عوامل متداخلة تهدد حركة الترانزيت بين الأردن وجواره

شكل قرار الرياض بمنع مرور الشاحنات الأردنية التي جرى تصنيعها قبل العام 2000 إلى أراضيها ضربة قاسية لقطاع الترانزيت في الأردن الذي تضرر كثيرا في السنوات الماضية بفعل عدم الاستقرار بالجوار.
عمان- تواجه حركة الترانزيت بين الأردن ودول الجوار تحديات كبيرة باتت تهدّد بشلّ هذا القطاع الحيوي الذي يشكل متنفسا للاقتصاد الأردني الذي يواجه صعوبات كثيرة فاقمتها جائحة فايروس كورونا.
وتقول أوساط أردنية إن عوامل متداخلة منها ما هو سياسي وأمني تحول دون انتعاش الحركة التجارية التي تضررت بشكل كبير في السنوات الماضية بسبب غياب الاستقرار في الجوار.
وتحذر الأوساط من زيادة الضغوط على هذا القطاع في ظل الصعوبات التي بات يواجهها التجار الأردنيون على الحدود مع السعودية إلى جانب الخلافات المستمرّة مع سوريا والتي تحول دون عودة نشطة للحركة في معبر جابر نصيب الحدودي الذي جرى إعادة فتحه في مارس بعد إغلاق لأشهر على خلفية تفشي فايروس كورونا.
وقررت المملكة العربية السعودية وعلى نحو مفاجئ الثلاثاء منع أكثر من 400 شاحنة أردنية من الدخول إلى أراضيها لأسباب قيل إنها “فنية” مرتبطة بسنة إنتاج تلك الشاحنات التي تقل عن عام 2000.
والشاحنات الممنوعة من العبور مبردة ومحملة بالمواد الغذائية والخضار والفواكه والمواشي، وهي تنتظر منذ الإثنين دخولها إلى الأراضي السعودية.
وقال نائل ذيابات نائب نقيب أصحاب السيارات الشاحنة في الأردن إن السائقين تفاجئوا بالقرار عند دخولهم إلى المراكز الحدودية السعودية “إذ لم يتم تبليغهم به مسبقا”. وبيّن ذيابات أن القرار سعودي مطلق “ويقضي بمنع السيارات سنة إنتاجها أقل من عام 2000 بدخول السعودية أو المرور منها إلى باقي دول الخليج”.
وأشار إلى أن القرار السعودي الذي عمّم على السائقين على الحدود بين البلدين لم يبرر سبب رفض دخول تلك الشاحنات التي يزيد عمرها عن 21 عاما، مبينا أن الجهات المعنية في الأردن تبلّغت بالقرار الثلاثاء . واعتبر أن “قطاع النقل بانتظار إجراءات من السلطات الأردنية بخصوص القرار السعودي”.
وتشكل السعودية ممر عبور للعديد من السلع الأردنية المتجهة إلى أسواق دول الخليج أو إلى أسواق المملكة. ولم توضح السعودية سبب قرار منع الشاحنات التي يقل سنة إنتاجها عن عام 2000، لكن الأمر – وفق إعلام محلي – مرتبط بالحفاظ على البيئة من التلوث؛ حيث عادة ما يكون العادم الخارج من السيارات القديمة أكبر.
وكان وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أعلن قبل نحو شهر عن مبادرتي “السعودية الخضراء” لتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4 في المئة من مساهماتها العالمية و”الشرق الأوسط الأخضر”.
ويشكك البعض من الأردنيين في دوافع القرار حيث يعتقد هؤلاء أنه لا يخلو من أبعاد سياسية وقد يكون للأمر علاقة بإيحاءات بعض المسؤولين في الأردن عن دور مزعوم للرياض فيما حصل الشهر الجاري من أحداث هزت عمّان، رغم أن السعودية كانت في مقدمة الدول العربية التي أعلنت رفضها لأيّ مساس بأمن الأردن وعن دعمها المطلق لأيّ إجراءات تتخذها للحفاظ على استقرارها.
وحذّرت نقابة أصحاب الشاحنات في الأردن من خطورة القرار السعودي حيث أن البضائع المحمّلة بالشاحنات مهددة بالتلف والمواشي بالنفوق نظرا لارتفاع درجات الحرارة.
واعتبرت النقابة أن الخسائر لا تنحصر فقط في ذلك حيث أن بقاء الموقف السعودي على حاله يعني أن أكثر من 6 آلاف شاحنة أردنية من أصل 20 ألفا ستكون ممنوعة من دخول المملكة وهذا سيؤدي إلى ضرر كبير وتعطل الآلاف من السائقين عن العمل.
