عوامل متعددة تعيق ولوج النساء لسوق الشغل في المغرب

النساء العازبات ذات مستويات التعليم العالية، هن الأكثر ولوجا لسوق الشغل.
الثلاثاء 2025/04/22
أعباء العمل المنزلي تحد من فرص تشغيل المرأة

الرابط ـ تقف عوامل متعددة خلف صعوبة ولوج النساء لسوق الشغل في المغرب، في مقدمتها العامل الثقافي المتمثل في نهوض المرأة المغربية بأعباء العمل المنزلي وتربية الأبناء، مما يعسِّر عليها التوفيق بين مسؤوليتها داخل البيت وخارجه، وذلك وفق ما أوردته دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط.

وحسب تحليل شهادات لـ274 امرأة من المناطق الحضرية والقروية بالجهة الشرقية والدار البيضاء سطات، أبرزت المندوبية السامية للتخطيط، أن أحد التصورات السائدة التي عبرت عنها المستجوبات هو “رفض الأسرة”، الذي اعتبرنه عائقًا رئيسيًا أمام مشاركتهن في سوق العمل، مؤكدات على أنه على الرغم من مهارات المرأة ومؤهلاتها، إلا أنها تواجه هذه المعارضة الأسرية.”

كما أوضحت المستجوبات أن الصعوبات المالية التي تواجهها الأسرة يمكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم المواقف تجاه ولوج المرأة إلى سوق العمل، حيث يكون هناك تقبل أكبر لهذا الأمر لأنه يصبح ملاذاً للضائقة المالية التي تعاني منها بعض الأسر، مع تأكيدهن على التحدي المتمثل في التوفيق بين متطلبات العمل المهني ومتطلبات المنزل، خاصة من قبل المشاركين من الدار البيضاء-سطات، وعلى النقيض من ذلك، يضيف التقرير، أن بعض النساء في المنطقة الشرقية تستفدن من دعم عائلي أكبر، ولاسيما بسبب كبر حجم الأسرة، مما يسمح لهن بتفويض أو تقاسم جزء من المهام المنزلية وتخفيف التوتر المصاحب للعمل.

الصعوبات المالية التي تواجهها الأسرة يمكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم المواقف تجاه ولوج المرأة المغربية إلى سوق العمل

وقال عبداللطيف وهبي، وزير العدل، في ندوة نظمتها وزارة العدل بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا في إطار برنامج التعاون الثلاثي إن “العمل المنزلي في الواقع دعامة أساسية للاستقرار الأسري، وعامل محدد في إنتاج الثروة وحفظ التماسك الاقتصادي.”

وتابع: “نحن نعيش اليوم تحولات كبرى تطال البنية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والدولي، لم يعد مقبولاً أن يستمر تجاهل هذا الدور الجوهري للنساء في صلب المنظومة الإنتاجية.”

وبلغة الأرقام أوضحت الدراسة أن النساء المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و34 سنة، واللواتي تتوفر لديهن شهادة متوسطة أو دون شهادة، هن الأقل ولوجا لسوق الشغل، وتصل احتمالية بطالتهن إلى 90 في المئة، في المقابل، فإن النساء العازبات ذات مستويات التعليم العالية، هن الأكثر ولوجا لسوق الشغل، حيث تتقلص نسبة بطالتهن إلى 18 في المئة، وأنه بإضافة عامل الزواج للنساء بين سن 25 و44 سنة، ذوات التعليم العالي يظهر أن نسب احتمال عدم ولوجهن إلى سوق الشغل ترتفع إلى 36 في المئة، فيما ترتفع إلى 60 في المئة بإضافة عامل الأطفال.

وأوضح تقرير المندوبية السامية للتخطيط، أنه حتى في غياب المسؤوليات الأسرية المرتبطة بالزواج، تواجه المرأة في الجهة الشرقية عقبات أكبر تحد من مشاركتها الاقتصادية، حيث أوضحت نتائج الدراسة أن نسبة احتمال عدم ولوج النساء العازبات إلى سوق الشغل في المنطقة الشرقية مماثل لنسبة النساء المتزوجات، والتي تقدر بـ75 في المئة.

