سوق العمل كالفتيات، وجدوا صعوبة في مواصلة دروسهم عن بعد نظرا لضيق ذات اليد وعدم القدرة على توفير الأجهزة اللازمة للدراسة عبر الإنترنت.
ورأت منسقة منظمة العمل في الأردن فريدة خان أن وضع عمالة الأطفال في الأردن “مقلق”، خصوصا مع عدم كفاءة نظام التعليم الإلكتروني.
وأضافت “معظم العائلات لديها مستوى بسيط من التعليم ولا تتمكن من مساعدة أطفالها في التعلم عن بعد”، ناهيك عن تشتت أذهان الأطفال في المنزل.
وأشارت إلى أن “الأهالي الذين يفقدون دخلهم يواجهون خيارات صعبة، فيدفعون أبناءهم إلى سوق العمل لتعويض الدخل المفقود خصوصا مع استمرار إغلاق المدارس”.
وقالت شابويزات “نعلم أن واحدا من كل أربعة أطفال لا يدخل إلى منصات التعلم عن بعد، وفقط 31 في المئة من مجموع الأطفال لديهم إنترنت”.
وأضافت “قد يكون نظام التعلم عن بعد فعالا لبعض الأردنيين، ولكن يهمنا من هم أكثر ضعفا. وبالنسبة إلى هؤلاء القضية معقدة للغاية”.
ولأن هذا الموسم الدراسي لا يشبه سواه من المواسم، فإن مختصين يرون أن العودة المدرسية تطرح مهمة عاجلة على عاتق وزارة التربية والتعليم تستوجب المواءمة الدقيقة بين الاحتياجات التعليمية والاجتماعية والعاطفية لطلبة مدارس المملكة، إلى جانب مراعاة الشروط الصحية لسلامتهم وسلامة الكوادر التدريسية مع استمرار الوباء.
وقال عضو اللجنة الوطنية للأوبئة بسام حجاوي، الأحد، إن “استقرار الوضع في الأردن وانخفاض المنحنى الوبائي ساهما في إعادة الحياة المدرسية إلى طبيعتها تدريجيا ضمن بروتوكول صحي واضح يشمل المعلمين والسائقين الذين ينقلون الطلبة لضمان عدم نقلهم للعدوى”.
وتقضي هذه الإجراءات الصحية بوضع كمامات وتعقيم اليدين والتباعد الجسدي في الفصول وتعيين مراقب صحي للتأكد من إجراءات السلامة العامة.
وأكد حجاوي أن “لجنة الأوبئة ستقيّم تجربة العودة إلى المدارس بعد أسبوعين لاستكمال عودة بقية الطلبة تبعا للوضع الوبائي”.