ولفتت إلى أن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المواطن الأردني في ظل جائحة كورونا تحول دون قدرته على شراء أيّ شاحنة جديدة سنة صنعها تزيد عن 2000 خصوصا وأن قيمة الشاحنة تزيد عن 60 ألف دينار.
وشهدت الحركة التجارية بين الأردن والسعودية في الأشهر الماضية تعطلا في أكثر من مناسبة بسبب تفشي جائحة كورونا، ولئن أبدى سائقو الشاحنات الأردنيين تفهما للوضع فإن القرار الأخير شكل صدمة بالنسبة إليهم.
ويقول خبراء اقتصاد إن القرار السعودي في حال استمر سيشكل تحديا أمام الحكومة الأردنية التي تواجه ظروفا اقتصادية صعبة، حيث أن هذا القرار سيمس الآلاف من العائلات داخل المملكة.
ويلفت الخبراء إلى أن حركة الترانزيت بين الأردن والسعودية شهدت منذ العام الماضي تراجعا كبيرا بعد قيام الأخيرة بتشغيل خطين بحريين مع مصر، حيث انخفضت الحركة من مصر الى السعودية والعراق عبر الأراضي الأردنية، بنسبة 35 في المائة مقارنة مع السنوات السابقة، الأمر الذي أفقد عمّان موارد مالية هامة لإنعاش خزينتها.
ويشير هؤلاء إلى أن الوضع لا يقل سوءا مع سوريا فرغم عودة فتح معبر جابر نصيب منذ نحو عامين بيد أن الحركة التجارية ظلت ضعيفة لأسباب لوجستية وأيضا سياسية وأمنية، زد على ذلك الخلافات حول الرسوم الضريبية.
ومؤخرا أبدى الجانب السوري تململا من الرسوم الضريبية المفروضة من قبل عمّان على أصحاب الشاحنات السورية، مهددا بالاستغناء عن هذا المعبر والتوجه إلى العراق.
وقال رئيس جمعية النقل المبرد في العاصمة السورية دمشق عبد الإله جمعة الاثنين في لقاء مع وكالة “سبوتنيك” الروسية إن الشاحنة السورية تدفع حوالي 6 ملايين ليرة سورية لتقطع مسافة وقدرها 170 كيلومترا ذهابا، كما تدفع مليونا وأربعمئة ألف ليرة سورية إيابا وهي فارغة، خلافا لكل الرسوم المفروضة على مستوى العالم.
القرار السعودي الذي عمم على السائقين على الحدود لم يبرر سبب رفض دخول تلك الشاحنات التي يزيد عمرها عن 21 عاما
وأشار إلى مشكلة أخرى تتمثل في إعادة الكثير من السائقين إلى سوريا بعد دخولهم الحرم الجمركي الأردني بحجة أنهم لم يدخلوا إلى الأردن منذ عدة سنوات علما أن المعبر أغلق لمدة ثلاث سنوات بسبب الإرهاب مما تسبب ببطالة هؤلاء السائقين وبخسارة كبيرة للمصدرين لإيجاد طريقة للبضائع في معبر جابر الأردني وتأمين سائق بديل يعيد الشاحنة إلى سوريا.
وأبدى المسؤول السوري تفاؤلا بقرار العراق استئناف حركة الترانزيت مع دول الجوار، وقال جمعة “يشكل العراق عمقا استراتيجيا لسوريا فإذا تم السماح بمرور البضائع السورية إلى العراق ثم إلى دول الخليج. فإذا ما تم فتح معبر عرعر بين العراق والسعودية سيتم الاستغناء عن المرور داخل الأردن وبالتالي توفير دفع الرسوم والتخلص من التعقيدات والعوائق أمام الشاحنة السورية والسائق السوري تحت حجج كثيرة وستعمل الشاحنات السورية بشكل جيد وستنتعش التجارة بين سوريا والعراق من جهة ودول الخليج من جهة ثانية”.
ويرى مراقبون أن توجه التجار السوريين إلى العراق سيفقد الأردن موردا ماليا مهما وقد تكون له تداعيات مستقبلا على الحركة التجارية للأردن عبر الأراضي السورية، وهو ما يفسر مسارعة حكومة بشر الخصاونة إلى التواصل مع الحكومة السورية عبر إيفاد رئيس غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي الشهر الجاري إلى دمشق في محاولة للتوصل إلى توافقات جديدة.