ولا تتجاوز نسبة المغربيات في سوق الشغل 20 في المئة، حيث يعاني معظمهن من ظروف عمل مزرية، وفق ما كشفت عنه ورقة بحثية حديثة لـ”مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، وأن هذا المعطى تقف خلفه عوامل متعددة، يبقى في مقدمتها العامل الثقافي المتمثل في نهوض المرأة المغربية بأعباء العمل المنزلي وتربية الأبناء، مما يعسِّر عليها التوفيق بين ذلك والعمل خارج البيت.

وأكدت بيانات استطلاعية لشبكة “البارومتر العربي”، أن 77 في المئة من النساء المغربيات الحاصلات على شهادة جامعية اللواتي لم يعدن موظفات صرحن برغبتهن في العودة إلى العمل مستقبلا، مقابل 40 في المئة فقط منهن من الحاصلات على مستوى ثانوي أو أقل. وبحسب النتائج عينها، فإن “النسبة الإجمالية من النساء المغربيات اللواتي يردن العودة إلى العمل مستقبلا لا تتجاوز 50 في المئة.”

النساء المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و34 سنة، واللواتي تتوفر لديهن شهادة متوسطة أو دون شهادة، هن الأقل ولوجا لسوق الشغل

ولتجاوز هذه الإشكالية أكد الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، الطيب غازي، أنه يشجع مرونة العمل، أي أنماط الشغل التي من شأنها السماح للنساء بالتوفيق بين المسؤوليات الاجتماعية والأسرية والمسؤولية المهنية، كالعمل بدوام جزئي والعمل عن بعد.

وأوضح الخبير ذاته أن ضعف ولوج النساء لسوق الشغل مرتبط بعدة إشكالات من قبيل ضعف الرعاية الصحية المخصصة لهن، ورعاية الأطفال، فضلا عن تقسيم الأدوار داخل الأسرة المغربية، و”لذا فإن التعاطي مع هذا المشكل لا يمكن أن يتم إلا من خلال سياسة متعدد الأبعاد، وبما أن البعد الثقافي له يد في الواقع المهني للمرأة المغربية، نصح غازي بالعمل على “التحسيس والتوعية وتغيير الصور النمطية والمفاهيم الاجتماعية والثقافية في هذا الصدد.”

وفي المقابل يرى باحثون في علم الاجتماع، أن ارتفاع نسب الطلاق والترمُّل عوامل ساهمت في تزايد مسؤولية النساء في إعالة الأسر واقتحام مجال الشغل، كما أن البرامج الحكومية الموجهة لتمكين المرأة من خلال التوظيف ودعم المشاريع الذاتية عززت هذه الدينامية.

وفي تقدير فيدرالية رابطة حقوق النساء، زادت نسبة الأسر التي تعولها مغربيات ويُفسر ذلك بـ “منسوب الوعي المجتمعي الذي ارتفع، فضلا عن دواع سوسيو-اقتصادية تدفع بهنّ للعمل.

ويدعو برلمانيون إلى اعتماد سياسات عمومية لتعزيز حماية حقوق النساء، وهو ما يستوجب تشريعات عمل مُنصفة تلائم الواقع الجديد للمغربيات كمُعيلات لأسرهنّ مهما كان وضعهن الاجتماعي.

وأوصت الدراسة الصادرة حديثا، عن “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، الحكومة بتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، لحثه على الانخراط في هذا التوجه الداعم لتشغيل المرأة، إضافة إلى تعزيز “قدرات القياس والتقييم، وجمع وتوفير البيانات حول قضية المرأة في سوق الشغل ووضع مؤشرات أداء محددة وقابلة للقياس لتقييم فعالية البرامج الموجودة وتصحيحها إن تطلب الأمر، مع إزالة الحواجز القانونية والسياسية التي تعيق تمثيل المرأة في صنع القرار والمناصب العليا داخل المؤسسات والشركات، وتوفير خدمات الرعاية الصحية التي جاءت بها خارطة الطريق المتعلقة بالتشغيل.”

15